بقلم / نجوى معروف/ الراية
مسلسل «لعبة الحبّار» هو الأكثر مشاهدةً على مستوى العالم حاليًا، ويدور الجزء الأول منه حول الغارمين وخضوعهم لإغراء المقامرة، والدخول في ألعاب ومناورات خطيرة حد الموت، يفوز فيها الناجي الوحيد بالمليارات، بعد موت جميع المقامرين على حياتهم.
لماذا وكيف يوافق الناس على مخاطرةٍ قد تودي بحياتهم من الجولة الأولى؟ لأنهم من الغارمين في الديون حد اليأس، كيف ولماذا؟
يتم البحث عن المتعثرين واستقطابهم بعد استقصاء شامل عنهم، ثم اختلاق صدفة مع مقامر مُدرّب يجعل الفوز بالمال حليفهم، فيغريهم الطُّعم ويتجاهلون الصنارة، داخلين شِباك الصيد طوعًا، وهم على يقين لا يقبل الشك، بأن الفوز مقترن بموت الآخرين، فكلما مات أحدهم ازدادت فرصة الفوز وازداد المبلغ، إذ إن كل مقامر يساوي مبلغًا يضاف للجائزة الكبرى حال موته، وفي النهاية ينجو من الموت شخص واحد.
ورغم استهجان خضوع الإنسان للمخاطرة بحياته، إلا أنّه يُذكرني إلى حد كبير بالهجرات غير الشرعية، وهروب أعداد كبيرة في قوارب صغيرة لا تقوى على أمواج البحار فتغرق، هو الهرب من موت إلى موت، ويبقى التساؤل: من المستفيد؟
لعبة الحبّار، تكشف لنا مكاسب مخفية يلوذ بها أشرارٌ خلف الكواليس، حيث يتم استئصال أعضاء الخاسرين أو بالأحرى الضحايا قبل حرق جثثهم، لتجارة الأعضاء.
أمّا المكسب الثاني، فيأتي من أموال هواة الرهان على المقامرين، إذ يختار كل منهم رقمًا -شخصًا- يراهن عليه، تمامًا كسباق الخيل، لكن الفرق أنّه يراهن على إنسان يقامر بحياته، ويجهل أنّ هناك من يراهن عليه، ويستمتع المراهنون بمشاهدة لعبة الموت، وتساقط البشر كالذباب بلا أدنى شعور بالأسى، كمن كانوا يتابعون جولات المصارعة الحُرّة والملاكمة سابقًا، التي على ما يبدو كانت تقتل المشاعر الإنسانية تدريجيًا، وتمهّد لبثّ مزيد من العنف المُثير عبر الشاشات!!
الحاجة الماسّة لا تعني الفقر، فالفقر لا يؤدي للسرقة، لكنه قد يؤدي للقروض والخضوع لمخاوف السجن، والتشهير، كثيرون عاشوا وماتوا فقراء، لم يكن لديهم احتياجات ماسة للأدوية أو عمليات جراحية أو أي شيء آخر، واكتفوا بما لديهم دون تطلعات.
اليأس لا يغلب إلا من ينسى أن باب السماء دائمًا مفتوح، حتى لو أُغلقت في وجهه كل الأبواب، فيستسلم للحزن والكآبة، ويعتقد أنه بلا قيمة ولا حاجة لوجوده في الدنيا، خاصة إن كان مسؤولًا عن شخص واحدٍ على الأقل، ولا يستطيع إسعافه أو توفير أدنى سبل الحياة له، ولقلة إيمانه وحيلته قد يلجأ لطرق مُحرّمة، وما رأيته في «لعبة الحبار» شمل القتل والانتحار والقمار والاحتيال، بغض النظر عن السيناريو والحوار عميق المعاني، والإخراج المتطور والحبكات الدرامية التي جذبت ملايين المشاهدين.
قطاع صناعة أفلام من هذا النوع أو غيره، أصبح أحد موارد الدخل القومي والاقتصادي لبعض الدول، لما ينبثق عنه من مئات ملايين الألعاب والتطبيقات الإلكترونية والأزياء والمنتجات المختومة بعلامته التجارية.
خيال الإنسان عجيب وغامض، والعقل مصنع غريب الأطوار تُديره النفس بكل فجورها وتقواها، ويبقى الاختيار مسؤولية الإنسان التي سيحاسب عليها.
اللهم اجعلنا من الأتقياء بأنفسنا وغيرنا، وبدّل حالنا إلى أحسن حال.