كنوز مبدعة.. دور التعليم في تشكيل القيم الاجتماعية

2024/11/21

بقلم/د. فاتن بدر السادة

التعليمُ ركنٌ أساسيٌّ من أركان بناء المجتمعات، ويعتبرُ الوسيلةَ الرئيسة لتشكيل قيم الأفراد وتوجيه سلوكياتهم. فمنذُ القِدم، لعب التعليمُ دورًا محوريًا في نقل القيم الاجتماعية والتقاليد، وقد كان أداة لربط الأجيال بعضها بعضًا، والحفاظ على التراث الثقافي والهوية الوطنية. واليوم يواجهُ التعليم تحدياتٍ جديدةً مع بروز قيَم التحديث والعَوْلمة، ما يطرح تساؤلات حول كيفية التوفيق بين الحفاظ على التراث والانفتاح على الحداثة.

أحد أهم الأدوار التي يقوم بها التعليمُ في تشكيل القيم الاجتماعية هو نقله للتراث الثقافي للأجيال الناشئة، فالمناهج الدراسية التي تتضمن دراسة التاريخ واللغة والأدب والفنون تساعد في غرس قيم الاعتزاز بالهُوية والانتماء للوطن، كما أن دراسة التراث والممارسات التقليدية تغرس في الأفراد احترام الماضي والتفهُّم لأهمية الحفاظ على القيم التي تعزز الوحدة والتماسك الاجتماعي.

ولكن، مع التطور السريع في العالم، وانفتاح المُجتمعات على بعضها بعضًا، من خلال وسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة، ظهر تأثير التحديث بشكل واضح على التعليم، ما جعلهُ مضطرًا لمواكبة المُتغيرات التي تشمل تقبّل التنوع والانفتاح على الثقافات المُختلفة. فقد أصبحت المؤسسات التعليمية تعمل على غرس قيم جديدة مثل التسامح، والمساواة، وحرية التفكير، التي تعتبر أساسًا في بناء مجتمع منفتح قادر على التفاعل الإيجابي مع الآخر. وهذا بدوره يعزز من قدرة الأفراد على التعامل مع التغيرات المستمرة في المجتمع العالمي.

من أكبر التحديات التي تواجه التعليم هي كيفية التوفيق بين القيم التراثية والقيم الحديثة، فبينما يتمسكُ البعض بضرورة الحفاظ على القيم التقليدية، يرى آخرون أن التعليم يجب أن يتماشى مع متطلبات العصر، هذا الخلافُ يخلقُ جدلًا مستمرًا حول نوعية المناهج التي ينبغي اعتمادها، وما إذا كان يجب التركيز على قيم المجتمع المحلي أو تبني القيم العالمية. لذلك فإنَّ التعليم بحاجة إلى استراتيجية شاملة تُوازن بين الجانبين، بحيث يعزز هوية الطلاب من جهة، وفي نفس الوقت يساعدهم على اكتساب مهارات التفكير النقدي والابتكار والتكيف مع التطورات من جهة أخرى.

لذلك، فإن التوفيق بين القيم التراثية والتحديثية يمثل تحديًا كبيرًا أمام التعليم. إذ يجب أن يكون هناك توازن بين الحفاظ على التراث واحترام القيم التقليدية، وبين تبنِّي قيم التحديث والتطوير التي تدعم الابتكار والمرونة الفكرية. من هنا تأتي أهمية المناهج الشاملة التي تجمع بين دراسة التراث مع التركيز على تنمية مهارات التفكير النقدي وتحليل المعلومات، ما يُمكّن الطلاب من احترام ماضيهم وفي الوقت نفسه مواكبة الحاضر.

ويمكنُ القولُ: إن التعليم هو أداة لتشكيل القيم الاجتماعية وتحقيق التوازن بين التراث والتحديث. فالتعليم الذي يحرص على تنمية الوعي لدى الأفراد، مع تعزيز القيم الأخلاقية والثقافية، يمكن أن يكونَ مفتاحًا لبناء مجتمع مُتماسك قادر على مواجهة تحديات العصر وحماية هويته الثقافية.

أخترنا لك
ذكرى وفاة الصحابي سلمان المحمدي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة