نجاح بيعي كتبت هذه المقالة بتاريخ 2016/11/30
بدءً علينا أن نعترف صاغرين , بالفضل اللامحدود الذي بذله ذلك العملاق الذي يسمى ( الحشد الشعبي )!. وأي فضل يوازي فضله وهو يهبّ ملبيا ً النداء المقدّس , المتمثل في فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية الدينية العليا . فبالفتوى والإيمان والحشد استرجعت الأرض , وحفظت الأعراض وانقذت المقدسات , ونهض العراق وشعبه حيّاً من جديد بطوابير بمئات الآلاف من الشهداء يزفون كل يوم مع كل نصر مؤزر لهم . وقد راهن الأغيار بأنه شعب مقهور مدحور , واقع بين مطرقة السياسي الفاسد , وبين سندان الاحتراب المذهبي والطائفي . وإذا ما أردنا أن نردّ الجميل لهذا الكائن المقدّس , علينا أن نعطي له منّا كل شيء , كما أعطى لنا هو من نفسه كل شيء , وأمام هذه المعادلة علينا أن نعترف ثانية بعجزنا صاغرين أمامه . وما قانون ( الحشد الشعبي ) الذي أقرّه البرلمان العراقي يوم 26/ 11 / 2016 م , الذي يحفظ حق وحقوق مقاتليه وعناصره على أقل تقدير , إذا ما قورن بالجذبة الإلهيّة لمهمته الساميّة , واقترانه بالفتوى المقدسة للجهاد , فهو ردٌ يسير وعرفان زهيد , ولا يساوى معشار قدمه أبدا ً , ويقيننا أنه لا يقوى على ردّ جميله اللامحدود إلاّ الله تعالى .
وإذا ما حاولنا وسألنا أنفسنا مَن أسس الحشد الشعبي وسنّ قانونه ؟ علينا أن نتجرّد قليلاً قبل الخوض في الإجابة عن ذلك , ولا ننجر وراء الزعيق الإعلامي الصاخب الذي صاحب إقراره , وتجاذبته مختلف القوى السياسية , حتى شوّه المشهد وطمس معالمه , فبات الخائن وطنيّا ً والفاسد نزيها ً والمجرم شريفا ً , ومن تواطئ وأدخل ( داعش ) بطلا ً ومحررا ً , فالكل يهلهل ويطبل وكأنهم بعرس وطنيّ لا يراه غيرهم . ومهما علت المشاعر الوطنية عند السياسيين اليوم , فالجميع لا يعدو الإطار الذي حددته المرجعية العليا ووضعتهم به حينما قالت : " من المؤكد أنّه لولا استشراء الفساد .. ولاسيّما المؤسسة الأمنية ، ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر , لما تمكّن تنظيم داعش الارهابي من السيطرة على قسمٍ كبيرٍ من الأراضي العراقية ، ولما كانت هناك حاجة الى دعوة المرجعية العليا للعراقيين , الى الإلتحاق بالقوّات المسلّحة للدفاع عن الأرض والعِرض والمقدّسات .. إنّ السياسيين الذين حكموا البلاد خلال السنوات الماضية , يتحمّلون معظم المسؤولية عمّا آلت إليه الامور .."!.
www.sistani.org/arabic/archive/25159/
وعلينا أيضا ً إذا ما أردنا الحقيقة , أن ننشّط الذاكرة قليلا ً, وننفض عنها ما علق بها من غبار خلط الأوراق والإرادات والغايات التي تلت أحداث سقوط الموصل عام 2014م , ونعي البدايات جيداً ونعود لأصل صيغة النداء المرجعي , الذي هبّ الشعب العراقي لتلبيته لقتال داعش , ونلحظ التسلسل الزمني التاريخي لبعض الأحداث المهمّة , لتكتمل الصورة عندنا وعند المنصف على أقل تقدير , ويمسك بخيط المظلوميّة الواقعة على الفتوى من جهة , والحشد وقانونه المولود يوم 26 / 11 / 2016 م من جهة أخرى .
ــ في يوم 10 /6 / 2014 م , كانت قد سقطت ثلثي أراضي العراق بيد تنظيمات عصابات داعش الإرهابية . ومن غير أن نعرف الأسباب والمسببات , كانت الحكومة آنذاك والطبقة السياسيّة قاطبة شبه مشلولة ولا تزال تعيش آثار الصدمة التي أعيتهم جميعا ً , وظلت تسبح في مستنقع الحيرة والتخبّط والعجز , ولم يحظى العراق المستباح منها ما يمكن أن ينعش الأمل عند الفرد العراقي البسيط , بأبسط ردّ للدفاع أو المقاومة ضد العدو . مع أن بيد رئيس وزرائها آنذاك , وزارتي الدفاع والداخليّة باعتباره القائد العام للقوات المسلحة, وباقي الأجهزة الأمنية المسلحة الأخرى .
ــ في يوم 13 / 6 / 2014 م , أي بعد ثلاثة أيام من الاجتياح وسقوط الموصل , أطلق المرجع الأعلى السيد السيستاني من خلال خطبة صلاة الجمعة , فتوى الجهاد الكفائي لردّ وردع عصابات داعش المعتدية , والفتوى انطلقت ولم تكن لتنتظر استشارة أو مشاورة أحد , لا من حكومة ولا من وزارة ولا من تحالف سياسيّ ولا من حزب أو كتلة ما , ولا حتى أخذ رأي أحد ممكن أن يخطر على ذي بال . بعد أن استشعرت المرجعيّة الخطر الداهم على الأرض والعرض والمقدسات , وراحت تستنهض همم الشعب العراقي المجروح . فتضمنت الفتوى على مناشدة للقادة السياسيين , بأن يتركوا الاختلافات والتناحر خلال هذه الفترة العصيبة , وأن يوحدوا كلمتهم بأسناد القوات المسلحة العراقية ( في إشارة لامتلاك البعض إن لم يكن الجميع على فصائل مسلحة مرتبطة بأحزابهم ) ليكون ذلك قوة إضافية لأبناء الجيش العراقي في الصمود والثبات , موضحة لهم أنهم أمام مسؤولية تاريخية ووطنية وشرعية كبيرة . وتضمنت كذلك دعوة للمواطنين ممن يتمكنون من حمل السلاح للإنخراط في القوات الأمنية والجيش تحديدا ً : " على المواطنين الذين يتمكّنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيّين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوّع للانخراط في القوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس " .
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=164
ــ في يوم 18 / 6 / 2014 م , أي بعد ثمانية أيام من الاجتياح الداعشي , وخمسة أيام من انطلاق فتوى الجهاد , كانت الحكومة العراقيّة قد اهتدت بعد الفواق من الصدمة المذلّة , الى اتخاذ قرار خجول ينظم ويستوعب المتطوعين الذين هبّوا للقتال , وهذا ما جاء بالأمر الديواني المرقم ( 47) باستحداث لجنة سميت بـ ( لجنة الحشد الوطني ) في وزارة الدفاع , مهمتها ( تنظيم حملة الحشد الشعبي ) وشؤون المتطوعين بما فيهم الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب والكتل السياسية العراقيّة , والفصائل المسلحة التي تم استحداثها وتشكيلها بعد هذا التاريخ , ولم تكن حينئذ هذه اللجنة , مديرية أو مؤسسة ولا حتى هيئة .
والأمر الغريب هنا , حيث جرى بعد هذا التاريخ , إعلان تشكيل مديرية أطلق عليها ( مديرية الحشد الشعبي ) وتم ربطها بمستشارية الأمن الوطني التي انشاها بريمر عام 2004م , قانونيا وماليا ويترأسها مستشار الأمن الوطني !. ( مع ملاحظة : إن إطلاق تسمية مديرية الحشد وردت في الإعلام فقط , ولم تكن ليتضمنها قرار أو أمر ديواني حكومي لعدم دستوريته , لأنه لا يجوز تشكيل مديرية أو هيئة بدون موافقة وتصويت مجلس النواب عليها ليصبح الأمر قانونياً ) .
والجميع يعلم أن مستشارية الأمن الوطني , بالإضافة الى أنها كانت تمارس جميع صلاحياتها الوظيفية , من غير غطاء قانوني ينظم عملها من قبل مجلس النوّاب وعملها مخالف للدستور , أنها ملغاة لإنتهاء فترة عملها ( 5 سنين منذ تشكيلها عام 2004 م ) وأعلن عن إلغائها ذاك مجلس الوزراء بتاريخ 29/ 4/2009 م . لذا يلحظ المراقب تحاشي مجلس الوزراء التطرق الى التسمية المباشرة , خلال خطاباته وقراراته بصدد تشكيل الحشد الشعبي الوطني كـ ( هيئة أو مديرية باسم الحشد الشعبي ) !.
ــ بعد يومين فقط من إصدار الأمر الديواني رقم ( 47 ) , أي في يوم 20/ 6 / 2014 م , ردّت المرجعيّة الدينيّة العليا ومن خلال خطبة الجمعة , على ذلك الأمر القاضي باستحداث لجنة ( الحشد الشعبي ) , ونبهت بشكل جلي وثبّتت على أن ذلك إجراء غير دستوري ولا قانوني , وحذّرت من استغلال الفتوى واستغلال المنصب الحكومي بإضفاء الشرعية الوهميّة على الفصائل المسلحة الغير رسميّة , وممن يوصفون بـ ( الخارجين عن القانون ), وأعلنت عن رأيها الصارم به وقالت : " إنّ دعوة المرجعية الدينية , إنّما كانت للانخراط في القوات الأمنية الرسمية ، وليس لتشكيل مليشيات مسلّحة , خارج إطار القانون ".
وألمحت إلى أن دعوتها كانت موجّهة , الى جميع طوائف ومكونات الشعب العراقي وليست لطائفة بعينها , وأن الهدف هو الاستعداد والتهيّؤ لمواجهة ( داعش ) . في إشارة الى لا قانونيّة الأمر , والى الصبغة الطائفيّة " الشيعيّة " للجنة المشكلة ). داعيّة السياسيين ومن بيدهم الأمر ضرورة مراعاة حقوق كافة العراقيين من جميع الطوائف والمكونات . " وأن تبادر الى تنظيم عملية التطوع كما دعت اليها , وتعلن عن ضوابط محدّدة لمن تحتاج اليهم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى " .
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=165
من هذه اللحظة تنزّهت المرجعيّة العليا عن ذلك وافترقت عن غيرها , و اعتمدت تسميّة المقاتلين الذين لبّوا نداء الفتوى لقتال داعش بـ ( المتطوعين ) خلال خطابها الرسمي والتزمت بها للآن , لئلا يتوهم أحد من أن المرجعيّة تؤيد , أيّ تنظيم مسلح غير مرخّص به بموجب القانون ، ودعت الجهات ذات العلاقة أن تمنع المظاهر المسلحة غير القانونية . وبنفس الوقت للتفريق عن من التزموا وأطلقوا تسمية ( الحشد الشعبي ) على المقاتلين , منها الحكومة وباقي الأحزاب والكتل السياسية المالكة للفصائل المسلحة , وعن الآخرين الذين رضوا بتسمية الفصائل المسلحة بـ ( بالميليشيات ) . لأن هذه الهيئة التي صيغت بأوامر حكوميّة ارتجالية مستعجلة , جاءت على غير رغبة المرجعيّة لأنها خارج إطار القانون ،ولم يمرر من خلال السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) على اقل تقدير , وهي على الضد من مبدئها في ضرورة حصر السلاح بيد الحكومة حصرا ً !. لذلك من الخطأ والتجنّي بمكان , الإعتقاد من أن فتوى المرجعية هي مَن أجازت تأسيس الحشد الشعبي أو أضفت الشرعيّة عليه . وإنما أجاز السياسيون ذلك لأنفسهم ( لمصلحة ما ارتأوها ) إثر فتوى الجهاد .
.
ــ يتبع ..