الرقم الخامس

2020/01/01


نجاح بيعي كتبت هذه المقالة بتاريخ 19-12-2015

ــ أو .. هل للشيعي العراقي هوية خاصة به ؟! .

لا أحد يدّعي بأن الشيعي العراقي , يختلف عمن سواه من شيعة العالم . فالجميع يشترك بمكونات خاصة , صاغت ملامح الهوية الشيعية , وأعطتها طابع مميز على الوجه العام . بحيث لو وُجِدَت هذه المكونات في مجموعة بشرية معينة وترافقت معها , في أي بقعة من الأرض , وفي أي زمن كان , لدلت دلالة واضحة على أن هذه المجموعة البشرية هم ( شيعة ).

وبإمكاننا التعرف على مكونات هذه الهوية , من خلال النقاط الأربع التالية :
( 1 ) ــ الإمامة : وهو الاعتقاد باثني عشر إماما معصوما ( أولهم علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم الحجة بن الحسن (عج) .
( 2 ) ــ القضية المهدوية . نسبة للإمام المهديّ (عج) , وهو التاسع من ولد الأمام الحسين العسكري (ع) . وهو الذي يملأ الله به الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا .
( 3 )ــ القضية الحسينية : وهي المحور الجامع والعنصر المعبر عن وجودهم , بل هي أفضل إعلان عن الهوية المشتركة والجامعة للشيعة .
( 4 ) ــ الإرتباط بالمرجعية الدينية : وهو ارتباط مقدس , يربط القاعدة الشعبية ( الشيعية ) بالمرجعية , باعتبارها تقوم مقام النيابة عن المعصوم (ع)وبهذا تكون الرافد لديمومة هذا الارتباط مع الأمام الغائب ( عج ). فبهذه النقطة يفترق ويتميز الشيعة عن غيرها من الملل .

وقد مرت هذه المكونات بمراحل ولادة عسيرة , وسارت بدرب طويل , شاق ومرير , عُمّد بدماء زكية طاهرة , تمثلت بسيرة الأئمة الأطهار من آل بيت النبيّ ( عليهم السلام ) مع أئمة الجّور , ومن كُبراء رجالات المذهب من الصحابة والتابعين والموالين , بدءاً من حادثة ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) إلى زمان الغيبة الكبرى لصاحب العصر والزمان (عج) وما رافقها من منعطفات وتحولات قوية , عقائدية وفكرية واجتماعية , أصبحت جزء لا يتجزأ من طابع تلك الهوية التي أصبحت الدالة على الشيعة والتشيّع .
فإذا كانت هذه النقاط الأربعة تبين ( ملامح مكونات الهوية الشيعية ) على النحو العام , فهل هناك ملامح ومكونات لهوية الشيعي العراقي على النحو الخاص ؟؟ .
الشيعي العراقي يفترق ويتميز عن غيره ( بانصهار ) تلك المكونات الأربعة المذكورة جميعا داخل شخصيته , حتى توحدت بها ؟. فأصبحن لا ( يُعرَفـنَ ) إلا بـه .!؟. و لا ( يُعرَف) إلا ّبـِها .!؟. حتى صار الرقم ( الخامس ) للمكونات !.
بل يحسب نفسه بحق , المهد الحاضن لبذرة التغيير الإلهية , ومنطلق إقامة حدود الإسلام ونشره في الأقطار كافة ( ليظهره على الدين كله ) توبة 34. وبالاستطاعة القول , إن الشيعي العراقي هو الابن الشرعي , والوريث لكل تلك المكونات الأربعة , وأنه جزء لا يتجزأ من ذلك المخطط الإلهي الذي أ ُريد له أن يكون صائنا ً ـ ومدافعا ً ـ ومرابطا ًـ ومنتظرا ًـ ومضحيا ًـ للمكونات الأربعة للهوية الشيعية .
وهذا لا يأتي من فراغ , ويرجع أسباب ذلك إلى :
( 1 ) ــ عوامل داخلية : جُبلت عليها نفسية الشيعي العراقي , وقد صرح بها الأئمّة عليهم السلام في أكثر من مقام . مثلا ورد في أمالي الطوسي عن أبي عبد الله(ع) : " ما من البلدان أكثر محبّاً لنا من أهل الكوفة " .
وكذلك ما جاء في البحار : " .. إن جبرئيل قال : " يا محمد ( ص وآله ) إن أخاك ( ويقصد علي ـ ع ـ ) ... مقتول بعدك .... ببلد تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده، وفيه على كل حال يكثر بلواهم، ويعظم مصابهم .. " .
وكذلك ما ورد في بصائر الدرجات : عن أبا عبد الله(ع) يقول : " إنّ ولايتنا عرضت على السماوات والأرض والجبال والأمصار، ما قبلها قبول أهل الكوفة " .

( 2 )ـ عوامل خارجية .. رفدت واستوطنت شخصية الشيعي العراقي بقوة , ومَدّتها بالمَدَد الروحي الدائم , وحصّنتها لتواجه كل التحديات مثل :
ـ وجود أمير المؤمنين علي (ع) في العراق . مرقده , فضلا عن مقر دولته و إقامته ومحل استشهاده .
ـ ولادة منقذ البشرية الأمام المهدي الموعود (عج) في العراق , كما أن غيبته الأولى( الصغرى) , و الثانية ( الكبرى ) ومقر دولته الموعودة و سكناه بالعراق . ونوابه الأربعة و مقاماتهم ومراقدهم بالعراق رضوان الله تعالى .
ـ إن الحسين (ع) وكربلاء الطفّ في العراق , التي منها خرجت مبادئ وقيم الإسلام العظيمة مضرجة بدماء سيد الشهداء ( ع) , فالشيعي العراقي يندبه , ويبكيه في كل آن , حتى باهى الملائكة بالمواساة , و بات لا يُعرف أنه حسيني كربلائي , فمرقده (ع) و محل استشهاده , ومراقد أصحابه ( بقبور جماعية ومنفردة ) , فضلا عن مرقد أخيه أبا الفضل (ع) بالعراق .!؟
ـ وجود أئمة أهل البيت (ع) ولا سيما الأئمة المتأخرين منهم في العراق , كالأمام الكاظم (ع) والجواد (ع) و الهادي (ع) والعسكري (ع) , وذراريهم . وعدد غير قليل من الأنبياء (ع) والأوصياء والأولياء أيضا .
ـ وجود مغرس وانبثاق , ومقر المرجعية الدينية العليا ( القيادة ) في العراق .

لذا .. فلا غرو أن تنصبّ المؤامرات الخارجية والداخلية , مستهدفة الشيعي العراقي بشكل خاص , والعراق بشكل عام , على مدى التاريخ .
فالطواغيت وسلاطين الجور, والفتن والحروب , والاقتتال الداخلي , والنزاعات, والأزمات والانقلابات , والانحراف التوحيدي , والشلل الفكري , وجر المجتمع نحو الوثنية والإلحاد , والإنحلال , وسفك الدماء , وغيرها , سمة تاريخ العراق منذ تشكل البشرية والى اليوم . بل سيمتد إلى يوم الظهور المقدس .. بالموعود(عج) .
لذا فمحاولات ضرب وسلب وتشويه تلك المكونات , قائمة على قدم وساق . من خلال ضرب شخص الشيعي العراقي , فالأعداء ومن خلال وسائلهم الإعلامية المنحرفة , يطلقون التهم والإشاعات جزافا , من إن الشيعي العراقي شوفيني يوالي بلد آخر , وبهذا يريدون سلب الوطن (العراق) منه . أو أن أصله فارسي . وبه يريدون سلب عروبته . و أخرى يُلصقُ بإبن سبأ اليهودي الشخصية الوهمية , ويرومون من خلال ذلك سلب مذهبه السائر عليه .
بينما الشيعي العراقي , يشعر بقرارة نفسه أنّه أبنا ً لذلك العهد , الذي أدلت به العقيلة زينب الكبرى (ع) للإمام السجاد (ع) حينما رأته يجود بنفسه , بعد مصيبة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين (ع) حيث قالت :
" لا يجزعنك ما ترى , فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله ( ص وآله ) إلى جدك وأبيك وعمك ، ولقد أخذ الله ميثاق ( أناس من هذه الأمة ) لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون من أهل السماوات ، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة ، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا " . / بحار الأنوار ج 28 ص 57
أخترنا لك
في ذكرى شهيد (ساحة الوثبة) المغدور الشاب السيد (هيثم البطاط) في 12/12/2019م

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف