*( نصيحة)
بقلم | مجاهد منعثر منشد
يكلِّمُ نفسه خائفًا, ماذا؟ أَيقتَلُ أَخي , سأحاولُ منعَهُ , حدَّثهُ بحبِّه لَهُ , كيفَ شَرَّفهُ اللهُ عليه وجعلَهُ من ساداتِ أَهل الجنَّةِ , نَصَحَهُ, تَنَحَّ ببيعتِكَ عن يزيد بن معاوية , قَدَّمَ مَشورتَهُ في دعوةِ النَّاسِ إليه , ختمَ نُصحَهُ : إنِّي أَخافُ أَن تَدخُلَ مصرًا من هذهِ الأَمصارِ فيختلفُ النَّاسُ بينهم, فمنهم طائفةٌ معكَ وأخرى عليك، فيقتتلونَ فتكونَ أَنتَ لأَوَّلِ الأَسنَّةِ غَرَضًا، فإذا خيرُ هذهِ الأمَّةِ كلّها نفسًا، وأبًا وأمًا، أضيَعُها دَمًا، وأذلّها أهلًا!
نظرَ الإمامُ لعينيه , حرَّكَ شَفتيه : فأَينَ أَذهبُ يا أَخِي ؟
ـ عادَ يعرضُ مُقترحاتِهِ ويُقدِّمُ خيارتِهِ : انزلْ مكَّةَ أو اليمن حتَّى تنظرَ ما يَصيرُ أَمرُ النَّاسِ إليه ويحكمُ الله بيننا وبين القوم الفاسقين، فإنَّكَ أَصوبُ ما تكون رأيًا حين تستقبلُ الأَمرَ استقبالا.
أَجابَهُ الحسينُ بعزمٍ : يا أَخِي واللهِ لو لم يكنْ ملجأ، ولا مَأوى لما بايعتُ يزيد بن معاوية.
ـ تلعثمَ , تَمتَمَ : ماذا تقولُ لأَبيكَ يا محمَّد بن الحنفية , فواللهِ ـ يا أَخِي ـ ما أَقدرُ أَنْ أَقبضَ على قائمِ سيفٍ، ولا كعبِ رمح، فواللهِ لا فَرِحتُ بعدك أَبدًا! أُغرقتْ عيناه بالبكاء ,أغشي عليه .
أَفاقَهُ الإمام هامسًا بمسامعه : وأَمَّا أَنتَ يا أَخِي فلا عليكَ بأنْ تقيمَ بالمدينة فتكونَ لي عَينًا لا تخفي عني شيئًا من أمورهم.
يصغي لكلام أَخيهِ ودموعُهُ تسيلُ على خدَّيه , فأردفَ الإمامُ : يا أَخِي جزاكَ اللهُ خيرًا, قد نصحتَ وأَشفقتَ، وأَرجو أَنْ يكونَ رأيكَ سديدًا موفقًا, وأَنا عازمٌ على الخروج إلى مكَّة، وقد تهيأتُ لذلك أَنا وإخوتي وبنو أَخي وشيعتي، وأمرهم أَمري ورأيهم رأيي.
رفعَ الحسينُ رأسَهُ وطلبَ بدَوَاةٍ وبَياض, فكتب
: بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم، هَذا مَا أوصَى به الحُسينُ بنُ عليّ بنُ أَبي طالب إلى أَخِيه مُحمَّد بن الحَنَفيَّة، أنَّ الحسين يشهدُ أنْ لا إله إلاَّ الله، وَحدَهُ لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، جَاء بالحقِّ من عنده. وأنَّ الجنَّة حَقٌّ، والنَّارَ حَقٌّ، والسَّاعة آتيةٌ لا ريبَ فيها، وأَنَّ الله يبعثُ مَنْ في القبور. وإنِّي لم أَخرج أَشِرًا ولا بَطِرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا, وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي .
أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي، وأَبي عليِّ بنِ أَبي طالِب ، فَمَنْ قَبلني بقبول الحق فالله أولى بالحقِّ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصْبِرُ حتى يقضيَ اللهُ بيني وبين القوم، وهو خَيرُ الحاكِمين. وهذهِ وصيَّتي يا أَخِي إليكَ وما توفيقي إلَّا باللهِ عليه توكَّلتُ وإليهِ أُنيب.
طوى الكتابَ وخَتَمَهُ ودَفَعَهُ إلى أَخيهِ محمَّد ثُمَّ وَدَّعَهُ.