(1)( قائدُ مقعدِ)
قدَّرَ اللهُ أَنْ ألتقيهُ مرتينِ ، رأيتهُ قادما على كرسيّهِ يجلبُ هدايا حجِ بيتِ اللهِ الحرامِ لإخوتهِ الجرحى الراقدينَ في مجمعِ جعفرِ الطيَّارِ التأهيلي ، سألتُ : مَنْ الرجلُ ؟
متواضع ، دمثُ الأخلاقِ ، يستسمحُ إخوتهِ ، لهج لسانه : اعتذرُ إليكمْ ، تأخرتُ عليكمْ .
استثنيتُ معرفةُ الجوابِ قريبا منهُ ، أَجَّلتْ سؤالي لوقتٍ لاحقٍ .
- صباحَ اليومِ التالي ـ خصَّني ربي بلقائهِ ، تفرستْ وجههُ لألمحَ بعضَ السرِّ الكامنِ في بؤبؤ عينيهِ .
لهفتي كعاصفةِ حنينٍ دفعتني بأسئلةٍ خرقتْ زجاجَ نظاراتهِ الطبيةِ لعلهُ يستعيدُ ماضي جهادهِ .
أجابني بقولٍ بسيطٍ وصمتِ مركبٍ !
مخيلتي تراهُ قائما يستمدُ قوتهُ منْ اللهِ تعالى كالشيخِ الشهيدِ أحمد ياسين رئيسِ حركةِ حماس.
(2)(اعتقال)
سقاهُ والداهُ أَحاسيسَ ومشاعرَ حسينيَّة تبرعمتْ في قلبه ووجدانه ، تورَّدت كلما رافق والده متعهد زيارات العتبات المقدسة زمن المنع والتشديد البعثي كأنَّه يريده كفتية أمنوا ... وزدناهم هدى.
ترتعش شفتاه الحمراوينِ عند زيارته مراقد الائمة المعصومين ناطقاً معاهداً المضي على نهج الحسين عليه السلام.
عام 2003 ناهض الاحتلال بلا تردد ، قاد تشكيلا جهادياً ، تولى مسؤولية مكتبه في البصرة .
عزم بحزم التصدي لحماية المؤسسات الحكومية ، الممتلكات العامة كالمخازن ، أَعاد المنهوبَ منها ، حدَّ من حركة الاتجار بالمخدرات في المدينة.
حرك قدميه محارباً تنظيم القاعدة ، تخطَّى بهما سامراء دفاعا عن مرقد العسكريين .
اعتصر قلبه ألماً ، وبحرقة فؤادٍ حلقت روحه ،سارت أقدامه مدافعاً حاميا عن ضريح السيدة زينب عليها السلام .
عاد ليستأنفَ مهامَهُ ، رنَّت بأذنيه أخبارُ تجاوزاتٍ بريطانيَّةٍ ، وقف شاخصا ببصرِهِ، وعيناهُ تحدِّقُ بما يجري من اعتقال لكبار السنِّ والمرضى ، وتجاوزات على حرمات المواطنين وبيوتهم .
انتفضت غيرتُهُ ، قررَّ مقاومة القوات المحتلة ، خرقوا تشكيله ، بهدوء وتروي قطع التشابك في رأسه ، أَعدَّ مجاميع خاصة مؤمنة من عوائل قارعتْ الطاغية ، هدفها المقاومة وإخراج الاحتلال .
جهزته الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمعدات عسكرية كالسلاح ، ودرَّبت مجامعيه أَمنيا ، تقنيا،عسكريا .
خطط لبعض العمليات ، رصده العدو ، تفاجأ بمداهمته من قبل قوات محتلة مشتركة كبيرة قادمة من بغداد ألقت القبض عليه عام 2007 .
أودعَ معتقل بوكا البصرة ، تعرض لوسائل التعذيب الجسدي ، النفسي ، السجن الانفرادي . أكانوا يعلمونه عنصراً مهماً وفعالاً ؟
بعد مضي سنتين نقلته القوات المحتلة الخاصة إلى معتقل كروبا ببغداد ، مارسوا ضده أشدَّ أنواع التعذيب ،اتهموه صراحة : العنصر الأَهم بالدعم اللوجستي لمجاميعه المقاومة .
فشلوا ،تحمل بصمت عن الادلاء بأَيَّة معلومةٍ ،أعادته معتقلاً لبوكا .
قبل صدور فتوى الجهاد الكفائي ، تنفَّس هواء الحرية بين أسرته وأخوته المجاهدين .
لبى النداء ، استقبل المتطوعين ذوي الخبرة ، أَقامَ دورات مكثفة ، دَرَّبَ المجاميع المقاتلة لينطلقوا معه مجاهدين في معارك جرف الصخر ، سامراء ، صلاح الدين.
(3)( محاولة اغتيال)
بحدود عام 2016 غادرتِ الشمسُ مركزَ مدينة البصرة ،خرج كعادته يقود سيارته ، سلك الطريق الرئيسي قرب منطقة الطويسة ، سمعَ أصوات زمجرةٍ مخيفةٍ كأنَّما تنذر بوقوع خطرٍ عظيم .
علت حذراً أصواتُ بعض فرامل سيارة صالون يستقلها أثنان ، حدَّق بنظرات مستقصيةٍ ، فجأة رشقه أحد المسلحين بوابل رصاص كزخات مطر ، خرقت إحداهن حبله الشوكي إصابته بالشل النصفي!!!.
مازالَ الفاعلُ مجهولاً ؟!
..............................
حكاية الجريح الشيخ مرتضى شاكر فالح الحجاج
شخصية كارزماتيّة ،أَسس لحياته بجميع جوانبها الدينية والفكرية والاجتماعية على طينةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء .
يثير الولاء والحماسة ، متكلم وحاذق ، ذو أخلاق رفيعة وأفكار لامعة .
تولَّى قيادة جيش الإمام المهدي في محافظة البصرة وكان داعماً له مادياً ومعنوياً .
بعد اعتقاله من قبل قوات الاحتلال كون مجاميع خاصة تابعة إلى فصيل عصائب أهل الحق وقادها بنفسه .
كان له دور بارز بعد الفتوى المباركة من خلال دعمه اللوجستي ومشاركته وقيادته تشكيل البصرة .
التقى القائدَ الشهيدَ الحاجَ أَبا مهدي المهندس وقياداتٍ أخرى لعدة مراتٍ أَثناء تنسيق العمل .
غُمِرَ بالأَلطاف الإلهية وتحسسها بالعناية المحمدية والعلوية ،إذ كل رؤياه المنامية في الاوقات الصادقة لا يرى نفسه مقعداً ، بل يسير على قدميه .
أما محاولة اغتياله من المسلحين ،فأغلب الظنِّ والترجيح هم من أَذناب وعملاء القوات المحتلة .