خواطر.. إنّهُم بَشَر..

2023/09/20

بقلم/نجوى معروف

العدالة من أوامر الله تعالى، ومن المُسلَّمات التربويّة لمُجتمعٍ سليم، العدالة ليست مكرُمَةً يتفضَلُّ بها أحدُنا على الآخر، إنّما مُعادلة فيزيائية كيميائية، تُحَقِق التوازنَ بداخلنا وفيما حَولنا.

«ويلٌ لِلمُطففين» آيةٌ مُنْذِرةٌ بالويلات لِفئةٍ تَعَمّدت التغاضي، لا عن الوزن فحسب، بل عن كل حبةٍ نخرها السوس في كيسِ قمحٍ، وعن عِلمٍ بلا فائدة، وعن دواءٍ ضرره أكثر من نفعهِ، وعن عقابٍ وقعَ على بريء بِحُكْمِ الالتباس أو شهادة زورٍ أو وشاية.

لِنَتأمّل حكمة الله في خَلْقهِ، الميزان بِكِفّتيهِ له قيمةٌ وجوديّة، فالجسم البشري ميزانٌ بيولوجي مركزه عمودٌ فقريٌ قائمٌ على ساقين، لو اختلف طول إحداهما يُصبحُ الإنسانُ أعرجَ، وقد يَتَعَثّرُ، ولو أصيبت مِنْهُ أصغر قناة في الأذُن لفقد التوازن، ولنا أن نتَخيَّل اضطراب المُجتمعات من هذا المنطلق.

«كُليّة الحقوق» مُسَمًّى عظيم، ليته كان «كليّة الحقوق والواجبات»، فَهَلّا أنصفنا في أداء الواجبات لتتعادل الكِفّتان، وننال الحقوق باستحقاق.

تُرى هَلْ عَدَلت كلّ الأمهات بين أبنائِهِنّ، وهَلْ أخْطَأت أرملة وَلَّت زمام الأسرة لِأكبَرهِم، دونَ أن تَعِيَ قُدراته على تخَطّي المشورة. تُراها أرهَقَتهُ أم ظَلَمت إخْوَته، وهل كانوا فعلًا بحاجةٍ لِلبديل؟ أَمْ أَنّها طَبَقّت موروث موتاها، لِتَفِرَّ منَ مسؤوليّةٍ حوَّلها قلقها إلى شبحٍ.

هي لمْ تَكُن تَعلم بارتداداتِ الرفض الأشبه بتسونامي ما بعد الزلازل، تَلوذُ إلى مطبخها بعيدًا عن استقلالية الرُشد، واختلاف التوجّهات، تتمنى منهم السمع والطاعة المُطلقة، حتّى لو كانت مُخطئة لانفصالها عن المُحيط.

الملاذ الآمن، العجن والخَبْز تمرين الجدّات الذي ينتهي بإسكاتِ الأفواه إلاّ من الشكر والثناء. تُخْرِجُ صواني الحلوى والفطائر من الفُرنِ، تستنشقُ عبير إنجازها كَمُغرَمٍ أعماه الحُبّ، ثُمّ تتلعثم بتفاهة الفروقِ بين ما زالت عجينةً غضّة وبين مُحترقة الأطراف، هذه هشّةٌ وتلك يابسةٌ مُشَققة، تُحاول إخفاءَ فروقٍ تَظُنّها عيوبًا بِرَشَّةِ سُكّرٍ وحَبّةِ فستق، تَلْهثُ الأمهات خَلْفَ كمالٍ لمْ يُطالبهن بهِ الخالق، الأبناء نعمة، لكنهم رغم التشابه مُختلفون قَوْلًا وفِعْلًا، إنّهم بشرٌ لا حَلْوَيَات.

يَقولُ أصْغرُهم: لَمْ يَسمعوا رأيي حين اعترضت، بينما ينزوي أخوهُ -المَنْسِيُّ في الرخاء، والمذكورُ في الضرّاء- ويجلس الثالث أمامَ صورةِ والدهِ الراحل، يَتَلَمَّسُ حكمتَهُ في الإنصاتِ والمشورة، وإنصافه للقدرات. يُعارضُ الرابع كبيرَهُم، كفاكَ كسرًا، لَمْ نُخلق لإثبات حُسن النيات، ولَنْ تَقِيسَ ما قطعنا فيهِ آلاف الأميال، وَلَمْ تمشِ فيه خطوة، لنْ تستطيعَ لنا جبرًا.

كانَ والدهم يرى في الفروقِ إبداعًا، كثمراتِ بستانٍ واحد، أشجاره ترتوي من ذات النبعِ، وتستنشق ذات النقاء. نَعَم، الأصلُ واحدٌ، والاختلاف واضحٌ، ولولا التباين لفقدنا التمييز، فلماذا يؤدّي الاختلاف إلى الخِلاف، وكيف نُنَقّي عباءة الستر من رذاذ غُراب؟

ويبقى أمل تبييضِ الصحائف في قولهِ تعالى «كل نفسٍ بما كسبت رهينة».

أخترنا لك
المئات يتظاهرون في تونس عقب مقتل شاب

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة