فراق خليف
ان تبقى لمدة ثلاث سنوات في حسرة أن يشتروا لكَ أهلك حقيبةً
مدرسيةً مثل حقيبةِ حيدر إبن جارك التي جلبها له عباس ابيه،
الذي كان يعمل في الاسواق المركزية. أنه لأمرٌ مرير على
طفلٍ في سني، وما زاد الطين بلة، كنّا في نفس الصف وكان
كثيرًا ما يغيضني بها أمام الآخرين، فتقتلني الغيرة،
وينهشني والحسد.
كنتُ أرى أمي توزع اليوميات أول الصباح على أخوتي وهم يهمون
في الذهابِ الى المدرسةِ، لكن لسوء حظي ، والنحس الذي
يبدو أنهُ بدأ يطاردني منذ ولادتي، هذا ما كانت تخبرني به
والدتي دائما : ( فگر.. بعدك إبطني و چسحت إبوك)، كان
دخولي للمدرسة هو أول ايام فرض فيه الحصار الأقتصادي من قبل
الولايات المتحدة الامريكية على العراق، تقتر الجميع، وإقتصد،
وتقشف، و وصل التقشف لحرماني من اليومية أنا وأخوتي، التي لم
تكن تتجاوز الدرهم حينها! و أزدادت صعوبة الحياة و قساوتها، و ثقل
وقعها على الجميع.
وما زال اطفالُ عباس ينعمون بحقائبهِم الجديدةِ، وهو يتمتع
في آخر الليل بإحتسائه لزجاجات الويسكي التي توزعها الاسواق
المركزية على العاملين فيها و الموظفين. تم الوشاية بهِ لأكثر من
مرة، بعد كثرة شكاوي الموظفين عليه، لأنه دائمًا ما كان يرتاد
الدوامَ وهو مخمور، المسكين في الأخير تم فصله.
صرتُ في سن الثامنة، وانا الآن في الثالث إبتدائي، وكتبي
تحملها حقيبةٌ كانت لأخي الذي يكبرني بعامين، والتي كانت
بدورها لأخي الذي يكبره بعامين أيضًا، عدد غرزات الخِياط
التي فيها جعلتْ الجميع يراها على إنّها حقيبة قماش ، وأنا
متأكد إنّها كانت في وقتٍ ما حقيبة جلد!
استيقظتُ ذات صباح لأجد عند رأسي حقيبة جديدة تشبه كثيرًا الحقائب
التي كان يجلبها عباس لإبنهِ.
استغربتُ، و فرحتُ بها:
- منْ الذي اشتراها لي؟ أنتِ يا أمي؟
- لا..أنها حقيبة حيدر إستغنى لكَ عنها، بعد إن قرر أن يترك
المدرسة و يعمل، ليساعد أبيه الذي فصل من وظيفته.
إبتهجتُ، وفكرتُ:
" يبدو أن النحس قد فارقني أخيراً، ولم اعد ذلك الفگر
".