???? نحاح بيعي
وبما أن الذي يُعنينا هنا هو موقف المرجعية العليا من هذا (المُستجد)
الذي لا يخرج من (أطار) و(روح) موقفها السابق في عام 2008م, ولكي
نتعرف على موقفها الجديد حول قضية (إخراج القوات الأجنبية) من العراق
بعد ما اكتسب تواجدها الصفة الشرعية والقانونية, علينا أن نراجع ما
أدلت به المرجعية العليا في بيانها المرقم (15) في 31/1/2020م
والمتضمن قراءة عُقلائية ???? ووطنية لمجمل الأحداث في العراق خصوصا ً ما
بعد انطلاق الحركة الإجتجاجية والتظاهرات وما رافقها من مآسي يندى لها
الجبين في 1 تشرين أول 2019م وما بعدها. ولمطالعة مضامين هذا البيان
ربما يجدر بنا مراجعة بعض الأحداث التي سبقته وكانت علة لمجمل مضامين
هذا البيان منها:
1ـ في تاريخ 20/12/2019م طالبت المرجعية العليا في بيان لها رقم
(11) (إجراء انتخاباتٍ مبكّرة ووضع قانونٍ منصفٍ لها وتشكيل مفوّضيةٍ
مستقلّة لإجرائها، ووضع آليّة مراقبةٍ فاعلة على جميع مراحل عملها
تسمح باستعادة الثقة بالعمليّة الانتخابيّة) كخطوة إرتأتها المرجعية
العليا كونها( أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي
الذهاب الى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخليّ). وهذا يكشف عن
أمور عدة منها:
ـ أن هناك أزمة تنذر بفوضى وحرب أهلية لا تبقي ولا تذر وتذهب بالجميع
الى المجهول
ـ وجود إنقسامات بين الفرقاء السياسيين في أوجها وتصدع عميق بينهم لا
يلتئم
ـ أن الحكومة أصبحت حكومة تصريف أعمال وبحكم المستقيلة
ـ شلل أصاب مجلس النواب وعليه مسؤولية تشريع قانون انتخابات جديد
وتشكيل مفوضية انتخابات (مستقلة) لأنها الآن ليست كذلك’ ووضع ألية
مراقبة على الانتخابات تُعيد الثقة بالعملية الإنتخابية
برمتها(1).
2ـ في تاريخ 3/1/2020م وقوع حادثة المطار المؤلمة بإعتداء غاشم هو
(خرقٍ سافر للسيادة العراقيّة وانتهاكٍ للمواثيق الدوليّة، وقد أدّى
الى استشهاد عددٍ من أبطال معارك الانتصار على الإرهابيّين الدواعش)
كما ورد في بيان المرجعية العليا رقم (12)(2). الحدث الذي عمّق الأزمة
والفرقة وأصبحت القوات الأجنبية (الأميركية) على محك (الجلاء) كضرورة
مُلحة وشكل رأيا ًعراقيا ًعاماً, مما أعاد بقوة تداول مصطلح (إحتلال)
وأن القوات الأميركية المتواجدة في البلد هي قوات مُحتلة وإن كانت
تنطلق من فراغ قانوني وتشريعي.
3ـ في تاريخ 5/1/2020م صادق البرلمان العراقي على قرار يلزم الحكومة
العراقية بإخراج القوات الأجنبية من أراضيه. القرار الذي لم ينج من
الإنتقاد الحاد كونها جاء بظرف وجلسة برلمانية (صاخبة) كالتي تم بها
إقرار الإتفاقية الأمنية عام 2008م. الأمر الذي اتخذه مؤيدي القرار
ذريعة (بإسم الشعب) لخروج القوات الأجنبية ـ الأميركية من العراق,
ويقابله كالعادة فريق ينقضه ويناقضه بالتمام ويعتبر القرار البرلماني
(سياسي ـ طائفي) بامتياز وغير مُلزم للحكومة خصوصا ً إذا كانت حكومة
تصريف أعمال وبحكم المستقيلة آنذاك, لأن مهمة البرلمان تشريع أو تغيير
أو إلغاء قوانين وليس إصدار قرارات.
4ـ في تاريخ 10/1/2020م انتقدت المرجعية العليا بشدة (إسلوب المغالبة)
لدى جميع الأطراف السياسية المختلفة على الساحة العراقية. كونها تمتلك
(جانباً من القوة والنفوذ والإمكانات ومحاولة كل منهم فرض رؤيته على
الباقين) في وقت يتطلب منهم جميعا ً التكاتف والتعاون. ودعتهم
للإرتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية وأن (ولا يضيعوا فرصة التوصل
الى رؤية جامعة لمستقبل هذا الشعب) ودعتهم لأن يعملوا على أن يكون
العراق (سيد نفسه يحكمه ابناؤه ولا دور للغرباء في قراراته) وهذا ما
ورد في بيانها المرقم (13)(3). إشارة المرجعية العليا الى إسلوب
المغالبة يعطي مؤشرا ً خطيراً جدا ً كون جميع الأطراف السياسية ومن
ورائها الأطراف الإقليمية والدولية تمتلك كل الإمكانيات ما يجعل
العراق عبارة عن برميل بارود يهدد بالإنفجار بأي لحظة مع غياب الرؤية
الوطنية والصوت الوطني ووجود صوت الغرباء الحاكم.
5ـ في تاريخ 24/1/2020م حذرت المرجعية العليا جميع الأطراف السياسية
المختلفة من تأخير تشكيل الحكومة الجديدة بعد دعوتها لإجراء إنتخابات
جديدة في تاريخ 20/12/2019م (إنّ تشكيل الحكومة الجديدة قد تأخر
طويلاً عن المدة المحددة لها دستورياً، فمن الضروري أن يتعاون مختلف
الأطراف المعنية لإنهاء هذا الملف وفق الأسس التي أشير اليها من قبل،
فانّه خطوة مهمة في طريق حلّ الأزمة الراهنة). كما ورد في بيانها
المرقم (14)(4). وهو تحذير جاء بعد (شهر) من دعوتها لإجراء انتخابات
مُبكرة وهي مدة طويلة نوعا ًما من أجل نزع فتيل الإقتتال الداخلي الذي
نوّهت له المرجعية وحذرت منه.
هذه الأحداث المتسلسلة تاريخيا ً تكشف عن الجو العام المُرتبك
والمتأزم والمرعب والغير سويّ الذي يعيشه العراق. فوجود إنقسامات حادة
بين الفرقاء السياسيين وانتهاجهم إسلوب المغالبة والتلويح بالإحتكام
بالسلاح, ووجود حكومة تصريف أعمال وبحكم المستقيلة مع تأخير غير مُبرر
لتشكيل حكومة بديلة جديدة, وشلل عمّ ويعمّ مجلس النواب مع غياب النهج
الوطني والإرادة الوطنية, واستشهاد كوكبة من أبطال معارك الإنتصار
بإعتداء غاشم خارق للسيادة الحدث الذي ألهب رأيا ً عاما ً يقضي بجلاء
وطرد كافة القوات الأجنبية وخصوصا ً الأميركية منها المُعتدية..
وسط كل هذه الأجواء الضبابية المتلاطمة يأتي قرار من مجلس النواب الذي
يُلزم به الحكومة العراقية بإخراج القوات الأميركية من أراضيه.
وبطبيعة الحال يوجد هناك فريقان الأول مؤيد للقرار ويصفه بالوطني ونجح
باستحصاله من البرلمان, وفريق آخر يُخالفه جملة وتفصيلا ً بل يرى
القرار سياسي ـ طائفي بامتياز وجاء بلا إجماع وطني ولا يُلزم الحكومة
بشيء كونه غير دستوري ولا قانوني كما أسلفنا ـ وكما حصل في جلسة
البرلمان عام 2008م أثناء التصويت على الإتفاقية الأمنية.
وسط هذا الإستقطاب الثنائي المتأزم الخطير يأتي بيان المرجعية العليا
رقم (15) في 31/1/2020م ليضع النقاط على الحروف ويضع حدّا ً لكل
مخرجات تلك المرحلة ويرسم خارطة إنقاذ جديدة (لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد).
قال السيد المرجع الأعلى:
ـ(إنّ الرجوع الى صناديق الاقتراع لتحديد ما يرتئيه الشعب هو الخيار
المناسب في الوضع الحاضر، بالنظر الى الإنقسامات التي تشهدها القوى
السياسية من مختلف المكونات، وتباين وجهات النظر بينها فيما يحظى
بالأولوية في المرحلة المقبلة، وتعذر اتفاقها على إجراء الإصلاحات
الضرورية التي يطالب بها معظم المواطنين، مما يعرّض البلد لمزيد من
المخاطر والمشاكل، فيتحتم الإسراع في اجراء الإنتخابات المبكرة ليقول
الشعب كلمته ويكون مجلس النواب القادم المنبثق عن إرادته الحرة
هو المعنيّ باتخاذ الخطوات الضرورية للإصلاح وإصدار القرارات المصيرية
التي تُحدد مستقبل البلد ولا سيما فيما يخص المحافظة على سيادته
واستقلال قراره السياسي ووحدته أرضاً وشعباً)(5).
وبما أن قضية إخراج القوات الأجنبية من العراق هي قضية (مصيرية) تحدد
مستقبل العراق, وهي قضية تخص سيادته واستقلاله ووحدته أرضا ً وشعبا ً
لا إجماع وطني عليها, وتشهد إنقسامات حادة وتباين وجهات نظر القوى
السياسية حولها, مع وجود حكومة تصريف أعمال ومستقيلة, ووجود برلمان
مشلول وغارق بتلك الإنقسامات والمناكفات السياسية, فيكون الحل هو
بالرجوع الى صناديق الإقتراع بانتخابات مُبكرة (الأمر الذي تقاعس عنه
الجميع للآن) حتى يقول الشعب كلمته (المُغيّبة) ويكون مجلس النواب
الجديد والمنبثق عن الإرادة الحرة للشعب هو المعنيّ والمسؤول بقضية
إخراج القوات الأجنبية ـ الأميركية من العراق وليس جهة أخرى.
أما لماذا التأكيد على أن يكون مجلس النواب هو المعني بتلك القضية دون
غيرها هذا لأنه البيت الوطني الجامع لكل مكونات الشعب العراقي, وهو
الذي يُحقق (أمرين) لا (ثالث) لهما وفق سياقاته الدستورية والقانونية
بعيدا ً عن أسلوب المغالبة وفرض الإرادات وليّ الأذرع من قبل الفرقاء,
وفرض أرادات الغرباء من خلف الحدود عبر الأجندات الخارجية وغيرها
(وهما ذات الأمران معا ً اللذين تقدمت بهما المرجعية العليا في
18/11/2008م) وهما:
أولاً: رعاية المصالح العليا للشعب العراقي في حاضره ومستقبله، وتتمثل
بالدرجة الأساس في استعادة سيادته الكاملة وتحقيق أمنه واستقراره.
وثانياً: حصول التوافق الوطني عليه، بأن ينال تأييد مختلف مكوّنات
الشعب العراقي وقواه السياسية الرئيسة.(6)
فالسيد المرجع الأعلى ومن منطلق (النصح والإرشاد) مع الإرادة الوطنية
الحرة ومع قرارها الوطني النابع من البيت الشرعي الوطني وهو (مجلس
النواب العراقي) وما يرتأيه (هو) من خلال الإجماع الوطني تجاه جميع
القضايا المصيرية ومنه قضية إخراج القوات الأجنبية ـ الأميركية من
البلد, وهي مسؤوليته بالدرجة الأساس مع الأخذ بنظر الإعتبار رعاية
المصالح العليا للشعب العراق في حاضره ومستقبله المرتكزة باستعادة
سيادته كاملة وتحقيق أمنه واستقراره. وإلا وبخلافه (سيكون سبباً في
مزيد معاناة العراقيين والفرقة والإختلاف بينهم).
ــــــــــــــــ
ـ الهوامش:
ـ(1) بيان المرجعية العليا رقم (11) في 20/12/2019م :
https://www.sistani.org/arabic/archive/26370/
ـ(2) بيان المرجعية العليا رقم (12) في 3/1/2020م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26374/
ـ(3) بيان المرجعية العليا رقم (13) في10/1/2020م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26375/
ـ(4) بيان المرجعية العليا رقم (14) في 24/1/2020م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26377/
ـ(5) بيان المرجعية العليا رقم (15) في 31/1/2020م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26381/
ـ(6) وثيقة رقم (103) من النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني دام
ظله في المسألة العراقية إعداد (حامد الخفاف):
https://www.sistani.org/arabic/statement/1507/