قراءة نقدية لرواية (توحّد)

2021/10/28

بقلم الناقدة العراقية أنفال كاظم ..



(سيمياء العنونة ومعطيات الواقع الاشكالي في رواية توحّد للروائي غيث الربيعي )

أنفال كاظم :

سيمياء العنونة ومعطيات الواقع الاشكالي في رواية توحد للروائي غيث الربيعي أنفال كاظم رواية (توحّد) للروائي غيث الربيعي والصادرة عن منشورات جسد للطباعة والنشر٢٠٢٠ تحمل مضامين واتجاهات فكرية يسعى الروائي الى بذرها في ذهن القارئ بأسلوبه الخاص الذي ينطوي على ثقافة معرفية شاملة ورؤية واعية للساحة الثقافية والسياسية والاجتماعية في العراق سابقاً وحالياً،اذ قدم لنا صورة واقعية لحياة الشاب العراقي بكل صراعاته النفسية والفكرية والدينية تحت مطرقة الحروب والفقر والمعاناة والانحطاط المجتمعي السائد وانهيار القيم والمبادئ وتخلخل الثوابت الفكرية والدينية والتناقضات التي تشمل الجبن والشجاعة والوفاء والخيانة والدفاع والتخلي عن ارض الوطن الممزق وتشظي القناعات بين الماضي والحاضر والخوف من المستقبل و زعزعة الثقة بين الاصحاب والمقربين وغيرها من القضايا التي تطحن الفرد بلا هوادة حتى يصبح بقايا انسان ببقايا جسد وبقايا روح، الرواية حافلة بالمضامين الفكرية التي تتمحور حول شكل الحياة الجامعية التي تسودها العلاقات العاطفية اكثر من غيرها من العلاقات وسطحية الأفكار التي تسودها والاحاديث الرومانسية والمكملات المظهرية والتجميلية والسمسرة التي أصبحت نهج الاصحاب في أيام التمدن والتحضر الذين اصبحوا عدداً بلا نوع ،قضية الزوجة التي باتت كسلة لقاذورات الرجال بحسب العادات وتقاليد الشرف اذ تفرغ بها شهوات الليل وتتفرغ للخدمة بالنهار وهذا ضرب من ضروب التخلف الذي فرضه المجتمع على المرأة،ارض السلام (بغداد) التي هي بالحقيقة ارض الدماء والدمار فكل الممالك والدول التي قامت عليها اورثتها الدمار لاغير فهي ليست مقراً للحياة كما يظن العالم بل هي قبراً جميلاً للاحياء داخلها اشبه بحقل الغام كبير وكلمة الله اكبر قرنت بالموت منذ ان وضعت شعاراً لذلك العلم ذي الألوان الأربعة ورغم ذلك فأن مناطق بغداد لم تندثر مهما عانى البلد من نكبات مثل شارع المتنبي والقشلة وساحة التحرير ودكان حجي زبالة وغيرها من المناطق التي تركت اثراً في قلوب العراقيين ،الفقر والغنى والطبقية التي تسود الشارع العراقي في الآونة الأخيرة فالفقير لايحترم كأنه قدر له الفناء ليختفي بين الناس دون اهتمام او تقدير،المستشفيات الحكومية وسوء الأوضاع فيها التي لايعلو فيها صوت سوى الشتائم ولايسودها سوى الانزعاج والوجوه المكفهرة للمرضى والممرضين رغم ان الشرق كان في السابق هو الأكثر علماً وتطوراً بينما الان يغوص في الجهل والهمجية ،الحرية الزائفة في وطننا العربي ومفهومها الخاطئ وواقع الشرك والالحاد الشائك والشك الذي بات هو المادة الأساسية للايمان وحال البلاد العربية التي يحكمها العرف قبل الدين والقانون والكثير من المواضيع الدينية والسياسية مثل تعليم المشايخ والأفكار التي يبثوها في الأذهان حول البنت على انها عورة وقد يتلبسها الشيطان لتصبح طريقاً الى قلب المؤمن وبالتالي ينحرف عن الدين القويم، تدور احداث الرواية حول(علي)الشخصية الرئيسة وهو الراوي المشارك والممسرح داخل الرواية وجزء من مادة الحكي وكما جاء في المصطلح السردي لجيرالد برنس(الراوي الممسرح يكون شخصية داخل الرواية ويشير لنفسه بضمير المتكلم أنا_نحن) وكما جاء في السرد المؤطر في روايات النهايات وحسب نظر بارت ايضاً(الراوي شخصية وهمية لاشكل لها بمعزل عن النص فهو ليس شخصاً حقيقياً من لحم ودم بل هو كائن من ورق قد يكون شاهداً او،مشاركاً ويظل مع ذلك مفردة متخيلة من العالم الروائي المتخيل) علي طالب في الكلية التقنية الطبية قصته الرئيسية تسير جنباً إلى جنب اثناء السرد مع ثلاث قصص ثانوية حدثت بالماضي استطاع الكاتب ادغامها معاً بخلطة متجانسة وقدمها للقارئ من خلال التلاعب بالزمن واستخدام تقنية الاسترجاع الزمني وهذه القصص هي قصة عمه خليل البرهان مع الدكتورة زهراء بنت العم دانيال الشيوعي الكُتبي في المتنبي ومسيحي الديانة والذي كان جاراً له وماتخللها من عثرات افقدت العم خليل الحب وابعدت زهراء عن العيش الرغيد ،وقصة الهروب الطوعي للعم خليل البرهان عندما عزم الخروج في أواخر ٢٠٠٢م مع ثلاث أصحاب من حدود حكم الدولة التي كانت على أبواب الحرب مع أمريكا والفرار من الخدمة العسكرية التي تعني الموت تحت مطحنة أجساد الرجال الى سوريا ثم الى المانيا عن طريق اليونان بمساعدة هاشم الحمصي، وقصة المكتبة وسجن العم خليل البرهان عام١٩٩٩م عندما القي القبض عليه لانه اقتنى كتاب معين من مكتبة العم دانيال ثم اتهامهم بالتجسس والعمالة الخارجية مع ايران ورميهم بالزنزانة برفقة قاسم حجية وماعانوه من ابشع أنواع العذاب والاهانة ولم يعتقوا من هذه البؤرة القذرة الا بعد(تبييض السجون) العفو العام الصادر من السلطة،علي الطموح الغض الذي كدس جل سنواته العشرين في دراسة العلوم الدينية وخصوصاً الدراسات القرآنية يؤمن بان الصداقة ليست جلسات مسامرة وانما هي توارد أفكار وان الحياة عبارة عن اختبار طويل لامجال للتاجيل او الرسوب ولاحتى الاستراحة فلا خيار سوى النجاح لكنه يعاني الضياع في بحر التوحد ويتلبسه الغياب الروحي من كل حدب وصوب وفي كل وقت ،يعاني من طيف التوحد بإعراض اخف من التوحد(الذي هو اضطراب عصبي من الاضطرابات الذاتية يسمى مرض التوحد أو الذاتوية وله اعراضه ومن ضمنها صعوبة التأقلم مع المحيط وضعف العلاقات الاجتماعية المتبادلة)فالتوحد ليس مرضاً بنظره بل مجرد تراكم الخيبات المتتالية من ضربات قوية ونكسات فعلها المقربون والاصحاب وشبهه على انه كائن هلامي ينتشي بالفراق ويزداد قوة بغياب الاخلاء فلا شيء يقضي عليه سوى الكتابة والقلم الذي ينزف حبراً على بياض الورق مع إضافة القليل من أفكاره المسمومة بألوان الحياة فهو مهووس بكتابة الاحداث التي تمر بحياته والتي يمر بها الاخرون مع الشعور بالالم والمرار الذي بدأ يتسلل الى كل انحاء جسمه شيئًا فشيئاً ،بصدد هذا الاضطراب الذي تعانيه الشخصية الرئيسية والذي كان ملازماً لها في الرواية وضع عنوان الرواية(توحّد) فقد امتازت عتبة العنوان بالموضوعية والتجانس مع النص السردي وفحواه وجوهره وكما ذكرت أمل أحمد عبد اللطيف (المؤلف لايضع العنوان اعتباطاً بل يتقصد من ورائه مزيداً من الدلالات والإيضاءات التي تسهم في فك رموز نصه سواء أن كان ذلك صياغته وتركيبه أم في دلالته وتعلقه بالنص اللاحق) ،علي يروي لنا الاحداث مشيراً لنفسه بضمير المتكلم(أنا) بصفته الراوي الظاهر والمشارك بالاحداث مما يجعل القارئ يتوهم بانه المؤلف ذاته،ويعرض الشخصيات وانفعالاته والتعليق عليها ووجهة نظره بها ومايدور بذهنه من أفكار وهواجس بلا تردد، هناك الكثير من الشخصيات الثانوية في الرواية التي ساهمت في تنامي الحدث السردي ودفعه للامام هذه الشخصيات بعضها ساندة وداعمة وبعضها معيقة وتنامت بطريقة سلبية خلال سير الأحداث وبطريقة غير متوقعة مثل(العم خليل البرهان و العم دانيال والدكتورة زهراء وحيدر ابن عم ميس وميس قاسم الخالدي ومقداد البياتي وليان وصادق وغيرهم) وقد كان قلم علي يحكم على كل واحد منهم غيابياً بحكم يليق به وبأفعاله والى الأبد ،ومما لاشك فيه ان هذه الرواية بمثابة موسوعة شاملة للكثير من الاحداث السياسية التي مر بها العراق وخاضها العراقيون بألم وحزن ومن هذه الاحداث(جسر الأئمة الذي يربط بين الرصافة والكرخ عندما صاح احد المدسوسين بأن هنالك إرهابي انتحاري وسط الحشود وسقوط النظام٢٠٠٣م والاحتلال الأمريكي والانتفاضة الشعبانية ١٩٩١م وحرب العراق مع الكويت(عاصفة الصحراء١٩٩٠) والمظاهرات والمجموعات السوداء في ساحة التحرير التي أصبحت كابوساً للعراقيين،وعمليات صولة الفرسان في البصرة والحرب مع داعش وانفجار الكرادة وحريق مجمع الليث التجاري وهادي سنتر وفجيعتها التاريخية التي لم ولن تنسى،وفرق الامر بالمعروف والنهي عن المتكر للقيام بالقصاص من الشباب والفتيات عن طريق تهشيم الرأس بالبلوكة الكونكريتية بتهمة الشذوذ الجنسي والاستخناث،الرواية مليئة بالتشويق والاثارة وتستدرج فضول القارئ حتى اخر صفحة من صفحات الرواية،امتاز الكاتب بقدر كبير من الحرية اثناء الكتابة وعكس وجهات نظره بوضوح وصراحة كذلك الحرية بعكس وجهات النظر الايدولوجية المختلفة التي تمد المتلقي بسيل من المعلومات والحقائق والانطباعات حول ماجرى وما سيجري داخل حدود هذا الوطن المربك ،اعتمدت الرواية على السرد المتناوب (المتقطع)وكانت وسطاً بين الصوت الواحد المهيمن والاصوات المتعددة وكما يرى محمد نجيب التلاوي(رواية الأصوات المتعددة تختلف عن الرواية التقليدية والتجانس الذي يغري نقاد الرواية التقليدية لان من اساسيات انجاحها هو اللاتجانس الذي يكمن وراء الأصوات الموجودة داخل العمل الروائي الواحد)،واخيراً ان الروائي عزم على وضع نهايات مناسبة لأبطال روايته مع اعطائهم استحقاقهم داخل الحبكة لكن بعضها متوقعة وبعضها غير متوقعة وهنا تكمن ذروة التشويق للقارئ.

 

2021-10-29_002544

أخترنا لك
1000 يوم على المونديال التاريخي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة