(قصة قصيرة ) مصلوب

2023/07/11

بقلم / مجاهد منعثر منشد 

توافد المؤمنون يباركون حجَّ ميثم التمَّار في السوق , أَخبروه قبل ثلاثة أيام عن قتل مسلم وهاني , وسعت  حدقة عينيه , صمت , أشتكى أحدهم قسوة عامل الوالي ومطاردته لأصحاب علي .

نهض ومضى إلى دار الإمارة , حرك لسانه : أيها الوالي الباعة يعانون من ظلم عاملك في السوق .

أنحنى حرس ابن زياد هامسا في أذنه اليمنى : أتعرف هذا أيها الأمير, إنه الكذاب مولى الكذاب.

 ـ ويحكم هذا الاعجمي ؟

فأردف الطاغية : أين ربك؟

أجابه بشجاعة : بالمرصاد للظلمة وأنت منهم.

صمت ابن زياد ونظر بوجوه الحاشية قائلا: هل كل الموالي لعلي من هذه القماشة, لما لم تنفضوا التراب والقمل عنه قبل أن تسمحوا له بدخول دار الأمارة؟

منذ متى لم يمس جلدك الماء أيها التمار ؟

ألم تغتسل بحياتك ؟

تعالت قهقهات جلاوزة الوالي .

ـ رد عارفا فقيها : أولا :عليكم أن تعلموا أيه الجهلة أن التراب هو المطهر بعد الماء .

ثانيا : أفضل أن يأكل القمل جسم النحيل هذا خير ما يأكله بين جدران القبر الدود والعقارب والافاعي .

ثالثا : من صفات أبناء الزنا والحرام أن يحقروا أعدائهم بهذه التهم والأكاذيب وها أنا بينكم لا أحمل قملا ولاترابا.

أشتاط ابن زياد غضبا كبركان يتطاير شراره , سارت به قدماه مسرعتين. ركل وجه ميثم فأسقطه على الأرض.

كلمه حاجبه : فديتك ياسيدي دع هذا العجوز الواقف على حافة القبر يبدو إنه ملأ بطنه خبزا فامتلأ به جلبابه , فالجدل مع هذا البائس لا يليق بمثلك سيدي .

صرخ سوف أقتله شر قتله , أمرهم ,خذوه وأخرجوا لسانه من حلقومه القذر ثم أَصلبوه على جذع نخلة ليبصق الناس عليه .

ـ غرد لسان ميثم كبلبل يشدو : لاحول ولاقوة إلا بالله , قسمًا بذات الله إنَّني كنت على علم بما ستفعله بي, لقد سمعت كل شيء من سيدي علي .

استغرب الوالي مرددًا :علي , ماذا سمعت من علي ياحقير؟

ـ حدثني سيدي علي عن كيفية موتي , قال لي: ياميثم أنت سوف تقتل حتمًا على يد ابن زانية , يقطع لسانك ويعلقك على جذع النخلة التي كنت تقتات منها .

كشر عن أنيابه ابن زياد قائلا : علي كذاب, سأثبت لك إنَّه كاذب كبير, سأجعل قتلك مُغَايرًا لما تنبأ به علي!

نادى يا ابن حريث خذوه لغياهب سجن مظلم لتأكل لحمه الحشرات ويموت منسيا .

أطرق مسامعه ميثم : أنت على يقين من صدق علي عليك, يافاسق اذهب وافعل ما يحلو لك, أقسمُ بالله العظيم ما سمعت من عليٍّ شيئا غير الحقيقة والحجج الناصحة .

تأَهوَّه ابنُ زياد مستهزئا :آهٍ آهٍ . إستدار لخادمه يقول له: يابن حريث الطمْهُ على فمِهِ, وأبعده عن ناظري .

أصابه ألم في صدره ,سار لغرفته يتألم , يتمايل بجسمه, يردد : آهٍ آهٍ .

ضربه جلاوزته عدة ركلات على ظهره ووجهه وسحبوه بقوة نحو سجنه المظلم .

تألم واخترق صوته مسامع المختار فحدثه :وأخيرا قمت بعمل مثلي دفنك حيًّا .

ـ أجابه : أين القبر من هذا النفق المظلم يا أبا أسحاق , أعوذ بالله من ضغطة القبر ومنحدره أن الوصول للحبيب مليء بالمخاطر أدعو الله تعالى كي لانضيع ونحن نسعى للخلاص من متاهات هذه الانفاق المتداخلة .

أردف المختار : سوف لن نضيع عندما ننظر إلى  السماء نرى النجم الذي يهتدى به .

ـ أجل وإن كانت السماء غائمة أو صادفتنا بالطريق بئر فهناك من كان رأسه في السماء فوجد نفسه بالبئر ماذا نصنع حينئذ ؟

لاتتشائم ياميثم ,طريقنا طريق صعب ووعر, لكننا ليس في الجاهلية , حبّ الإمام علي سبيل رشادنا .

ـ سأله : هل أنا مجنون يامختار؟

همهم قائلا معاذ الله , ان كنت مجنونا فمن العاقل أذن ؟

أردف بسؤال أخر : أنت مغرم يامختار ؟

ـ أَلا أَبدو لك كذلك؟ .

فأجابه :لا يبدو عليك ذلك وجرح عينك هذا يثير الشك ,أحذر الشيطان يامختار سوف تُكَلَفُّ بمهمة خطيرة, ستقتل ابن مرجانه وتدوس على وجهه بقدمك, وعندها إياك والغفلة من البئر الذي تحت قدمك , لربما يرسلك لقعر جهنم .

حرس السجن أبلغوا قائد الشرطة : ميثم لا يكفُّ عن السبِّ وتحريض السجناء .

خاطبهم :بأمر الأمير اقطعوا لسانه فورا , اشنقوه أمام الناس وعلى جذع النخلة .

قيدوه , صلبوه على جذع النخلة , لجموه , اليوم الثالث , طعن بالحراب , كبر , أخر النهار سالت الدماء من فمه وأنفه , التحقت روحه بالسماء.

أخترنا لك
الاحتواء بقلم: الأديب جمال ابراهيم –

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة