

.

وإذا ما تسآلنا (كيف اقتنعت بعض الشعوب العربية ـ الإسلامية ـ بأن
جعلت من مقتل الحسين عليه السلام يوم فرح وعيد؟). نجد أنفسنا أمام
صنفين إثنين من تلك الشعوب (العربية والإسلامية):

وهذا الخط باق في الأمة الى اليوم وسيستمر بفرحه وشماتته بقتلهم
الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وصحبه (ولعن الله أمّة سمعت بذلك
فرضيت به)(3), بل (يجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه
وتطميسه)(4) لقبر وخط سيد الشهداء (ع) واستساغة دماء شيعته ومحبيه
ومواليه من بعده في كل (آن), كما يحزن في (المقابل) على الإمام
الحسين (ع) وأهل بيته صحبه في كل (آن) وعبر كل الأجيال شيعته
ومُحبيه ومواليه كخط مواز له, الذين بذلوا ويبذلون كل غال ونفيس
بل (وينصبون لهذا الطف علماً... لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على
كرور الليالي والأيام...فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا
علواً)(5). فأمر هذين الخطين المتوازيين المتضادين, أمر الشجرتين
المذكورتين في القرآن. فالشجرة (الطيبة) في القرآن هي (رسول الله
ـ ص وآله ـ أصلها وأمير المؤمنين فرعها والأئمة من ذريتهما
أغصانها وعلم الأئمة ثمرتها وشيعتهم المؤمنون ورقها) ويقابلها
الشجرة (الخبيثة) في القرآن هي (بني أميّة)(6).
واذا ما أردنا معرفة علة وسبب ذلك العداء المبرم الذي جبلت عليه
أصول وأوشاج (بنو أمية وأشياعهم) تجاه أهل بيت النبوة حتى جرت
فاجعة سيد الشهداء (ع) في كربلاء على أياديهم الآثمة, ربما يتضح
ذلك من مقاربة لفظتي (عسلان الفلوات) و(لن تشذ عن رسول الله لحمته
وهي مجموعة له في حظيرة القدس) الواردتين في خطبة (خط الموت..)(7)
للإمام الحسين (ع) فنستشرف التضاد النوعي بين (الرجس والقدس) بين
وحوش لا تعرف إلا التدارك والتسافل ولغة القتل والدم والهتك, وبين
مَن هم في التعالي والتسامي قدما ً حتى كان رضاهم رضا الله تعالى
وهم مجموعون في حظيرة القدس الإلهي مما لا ريب فيه.

ولولا الصنف الأول الذكور آنفا ً الذي (أسّس) و(أصّل) للإحتفال
بيوم قتل الإمام الحسين (ع) وجعله يوم عيد في الأمة, لم يكن ليكون
يوم احتفال وفرح وعيد مطلقاً!. ومهما كثرت التبريرات وكثرت
الأسباب لذلك لم يكن ليعذر تلك (الشعوب) المغرر بها (اليوم) أمام
تحمل مسؤولياتها الشرعية والتاريخية والأخلاقية أمام الله تعالى
وأمام الأمة والتأريخ في جعل يوم قتل ريحانة رسول الله (ص وآله)
نبيهم يوم (العشر من المحرم) يوم عيد وفرح ودق بالدفوف والمزامير
وتوزيع الحلوى. ولم يكن ليغيب عن ذهن أحد بأن (بني أمية) وعلى
رأسهم (يزيد) هم مَن (أسّس) و(أصّل) لذلك العيد المزعوم عند الناس
والى اليوم فكانوا للأسف مصداق المقولة (على دين الملوك الناس).



فالناس أكلوا طعم الماكنة الإعلامية الزائفة للسلطة الأموية
وترهيبها وترغيبها بعد الصلح. فكانوا مواطنين للدولة الأموية في
الشام كما أراد (معاوية) أن يكونوا. وكانوا مسلمين ولكن على إسلام
ودين (معاوية). فمعاوية وإن خلع الإعلام الزائف والأقلام المأجورة
وصف (الخليفة السادس) عليه ألا أنه يتصرف ويفعل ما يشاء في الشام
كحاكم (مطلق) لا علاقة له بالإسلام سوى الإسم والرسم. فراحت
منابره وأقلامه وحناجره المأجورة تصدح بالسبّ والشتم لـ(أمير
المؤمنين علي عليه السلام) والطعن في فضائله والتنكيل بشيعته
ومواليه.
ولك أن تعرف ماذا يمكن أن يحصل ويكون للشاميين (وللشخصية الشامية
تحديدا ً) وهم داخل الماكنة الإعلامية الأموية بعد أكثر من (20)
عاما ً, من حادثة استقبالهم غير مكترثين وغير مبالين لخبر استشهاد
أمير المؤمنين (ع) في 21 رمضان 40هـ , ولكنهم صُعقوا وصُدموا
عندما علموا أنه (ع) قتل في محراب مسجد الكوفة فسألوا حينها (وهل
كان عليّ يصلي)؟. لذا هان على الناس احتفالهم بيوم قتل ولده
الحسين (ع) وجعله يوم عيد في عام 61هـ , وفرحهم عن طيب خاطربذلك
بل ويتربكون ويتقربون به الى الله تعالى (ولا حول ولا قوة إلا
بالله).
ورد عن الإمام زين العابدين (ع) في خطبة له عند وصوله مشارف
(المدينة) المنورة بعد رجوع السبايا أنه قال:(أيها الناس، أصبحنا
مطرودين مشرّدين مذمومين شاسعين عن الأمصار، كأننا أولاد ترك أو
كابل... والله، لو أن النبي صلى الله عليه واله تقدم إليهم في
قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا
بنا..)(8). مطرودين من الناس, ومشردين مذمومين من الناس, وشاسعين
عن أمصار الناس غرباء كانهم أولاد ترك أو كابل, ولو قدّر للنبيّ
(ص وآله) أن يتقدم بشخصه إليهم لقتله الناس كما قتلوا الحسين (ع)
ألا لعنة الله على الظالمين.

وورود نص عن الإمام المعصوم (ع) يكشف ويفضح بأن (يزيد) لعنه الله
تعالى ودولته الأموية هم مَن خططوا لأن يكون يوم قتل الإمام
الحسين (ع) في يوم (عاشوراء) يوم عيد وفرح حينها ليسري في
المستقبل كسنة. فقد ورد في زيارة (عاشوراء) المروية عن الإمام
(الباقر) عليه السلام (هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة
الأكباد..) و(هذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين
صلوات الله عليه..)(9).
وفي رواية (سهل بن سعد الساعدي) دليل آخر على أن أهل الشام
احتفلوا وفرحوا بيوم وصول سبايا آل محمد (ص وآله) في الأول من شهر
صفر من عام 61 هـ ولم يكونوا ليعرفوا يوم فرح وعيد قبل هذا اليوم
في مثل تلك المناسبة الأليمة. حيث قال (سهل بن سعد):
(خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة
الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور والحجب والديباج، وهم
فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في
نفسي: لا نرى لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن.
فرأيت قوماً يتحدثون فقلت:
ـ يا قوم لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟.
ـ قالوا: يا شيخ نراك أعرابياً؟
ـ فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت محمداً (ص وآله)
ـ قالوا: يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما والأرض لا تنخسف
بأهلها؟
ـ قلت: ولم ذاك؟
ـ قالوا: هذا رأس الحسين (ع) عترة محمد (ص وآله) يُهدى من أرض
العراق..)(10).
فالتبرك والفرح والعيد في يوم (عاشوراء) يوم قتل الإمام الحسين
(ع) من مبتدعات الدولة الأموية.

وقد تصدى أئمّة أهل البيت عليهم السلام لتلك الأكاذيب الموضوعة
على لسان النبيّ (ص وآله) ونهوا عن صوم يوم (عاشوراء) وانبروا في
تصحيح ما علق بأذهان الأمّة من تلك الترهات, ونفض ما علق على
فاجعة سيد الشهداء والقضية الحسينية من التشويه والتسقيط وخلط
الأوراق.
فعن (أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله الصادق (عليهما السلام) قالا:
(لا تصُم في يوم عاشورا(أو ـ لاتصومن في يوم عاشورا) ولا عرفة
بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار)(13).
وورد عن الإمام الصادق (ع) في صوم يوم عاشواء أنه قال: (أما أنه
صيام يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل
الحسين عليه السلام)(14).
بينما نرى امتعاض وانزعاج الإمام علي بن موسى الرضا (ع) الشديد من
السؤال عن صيام يوم عاشوراء, كاشفاً سلام الله عليه في الوقت ذاته
عن شؤم ذلك اليوم. فقال (ع) للذي سأل عن صوم يوم عاشوراء وما يقول
الناس فيه: (عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من
آل زياد بقتل الحسين عليه السلام، وهو يوم يتشأم به آل محمد عليهم
السلام، ويتشأم به أهل الإسلام، واليوم الذي يتشأم به الإسلام
وأهله لا يُصام فيه ولا يُتبرك به..)(15).
ومع كل ذلك نرى (الناس) من تلك الشعوب (العربية والإسلامية) صمّ
بكم ولا زالوا الى اليوم يحتفلون بيوم (عاشوراء) يوم قتل ابن بنت
رسول الله (ص وآله) عناداً واستكباراً فكانوا مصداق الآية الكريمة
(إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مقتدون/23 الزخرف).
ـــــــــــــــــ















