التعلم الممتع في المدرسة ضرورة أم رفاهية؟

2020/02/28

في ظل التسارع العالمي الهائل في شتى مجالات المعرفة والتطور التقني الذي يخطو خطواتٍ واسعة نحو ريادة المجالات كافة، كان لا بد للتعليم كركيزةٍ أساس في كشف الإبداع وتطويعه وتطويره ليكون لبنات بناء المستقبل أن يتطور ويتجدد ويكسر فيه الاعتياد والتقليد وجمود المشهد التعليمي، حتى أن يكسر كل قيد يمنع المتعلمين من ممارسة التعلم بحرية والتمتع بتجربة التعلم. من هنا برزت فكرة التعلم الممتع ليجعل التعلم تجربة مبهجة ومحفزة وتحويلية، وكحلٍّ تربوي يمكننا من اكتشاف متعة التعلم لنصبح متعلمين مدى الحياة.

ما هو التعلم الممتع ؟
التعلم الممتع هو نهج شامل للتعليم يهدف إلى رعاية شغف التعلم والتطوير المستمر طوال الحياة حيث يساهم في رفع الدافع للتعلم وإحداث حالة من التدفق والمشاركة الفاعلية باستخدام طرق ممتعة ومبتكرة للتعلم، والذي يحول الموقف التعليمي بكل عناصره ومضمونه التعليمي بصورة منضبطة ومتناسقة إلى خبرات تعليمية مرنة وممتعة يشارك الطالب في تحديد مكوناتها؛ بغرض اكتساب المعرفة مع تحقق المتعة وهو كذلك عمل استراتيجي يهدف إلى تطوير الموقف التعليمي بصورة دقيقة من خلال تنظيم يهدف إلى إمتاع المتعلمين بما يتعلمونه، ويكسر مشاعر الملل أو الإحباط التي قد تصاحب المواد التعليمية ذات الطبيعة الأكاديمية القائمة على الاستدلال والمنطق.

ولعل الضرورة الملحة لتغيير نمطية الموقف التعليمي والتجديد والابتكار فيه لخلق حالة من التوازن بين واقع المتعلم المعزز بكافة التقنيات الحديثة وعوامل الجذب وغرفته الصفية التي ظلت على نمطيتها، جعلت من التعلم الممتع مطلبًا وضرورة، لذلك تم صياغة الأطر النظرية التي يستند إليها التعلم الممتع كما تشير إليه الأدبيات التربوية، ولعل أهم هذه الأطر النظرية ما يلي:

اقتصاد الخبرة (Experience Economy): على اعتبار أن التعلم الممتع يقوم على مرور المتعلم بالخبرة التعليمية بنفسه وهو الأمر الذي يمنحه فرصة أفضل لاكتساب المعرفة واستيعابها.

خبرة التدفق (Flow Experience): ويتحقق التدفق من خلال اندماج المتعلم وجدانيًا في المواقف التعليمية بالشكل الذي يحافظ على استمرار نشاطه الذهني في محاولة اكتساب المعرفة.
 
التأثير الوجداني (Emotional Effect): والذي يتحقق من خلال الممارسات التي يحقق من خلالها المتعلم ذاته عند مشاركته مع أقرانه شعوره بمتعة الإنجاز والتنافس.

الفضول المعرفي (Curiosity): طبيعة خبرات التعلم للمتعة التي تقوم على المنافسات والمحاكاة وجمع البيانات يفرض بطبيعة الحال على المتعلمين حدوث حالة من الفضول المعرفي لاكتساب المعارف والمهارات المقصودة.


 
الدافعية الذاتية (Intrinsic Motivation): حيث يعمل التعلم بالمتعة على تحريك الدوافع الذاتية والداخلية للمتعلم في الموقف التعليمي، على اعتبار أن تلك الدوافع تصاحب اشتراك المتعلم في عملية التعلم بالمتعة بفضل الاندماج الوجداني والأكاديمي لدى المتعلمين.

بدايات ومنطلقات التعلم الممتع :
التعلم الممتع ليس فقط تعلمًا بالفكاهة والمرح، لكنه أشمل من ذلك، فهو مبني على أساس أنه لا يوجد شخص سمعي 100%، ولا حركي 100%، ولا بصري 100%، بل إن الفرد الواحد يجمع بين كل هذه الحواس لكن بدرجات متفاوتة، وكلما كان التعلم مشبعًا لكل تلك الحواس كلما كان أكثر جاذبية وتشويقا، وهذا ما أكدته النظرية الترابطية، والنظرية السلوكية، والنظرية البنائية للتعلم، فمثلاً نجد في المملكة المتحدة مدرسة سيلتون الابتدائية التي تقوم بتعليم الأطفال الرياضيات بطريقة الرقص، إيمانا منها بإفراز مادة الدوبامين في الدماغ خلال الحركة، وهذا يساعد الطفل على حل تمارين الرياضيات، كما أن الرقص والتعلم تجربة تعتبر فريدة وممتعة بالنسبة للأطفال، وهذا بدوره يعزز عملية التعلم لديهم. أما البرتغال فلها طريقتها الخاصة في تعليم الفيزياء والكيمياء، وهي طريقة يعتبرها الأطفال في معهد سانتا مريا دافيرا لعبة مسلية، حيث يقوم كل طفل بتأدية دور المحقق ويبحث عن الأدلة ليقوم بعدها بتحليلها في المختبر تحت إشراف الأستاذ ليكتشف عناصر الجريمة الوهمية.

إذن كيف يصبح التعليم ممتعًا؟
استقطب التعليم للمتعة الاهتمام العالمي لدى التربويين، ما حدا بهم لوضع قواعد تجعل من التعلم ممتعا قدمتها جانيل كوكس في النقاط التالية:

دمج التكنولوجيا في التعليم بما يساعد على الاستمتاع والانخراط في التعلم.
بناء بيئة صفية يسودها المرح وذلك بدمج أنشطة المتعة العلمية في الدروس.
تكليف المتعلمين بإجراء التجارب بأنفسهم لأنهم يجدون المتعة في الممارسة.
مراجعة الدروس بصورة مرحة وممتعة من خلال استراتيجيات التعلم النشط.
الخروج عن الجو التقليدي للصف من خلال الرحلات العلمية واقعًا وافتراضًا.
تكوين فرق العمل والمجموعات التعاونية التي تساهم في تنمية مهارات التواصل.
إعطاء استراحة لدماغ المتعلمين من خلال أنشطة كسر الروتين.
إنشاء مراكز التعلم، لأنها تعطي المتعلمين خيارات متعددة للتعلم.
تعريف المتعلمين بقدراتهم الأعلى من خلال الذكاءات المتعددة التي توجه الطريقة التي يتعلمون بها.
الحد من قواعد فصلك فهناك الكثير من القواعد والتوقعات التي يمكن أن تعيق التعلم.
ولعل تطبيق هذه القواعد يحتاج من المعلم معرفة ودراية تامة باستراتيجيات التعلم الممتع وأساليبه والتي تتضمن التعلم بالترفيه، الطرائف العلمية، المسرحية العلمية، التعلم بالأناشيد والأشعار، التعلم بالأحاجي والألغاز الرياضية، لعب الأدوار، التعلم باللعب، القصة التعليمية، التعلم التعاوني، التعلم بالممارسة، خرائط التفكير، الرسوم الكرتونية، الانفوجرافيك والتدريس الفعال.

ويبرز هنا السؤال الأهم: كيف إذن سيتم تقويم التعلم الممتع أو مخرجات التعلم؟

تنسجم حداثة التعلم الممتع مع أساليب التقويم الحديثة مثل التقويم التشخيصي، التقويم البنائي بالمشاريع، العروض والمقابلات، خرائط المفاهيم، تقويم الأداء بالتقديم، والعروض والمحاكاة والمناظرة، الورقة والقلم، التقويم بالمنتج أو المشروع، ملفات الإنجاز و استراتيجية ترمومتر المشاعر الثلاثي ( سعيد، محايد، متكدر) لمعرفة انطباعات المتعلمين عن الحصة.

النتيجة النهائية هي بغض النظر عن مدى أهمية ما نتعلمه، إذا كنا غير مهتمين أو متحمسين، أن التعلم لن يحدث أو على الأقل التعلم الفعال. علاوة على ذلك، ينبغي أن يغذي التعلم الفضول، ويشجع الإبداع ويشجعنا على أن نصبح متعلمين مدى الحياة. أفضل طريقة لتحقيق هذه الأهداف هو جعل التعلم متعة! لأنه عندما نستمتع ونحب ما نفعله، يصبح نشاطًا طبيعيًا وعفويًا و لا تقتصر هذه الظاهرة على الأطفال فقط إذ ينشأ أكثر أشكال المشاركة فاعلية من تفاعل الدوافع الذاتية والتدفق والعاطفة أولاً، كيف وماذا نتعلم يجب أن يلبي احتياجاتنا النفسية ثانياً، يجب أن يكون التعلم صعبًا ولكن ليس مرهقًا أو مخيفًا، وعليه فإن التعلم هو متعة عندما:

تحب ما تفعله: عندما يكون شغوفًا بشيء ما، فإن المتعلم يشعر بالمتعة والمكافأة ويسهل الوصول إلى أبعد من ذلك لمعرفة المزيد.
تشعر بالأمان: البيئة الداعمة والآمنة تجعلنا نشعر بالحرية في استكشاف وتحديد أهداف جديدة.
البيئة ملهمة: يجب تصميم بيئاتنا المادية والرقمية لدعم جميع المتعلمين. يجب أن تثير الإلهام وتدعم استراتيجيات التعلم المختلفة.
أنت موضع تقدير لأنك أنت: التعلم الإيجابي ينمو في جو من الاحترام والتقدير بين زملائه المتعلمين.
حرية الفشل: يُسمح بارتكاب الأخطاء في جو آمن لتعزيز الإبداع والابتكار.
يمكنك اختيار طريقة تعلمك: استراتيجيات التعلم ذاتية وتستند إلى نقاط القوة الفردية لدينا. فمن خلال فهم ذلك، يمكننا اختيار الطريقة الأكثر فعالية لمعالجة مشكلة ما وتعلم شيء جديد.
يصبح إدمانًا صحيًّا: يجب أن نشارك في التعلم مدى الحياة، ويمكننا تحقيق ذلك عندما نشعر بالرضا والقدرة والكفاءة لمعرفة المزيد.
يشهد الميدان التربوي اهتمامًا حقيقيًا بتطوير التعلم ليصبح تعلمًا ممتعًا، ولعل أبرز ما يصب في هذه المساعي جهود وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في إطلاقها مسابقة التعلم الممتع في المدارس الحكومية التابعة لها للعام الدراسي 2019/2020، واشتملت الفعاليات على العديد من أنشطة التعلم الممتع التي تنوعت بين توظيف استراتيجيات التعلم النشط، الممارسة الأدائية للطلبة، التعلم باللعب، البيئات الآمنة وغيرها.


المراجع:

• إبراهيم، رفعت إبراهيم. (2017م). فاعلية استراتيجية مقترحة للتعلم للمتعة في اكتساب العمليات الأساسية للمجموعات وتنمية الذكاء الفكاهي لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية. مجلة كلية التربية: جامعة بورسعيد. العدد (22).
• البركاتي، نيفين. (2018م). برنامج تدريبي مقترح قائم على استراتيجيات التعلم الممتع لمعلمات الرياضيات بالمرحلة الابتدائية بمدينة مكة المكرمة في ضوء واقع احتياجاتهن التدريبية. مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر. العدد (177).

• Ali, S. & Mukhtar, F. (2017). A CASE STUDY OF FUN LEARNING WITH NUMERACY OF PRESCHOOLERS. International Journal of Early Childhood Education Care. Vol (6).
• Lucardie, D. (2014). The impact of fun and enjoyment on adult’s learning. Procedia – Social and Behavioral Sciences 142 ( 2014 ) 439 – 446
• https://blogs.aljazeera.net/blogs/2018/2/26/التعلم الممتع
• https://funacademy.fi/fun-learning-approach/
• https://funlearningforkids.com/
• https://www.funlearning.co.uk/
أخترنا لك
الاصابات الرياضية : محاضرة علمية رياضية لطلبة المرحلة الأعدادية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة