د. فاتن بدر السادة
مع تسارُع وتيرةِ الحياةِ وتعقيداتِ الحياة المهنية في عصرنا الحالي، أصبح تحقيقُ التوازن بين العمل والحياة الشخصية تحديًا يواجهُهُ الكثيرون. فالضغطُ المتزايد للإنجاز في العمل تقابله الرغبة في الحفاظ على حياة شخصية مُرضية ومستقرة، حيث تترابط الصحةُ النفسية والنجاح بشكل كبير مع القدرة على إيجاد هذا التوازن المثالي، وإن تحقيق هذا التوازن هو أساس الشعور بالرضا والإنتاجية المُستدامة، وهو ما يُسهم بدوره في تحسين جودة الحياة بشكل عام.
أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية تكمن في تأثيره المُباشر على الصحة النفسية والجسدية، حيث إن الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلًا في العمل دون فترات راحة كافية أو دون أنشطة مُريحة، قد يُعانون من ضغوط نفسية تؤدي إلى الإرهاق والإجهاد، وقد تتطور هذه الضغوط إلى حالات من القلق والاكتئاب.
إنَّ تخصيص وقت للعائلة، والهوايات، والأنشطة الاجتماعية يساعد في تخفيف هذه الضغوط، ما يُعزز من طاقة الفرد ويساعده على استعادة توازنه. بعبارة أخرى، التوازن ليس فقط عاملًا في السعادة الشخصية، بل هو أيضًا وسيلة لتحسين الأداء والإبداع في العمل.
هذا التوازن لا يعني بالضرورة تقسيم الوقت بالتساوي بين العمل والحياة الشخصية، بل يعني تخصيص وقت كافٍ لتلبية احتياجاتنا الشخصية دون المساس بأدائنا المهني، وذلك يرتبط بإيجاد الاستقرار الذي يمنحُ الفرد شعورًا بالسيطرة والرضا. ويُمكن للأفراد تخصيص وقت يومي للاسترخاء، أو ممارسة هواية يحبونها، أو قضاء لحظات مع الأسرة، ويُعد ذلك استثمارًا في الصحة النفسية والجسدية على المدى الطويل، ولكن في ظل انتشار التكنولوجيا الحديثة واتصالنا الدائم من خلال الأجهزة الذكية، أصبح من الصعب أحيانًا فصل العمل عن الحياة الشخصية.
الكثير من الناس يجدون أنفسهم مُجبرين على الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات المُتعلقة بالعمل حتى خارج ساعات العمل الرسمية، ما يزيد من حدة التوتر ويؤدي إلى شعور بعدم التوازن. لهذا السبب، من المُهم وضع حدود واضحة بين الوقت المهني ووقت الراحة. فيمكن مثلًا تحديد ساعات محددة للتحقق من البريد الإلكتروني، أو تخصيص أوقات للاسترخاء بعيدًا عن الأجهزة الإلكترونية.
ويمكن لأصحاب العمل المساهمة في تعزيز التوازن بين العمل والحياة الشخصية من خلال توفير بيئة عمل مرنة ومستمرة. وإنَّ المرونة في ساعات العمل أو إتاحة العمل عن بُعد، على سبيل المثال، تتيح للموظفين تنظيم أوقاتهم بما يتناسب مع احتياجاتهم الشخصية ويعزز من رضاهم وإنتاجيتهم. هذه المبادرات تساعد في خلق بيئة عمل داعمة، حيث يشعر الموظفون بالتقدير والراحة النفسية، وهو ما يعود بالنفع على الأداء العام للمؤسسة.
في النهاية، إن التوازن بين العمل والحياة الشخصية ليس مجرد رفاهية بل ضرورة لتحقيق النجاح والراحة النفسية والاستمرارية. إنه استثمار في حياة أفضل وصحة نفسية وجسدية أقوى للمستقبل.