بقلم / مجاهد منعثر منشد
أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، اعضاؤه مقطعة واشلاؤه موزعة على تراب كربلاء ! شغف قلب الحسين ,فأحبه كحب يعقوب ليوسف , ابن ليلى ذا النَّدى والسُّدى ,كريم الجد والآب والنفس ,لا يُؤْثرُ الدنيا عــــلى دينهِ , لا يبيعُ الحــــقَّ بالباطلِ . برز أشبَهُ الناس خَلْقاً وخُلُقاً ومنطِقاً برسول الله محمّد - صلى الله عليه وسلم- يوم الطف وعمره ما يقارب سبعاً وعشرين سنة , فمن كان في بأس حمزة وشجاعة حيدرومهابة أحمد, مستعدا للشهادة كأول شهيد من بني هاشم صبيحة يوم عاشوراء بعد أنصارأبيه, لكن من قال فيه أبو عبد الله : (وكنّا إذا اشتَقنا إلى وجهِ رسولك نَظَرنا إلى وجهه), قمحيا علي الأكبر كان يحاكي محيا جده المصطفى , فما حال القائل لورآه قتيلا ؟
دخل الأكبرساحة الوغى وهو يرتجز قائلا:
أنــــــا علي بن الحسين بن علي
نحــــــن ورب البيت أولى بالنبي
تا لله لا يحكـــــم فينا ابن الدعي
أضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي علــــــوي
و قتل عددا كبيرا من أعدائه وهو في حالة عطش إلى الماء , ضج معسكر الاعداء , فعاد إلى أبيه بعد إصابته بجراحات , حرك شفتيه الذابلتين من شدة العطش, فهمس في أذني الحسين الواعية : يا أبه، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟
سالت دموع الحسين على الخدين التريبين كغزارة المطر, ونطق لسان الحق: يا بُني، عزّعلى محمّد وعلى عليّ وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك. يا بُني, هات لسانك، فأخذ لسانه فمصّه، ودفع إليه خاتمه وقال له: ((خذ هذا الخاتم في فيك، وارجع إلى قتال عدوّك؛ فإنّي أرجو ألا تُمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لاتظمأ بعدها أبداً )).
عاد إلى المعركة وحمل مرددا :
الحرب قد بانت لها حقائقْ.. وظهرت من بعدها مصادقْ
والله ربّ العرش لا نفارقْ .. جموعكم أوتُغمد البوارقْ
فقاتل قتال الأبطال ثم صرع , فإحتوشوه الأعداء وانهالوا عليه ضرباً بالسيوف اعتنق فرسه، ومن عادة الأفـراس العربية أن تفهم إشارة الاعتناق وتعيد بالفرسان عندها إلى موطن آمن، ولكن الجيش المعادي كان قد أحاط بعليّ الأكبر، وتدفق الدم من رأسه على عيني الجواد منعه من الاهتداء إلى معسكر الحسين، فحمله إلى عسكر الأعداء الذين دعاهم الحقد واللؤم إلى أن ينهالوا عليه بسيوفهم ويقطعوه إرباً إرباً. فـي هـذه الفترة العصيبة، لم يطلب علي النجدة من أبيه، وتحمّل كل تلك الطعنات بصبرويقين، ولكن عندما بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته: يا أبتاه، هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول: العجل العجل! فـإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعـة. خاطبه الحسين وآهاته في صدره وعبرته تختنق والحسرات محبوسة، يكفكف بقايا دموعه محتسباً صابراً وبعد ساعات من مصرع فلذة كبده سيلحقه ,فقال: قتل الله قوماً قتلوك يا بُني، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ! على الدنيا بعدك العفا. أقبل الإمام الحسين إلى فتيان بني هاشم وقال: «إحملوا أخاكم»، فحملوه من مصرعه، فجاؤوا به حتـى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.
السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يا ابن نبي الله السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد السلام عليك أيها الشهيد بن الشهيد السلام عليك أيها المظلوم لعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به السلام عليك يا ولي الله وابن وليه لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا وإليك منهم في الدنيا والآخرة .