مثل ألة
الزمن ، عاد بيّ زميلي وصديقي رياض عبد الكريم ، في
كتابه الاثير الذي صدر مؤخرا بعنوان ( سنوات التحدي
والاصرار ) الى نحو خمسة عقود ... نعم ، فأن السنوات التي
يبحر فيها الكتاب ، تعود الى نهايات ستينيات القرن المنصرم
، وبداية العام سبعين من ذات القرن ، انها سنوات ضمت بين
اجنحتها ، اسماء زملاء واصدقاء ، اعطت الكثير من ابداعاتها
، واثمرت بذورها ، حصيلة من البهاء الثقافي على كافة
الصعد ، لاسيما في مجال الشعر والفن التشكيلي والصحافة
والادب عموما ..
ساح بيّ الزميل ( ابو طيبة ) الى بدايات طفولته في
الناصرية ، مدينة الثقافة الغافية بين نخيل الجنوب
، سارداً ، سيرته من الطفولة متحدثًا عن محطات مهمة في
تاريخ مدينته وعائلته ، وكواليس من دهاليز حياته اللاحقة ،
في دنيا السياسة والثقافة، والصحافة ، وكيف كان شاهدا على
أحداث بالغة الأهمية، شارحا علاقة اسرته بالكاتب الكبير عزيز
السيد جاسم ، ذاكرا العديد من صور النباهة ليافع يهوى الاعلام
من خلال نشاطاته في المدرسة الابتدائية ، وبعد الانتهاء من
دراسته الاعدادية ، اتجه لإكمال مشواره الجامعي في
قسم الصحافة بكلية الآداب في العام 1970 ودخوله
مبكرا ،معترك الحياة العملية بالترافق مع سنوات دراسته
، من خلال عمله الاولي بأقسام الارشيف في بعض المطبوعات ،
ثم في فروع الصحافة الاخرى كالتحرير وكتابة الاخبار ، وفي
اثناء ذلك ، وجد نفسه في المجال الذي يعشقه ، وهو
التصميم الصحفي ، والعمل الطباعي فبرع بهما ، واصبح
احد اساطينهما في العراق ..وخلال سرده الجميل ، تحدث بود
ونقاء ، عن الشخصيات التي مر عليها ، والتي مرت عليه
، مشيرا الى مواقفهم الكبيرة في حياته ، ودعمهم له
، وهم كُثر ، جاء على اسمائهم ، بمحبة جزلى ،
واهمهم الاستاذ عزيز السيد جاسم ، والروائي والكاتب
عبد الرحمن منيف ، وجاسم المطير ، وزهير الدجيلي ، ود.
محسن الموسوي وعشرات غيرهم ، وهو موقف نبيل يُشكر عليه
كاتب المذكرات ، لأنه دلالة على نكران الذات ، وايمان راسخ
بان قلب المرء يجب ينشر عبير الشكر والوفاء والعرفان لكل
من عاونه بما وصل إليه من طموح ، مؤكدا ان نجاحه كان ثمرة العمل
المشترك بروح الجماعة .. كلماته في هذا الصدد وجدتها ،
نابعة من براعم الياسمين ومفعمة بشلالات من الأحاسيس، تتألق على
سطور صفحات من الأوراق البيضاء برقص دائم بحب الاخرين لا يعرف
الانتهاء . وحين انتهيت ، من قراءة كتاب العزيز رياض عبد
الكريم ، تيقنت ان الماضي أشبه ببركان خامد ، نستوطن قمته
وسفوحه بيقين جازم ، من تكلس حممه ، وقبل أن نطمئن في
جلوسنا ، يثور فجأة ، فيغرقنا او يحرقنا كما فعل في
ثورته ... الأولى ، وان الموهبة تصبح عمياء ، اذا
لم يصقلها المرء بالقراءة المعمقة الطويلة اولاً ، ثم
الاستقراء ، ومن ثم الكتابة ، ثم التجربة وعند ذلك يزدهر
الابداع لأن الينبوع كان اصيلاً ، امتزجت فيه الموهبة والاطلاع
..مذكرات ( ابو طيبة ) تمثل أغنية جميلة ، أو صورة،
كفيلة بكسر روتين الحياة وتكوين لوحة مشرقة ، وفرح يملأ
العين والأصــــــابع واللسان والقلب. إنها بمــــــثابة رسالة حب
إلى عالم جمـــــيل مضى . ولـــن يعود !