ـ تعالوا إلى كلمة سواء..
.
ـ الإجماع الوطني كفيل بإنهاء الوجود الأجنبي في العراق!
ـ يبدو أن (اللاإجماع) في إقرار القوانين وسن التشريعات في مجلس النواب العراقي هي الصفة الغالبة له منذ أن دارت عجلته لأول مرّة بانعقاد جلسته الأولى في 16 آذار من عام 2006م. ولم يكن السبب يرجع إلى وجود خطأ بنيوي في النظام السياسي الحالي (كما يرى الفاسدون والفاشلون من السياسيين) الذي هو نظام جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي (تعددي), بقدر ما كان السبب هو تعطيل العمل من قبلهم بهذا (النظام البرلماني الديمقراطي). وذلك بتبنّي منهج (المُحاصصة) السياسية في إدارة الدولة, ذلك المرض السرطانيّ المُتضخم الذي راح ينخر جسد الدولة وينمو باستمرار مع مرور الإيام حتى أصابها بالشلل التام كما نرى اليوم.
واليوم نرى مثلا ً تصاعد وتيرة الحديث عن بقاء أو إنسحاب القوات الأجنبية (الأميركية بالتحديد) على الأرض العراقية من عدمها ,حتى تطور إلى جدل سفسطائي فارغ مُمكن أن يُنذر إلى حدوث أزمة تُضاف الى جملة الأزمات الموجودة على واجهة المشهد السياسي العراقي.
قضية إنسحاب القوات الأجنبية من عدمها لا تختلف عن بقية القضايا المأزومة ـ العقيمة عن الحل, التي يتداولها السياسيون في أروقة الرئاسات الثلاث ومعها السلطة القضائية منذ عام 2003م وللآن. فالأزمات في العراق باتت تنمو وتورق وتكبر وتتفاقم في أجواء اللاثقة والتخوين وموبوءة بأسباب وعلل عدّة كما هي في كل مرّة منها :
1ـ وجود الأجندات الخارجية (الإقليمية والدولية) الحاكمة بشكل قوي على الساحة السياسية.
2ـ تبعيّة أغلب القوى السياسية الفاعلة لتلك الأجندات الخارجية.
3ـ غياب الإرادة الوطنية بشكل جلي عند الفرقاء السياسيين ووأدها إن وجدت.
4ـ عدم إيمان أغلب زعامات القوى السياسية بـ(الديمقراطية) كنهج في إدارة الدولة . فهم عبارة عن ديناصورات متوحدة ومستحكمة تتربع على عروش أحزابهم وكتلهم وتياراتهم السياسية بلا مُنازع ولا مُنافس.
5ـ الجمود الفكري داخل الأحزاب مع وجود التبعيّة الصنميّة بين كوادرها للزعامات السياسية, ما جعلها تُعلن إفلاسها فكريا ً وتنظيريا ً وتدفعها لأن تتبنّى مواقف إرتجاليّة (مرحلية) بعيد كل البعد عن مُتبنياتها الفكرية ومبادئها وشعاراتها الحزبيّة المرفوعة على كافة الأصعد ومنها الوطني.
6ـ تخندق القوى السياسية وراء المكوّن والطائفة والقوميّة لديمومة بقائها بعد إشهار إفلاسها وتخليها عن مبادئها .
7ـ تصدّع العلاقات المُجتمعيّة نتيجة لذلك وازدياد الشرخ بين مكوّن وآخر حتى برزت كيانات سياسية لمكونات عرقية (قومية) ومذهبية (طائفية), هي أقرب لأن تكون كل واحدة منها (دولة ـ بشعب وقيادة سياسية وجيش) داخل الدولة العراقية الأم, منها إلى كيانات لمكونات طبيعة تعيش تحت ظل الدولة والدستور والقانون. وهذا واضح لدى العرب والكورد ـ السنّة والشيعة .
8ـ بروز الإرادة السياسية والحزبية للقوى السياسية وجعلها تُنافس إرادة الدولة ومؤسساتها, ممّا دفعهم إلى التحايل على الدستور والقانون حتى تمّ تطويعهما لهم, فصارت الدولة وجميع مؤسساتها تبع لإراداتهم السياسية والحزبية والمناطقية.
9ـ إنتقال سلطة ونفوذ وصلاحيات مؤسسات الدولة (ورئاسة مجلس الوزراء مثال واضح على ذلك) إلى مكاتب الزعامات السياسية وأروقة مقرات أحزابهم. فباتت الدولة تُدار من مخادع السياسيين حسب أجنداتهم وأهوائهم وتطلعاتهم على حساب الوطن وتطلعات شعبه, تحقيقا ً لمكاسب وامتيازات حزبية وسياسية وطائفية وقومية ومكوناتيّة وغيرها.
- فما بين النقطة (1) والنقطة (9) مرورا ً بالنقطة (2) و(3) أعلاه, نرى أن من الطبيعي وجود إنقسام حاد في ما بين الكيانات السياسية وحتى الكيان السياسي الواحد, بين مؤيدٍ ورافض لموضوع إنسحاب القوات الأجنبية ومنها الأميركية من العراق نتيجة لذاك. والأنكى من ذلك نراه حينما يريد محور سياسي ما (شيعي .. ـ كردي ..) تمرير قانون (ما) فإنه يعمد إلى ترك (السلة الواحدة في إقرار القوانين وهجر المُحاصصة السياسية مؤقتا ً) وينتهج طريقة (الأغلبية السياسية) في التصويت داخل قبة البرلمان, في محاولة لكسر إرادة محور ما من الخصوم (سنّي ..) أو محاور سياسية أخرى تتقاطع في الرؤى والمواقف في ذات القضية. وهذا ما حصل مع إقرار البرلمان لـ(الإتفاقية الأمنية وإتفاقية الإطار الإستراتيجي) مع واشنطن في 27/11/2008م.
حيث صوّت أغلبية الحضور المتكون من (149) نائب مقابل (35) صوت من مجموع (198) نائب وغياب (77) نائب عن الجلسة. بينما تم التصويت على إتفاقية الإطار الإستراتيجي بـ(144) نائب فقط.
وكان هذا الوضع المعقد والخطير وأسبابا ً أخرى تظافرت فيما بينها أدّت إلى تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة ومدمرة, أفرزت وضعا ً أمنيا ً مُمزقا ً ودمويا ً هدّد البلد بأجمعه, وفعلا ً آل الوضع إلى أن تغزو عصابات داعش الظلاميّة ثلث أراضي العراق في 10/6/2014م.
????- ولعل الخروج من هذا المأزق وتداعياته (مأزق بقاء أو جلاء) القوات الأدنبية ـ الأميركية وتداعيات الموقف المدمرة, هو أن يفزع الجميع (وأقصد بالجميع الطبقة السياسية برمتها إن كانوا يتحلّون بالمسؤولية التأريخية والإخلاقيّة) إلى جهة أو كيان أو شخص (أو سمّه ماشئت) مُستقلة تماما ً تتصف بالحكمة أولا ً والزهد ثانيا ً والأبويّة ثالثا ً بحيث تضع مصلحة العراقي والعراقيين نصب عينيها, لأخذ الضمان بما يدفع به الشر والسوء عنهم وعن العراق بشعبه ومقدراته ومقدساته ويكون (كلمة سواء) للجميع .
ـ ولا أعتقد بأن يعدوا العقلاء على أن تكون هذه الجهة المستقلة التي يجب أن يفزع إليها الجميع هي (المرجعية الدينية العليا) في النجف الأشرف والمُتمثلة بسماحة المرجع الأعلى السيد "السيستاني". ولم يكن المعول على السياسي حتى يفزع إليه قط بسبب (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ..) ولكنه (دام ظله) ومن منطلق حرصه الكبير على المصالح العليا للبلد وللشعب ومقدراته ومقدساته هو الذي يُبادر ويفزع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بإعطاء الوصفة الناجعة لكل أزمة عقيمة عن الحل.
ـ فـ(الكلمة السواء) اليوم إن أردنا الخلاص هو بالرجوع إلى المحددات التي أفاض بها سماحته في ذات الموضوع وتحديدا ً في 17/11/ 2008م, حينما أقرّ مجلس الوزراء (إتفاقية إنسحاب القوات الأجنبية) وإحالتها إلى مجلس النواب للمصادقة عليها, وأن عدم الأخذ بهذه المحددات التي طرحتها المرجعية العليا سيكون سببا ً في مزيد مُعاناة العراقيين والفرقة والإختلاف بينهم ـ وهي:
ـ ضرورة أن يُبنى أيّ إتفاق يستهدف إنهاء "الوجود الأجنبي" في العراق على أساس أمرين (*) مهميّن هما:
أولاً: رعاية المصالح العليا للشعب العراقي في حاضره ومستقبله ، وتتمثل بالدرجة الأساس في استعادة سيادته الكاملة وتحقيق أمنه واستقراره.
وثانياً: حصول التوافق الوطني عليه بأن ينال تأييد مختلف مكوّنات الشعب العراقي وقواه السياسية الرئيسة.
ـ مع تأكيد سماحته على الأمور التالية :
1ـ لا يمكن القبول بأي إتفاق لا يُلبّي هذين (الأمرين) وينتقص من سيادة العراق سياسيا ً أو أمنيا ً أو إقتصادياً, أو أنه لا يحظى بـ(التوافق الوطني) .
2ـ أن عدم الأخذ بهذين الأمرين سيكون سببا ً في مزيد مُعاناة العراقيين والفرقة والإختلاف بينهم.
3ـ أن ممثلي الشعب العراقي في (مجلس النواب) يتحملون مسؤولية كبرى في هذا المجال.
4ـ كل نائب عليه أن يكون في مستوى هذه المسؤولية التأريخية أمام الله تعالى وأمام الشعب فيتصدى لإبداء رأيه في هذا الموضوع المهم واضحا ً جليا ً ووفق ما يمليه عليه دينه وضميره بعيدا ً عن أي إعتبار آخر .
ـ المقال منشور على موقع (كتابات في الميزان) بتاريخ 25/ 1/ 2019م:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ـ وثيقة رقم : 103
عن موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني :
https://www.sistani.org/arabic/statement/1507/