الحقيبة

2020/07/27

فراق خليف
ان تبقى لمدة ثلاث سنوات في‮ ‬حسرة أن‮ ‬يشتروا لكَ‮ ‬أهلك حقيبةً‮ ‬مدرسيةً‮ ‬مثل حقيبةِ‮ ‬حيدر إبن جارك التي‮ ‬جلبها له عباس ابيه،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يعمل في‮ ‬الاسواق المركزية‮. ‬أنه لأمرٌ‮ ‬مرير على طفلٍ‮ ‬في‮ ‬سني،‮ ‬وما زاد الطين بلة،‮ ‬كنّا في‮ ‬نفس الصف وكان كثيرًا ما‮ ‬يغيضني‮ ‬بها أمام الآخرين،‮ ‬فتقتلني‮ ‬الغيرة،‮ ‬وينهشني‮ ‬والحسد‮. ‬
كنتُ‮ ‬أرى أمي‮ ‬توزع اليوميات أول الصباح على أخوتي‮ ‬وهم‮ ‬يهمون في‮ ‬الذهابِ‮ ‬الى المدرسةِ،‮ ‬لكن لسوء حظي‮ ‬،‮ ‬والنحس الذي‮ ‬يبدو أنهُ‮ ‬بدأ‮ ‬يطاردني‮ ‬منذ ولادتي،‮ ‬هذا ما كانت تخبرني‮ ‬به والدتي‮ ‬دائما‮ : ( ‬فگر‮.. ‬بعدك إبطني‮ ‬و چسحت إبوك‮)‬،‮ ‬كان دخولي‮ ‬للمدرسة هو أول ايام فرض فيه الحصار الأقتصادي‮ ‬من قبل الولايات المتحدة الامريكية على العراق،‮ ‬تقتر الجميع،‮ ‬وإقتصد،‮ ‬وتقشف،‮ ‬و وصل التقشف لحرماني‮ ‬من اليومية أنا وأخوتي،‮ ‬التي‮ ‬لم تكن تتجاوز الدرهم حينها‮! ‬و أزدادت صعوبة الحياة و قساوتها،‮ ‬و ثقل وقعها على الجميع‮.‬
وما زال اطفالُ‮ ‬عباس‮ ‬ينعمون بحقائبهِم الجديدةِ،‮ ‬وهو‮ ‬يتمتع في‮ ‬آخر الليل بإحتسائه لزجاجات الويسكي‮ ‬التي‮ ‬توزعها الاسواق المركزية على العاملين فيها و الموظفين‮. ‬تم الوشاية بهِ‮ ‬لأكثر من مرة،‮ ‬بعد كثرة شكاوي‮ ‬الموظفين عليه،‮ ‬لأنه دائمًا ما كان‮ ‬يرتاد الدوامَ‮ ‬وهو مخمور،‮ ‬المسكين في‮ ‬الأخير تم فصله‮. ‬
صرتُ‮ ‬في‮ ‬سن الثامنة،‮ ‬وانا الآن في‮ ‬الثالث إبتدائي،‮ ‬وكتبي‮ ‬تحملها حقيبةٌ‮ ‬كانت لأخي‮ ‬الذي‮ ‬يكبرني‮ ‬بعامين،‮ ‬والتي‮ ‬كانت بدورها لأخي‮ ‬الذي‮ ‬يكبره بعامين أيضًا،‮ ‬عدد‮ ‬غرزات الخِياط التي‮ ‬فيها جعلتْ‮ ‬الجميع‮ ‬يراها على إنّها حقيبة قماش‮ ‬،‮ ‬وأنا متأكد إنّها كانت في‮ ‬وقتٍ‮ ‬ما حقيبة جلد‮! ‬
استيقظتُ‮ ‬ذات صباح لأجد عند رأسي‮ ‬حقيبة جديدة تشبه كثيرًا الحقائب التي‮ ‬كان‮ ‬يجلبها عباس لإبنهِ‮. ‬
استغربتُ،‮ ‬و فرحتُ‮ ‬بها‮: ‬
‮- ‬منْ‮ ‬الذي‮ ‬اشتراها لي؟ أنتِ‮ ‬يا أمي؟‮ ‬
‮- ‬لا‮..‬أنها حقيبة حيدر إستغنى لكَ‮ ‬عنها،‮ ‬بعد إن قرر أن‮ ‬يترك المدرسة و‮ ‬يعمل،‮ ‬ليساعد أبيه الذي‮ ‬فصل من وظيفته‮. ‬
إبتهجتُ،‮ ‬وفكرتُ‮:‬
‮" ‬يبدو أن النحس قد فارقني‮ ‬أخيراً،‮ ‬ولم اعد ذلك الفگر‮ ".‬
أخترنا لك
بريطانيا تسجل أكثر من 100 ألف إصابة بكورونا لأول مرة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة