نجاح بيعي 2016/10/27
لم تنفك المرجعية الدينية العليا تخاطب الأمّة , وبالخصوص الشعب
العراقي , بخطاب أبويّ رصين ذات طابع ارشاديّ تكامليّ , رعاية منها
للمصالح العليا التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسية . فالشعب
العراقي , وهو دائما ًموضوع مادة خطابها , الذي أخذ صوراً متعددة ,
وخطاب منبر الجمعة واحد من هذه الصور . فمنبر الجمعة الذي بات يطرق
أسماع الملايين من الناس داخل وخارج العراق , فبالإضافة لتناوله
الأمور الحساسة والمشاكل الخطيرة , ألا أنه مليء بالإشارات والتلميحات
والإضاءات وكل ما هو جديد { .. لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
ــ ق ــ آية 37 }. ويمكن أن نلمس التلميح والإشارة والجديد من بعض
مضامين خطبة صلاة الجمعة لـ ( 21تشرين الأوّل 2016م ) منها :
1 ــ لأول مرّة تصف المرجعيّة العليا , الأيام التي يعيشها الشعب
العراقي الآن بـ ( الخالدة !). وأطلقت وصف ( رجالُ العراق ! ) على
الأبطال من صنوف قواتنا الأمنيّة , وجحافل المتطوّعين وأبناء العشائر
الغيارى . فهنا الخلود لا يليق إلا ّ برجال العراق , وأن الأمر برمته
يعتبر مجازا ً ولا يليق البتة , لولا أن تأمّلتها المرجعيّة لأنها على
يقين من ذلك . كون المقاتلين يقتربون من النصر النهائي لتحرير الموصل
المعقل الأخير لداعش . و(يا من ليس لنا من نفتخرُ بهم غيرُكم.. )
إشارة واضحة الى أنهم هُم وليس غيرهم , ممن جلبوا النصر للعراق
واستحقّوا الفخر والافتخار , للتفريق عمن يُسمّوْن بالرجال من
السياسيين , وهم يتصنعون النصر الكاذب والمزيّف . بدليل ولو كان
هناك غيرهم لوجب على المرجعيّة الإشارة اليهم . بل واستحقوا قسم
المرجعيّة العليا على ذلك ( فكنتم - وأيم الله - على مستوى هذه
المسؤوليّة العظيمة ) وفي إشارة أيضا مِن أن هناك مَن هو ليس على قدر
المسؤوليّة , لأنّ المقاتلين والحشد الشعبي ليس فقط , لم يمّلوا ولم
يكلّوا حتى استرخصوا الأرواح وبذلوا الدماء , بل قد اختبرتهم
المرجعيّة ونجحوا في الإختبار على عكس غيرهم من السياسيين , ولا
يزالون يسطّرون الملاحم في سوح الوغى , ممّا سيخلدها التاريخ .
2 ــ التلميح بوجود قيادة حقيقيّة شاملة ( المرجعيّة ) على المستوى
الواقعي تنطوي على البعد الإلهي , لا تشبه غيرها من القيادات على وجه
البسيطة مطلقاً . وتحظى باحترام وتقدير جميع المقاتلين وخصوصا ً (
متطوعي الحشد الشعبي ) من خلال حضورها الدائم والمتواصل ورفدها لهم في
كل مرّة بوصايا وإرشادات , ومنذ صدور فتوى الجهاد الكفائي عام 2014 م
, مثل وصيتها الأخيرة ( ضرورة رعاية المعايير الإنسانيّة والإسلاميّة
, في التعامل مع المعتقلين ... والابتعاد عن الثأر والانتقام .. ) .
كما وتلمح الى وجود قائد فذ ( السيستاني ) لا نظير له ولا كفؤ له أبدا
. فيما لو قورن مع أيّ قائد ممكن أن يخطر على ذي بال .
والمقاتلون يطبّقون باعتزاز وصاياه جميعا ً عن طيب خاطر , عكس مَن
أرشدتهم المرجعيّة ورفدتهم بوصاياها ( وهم السياسيين قاطبة ), ولكنهم
لم يرعوي حتى بُحّ صوتها .
3 ــ الإشارة الى أن المقاتلون ومن لبى نداء المرجعيّة وليس غيرهم ,
هم من يقومون بطيّ صفحة سوداء وفتح صفحة جديدة بيضاء من تاريخ العراق
. فحينما تتطلّع المرجعيّة لأن( تُطوى فيه هذه الصفحة المؤلمة من
تاريخ العراق ..) هو استشراف المستقبل المفعم بالنصر والأمن والأمان ,
ولا يكون إلا ّعلى يد قواتنا الأمنية والحشد المقدس , فهي القوّة
المعوّل عليها في التغيير لا على غيرها .
4 ــ دعوة الشعب بجميع مكوناته بأن يأخذوا ( العبر والدروس من تجاربهم
المريرة الماضية , وينتبهون الى أخطائهم وخطاياهم ويتفادون تكرارها !)
دعوة لأن يتحمل الشعب مسؤولياته تجاه عراق ما بعد داعش , لأن النصر لم
يقم إلا ّبدماء مئات الآلاف من خيرة الشعب العراقي . فالاعتراف بخطأ
الانجرار وراء الصراعات السياسية الحزبية والكتلوية التي عطلت الدولة
وشلت مؤسساتها وعدم العود اليها . واستشعار خطيئة رمي النفس بأحضان
الغير , ومحق الإرادة الوطنية بتطبيق الأجندات الخارجيّة . كما أن
للنصر استحقاق لأن يتكاتف الجميع على بناء الوطن , بعيداً عن (الإحن
والأحقاد ) التي كرستها الأحزاب السياسية خلال الثلاث عشر سنة , مدة
تصديها للشأن السياسي .
5 ــ الدعوة الى تكاتف أبناء الوطن ( العراق ) بعيداً عن الإحن
والأحقاد , دعوة لإعادة الأمور الى وضعها الطبيعي . حيث أن المعادلة
كانت قد قلبتها الأحزاب السياسية لصالحها , بعمل منحرف دؤوب منذ تغيير
عام 2003م وللآن . فبتحايلها على النظام الديمقراطي , ومغادرتها
للاستحقاق الإنتخابي بانتهاجها المحاصصة السياسية المقيتة, وبروز
الطابع الطائفي والفئوي والقومي في العمل السياسي , وعلى غرارها تم
تقاسم الدولة بمؤسساتها , مع تكريس الفساد المستشري بها , استطاعت
الطبقة السياسية أن تسحب وتجيّر وتذوّب مكونات الشعب لصالحها وتجعلها
داخل الأحزاب السياسية , وتجعل من نفسها ليس فقط لسان حال المكوّن
الإجتماعي والفئوي والقومي والمذهبي , وإنما صارت هي المكوّن والمذهب
والقوميّة . فالمرجعيّة تدعو المكونات لأن تخرج من ربقة الأحزاب
والكتل السياسية وسيطرتها , وتتحرر من الطائفية والفئوية والقومية ,
وتنشد الدولة المدنية الدستورية التي تضم وتحضن الجميع.
6 ــ عمدت المرجعيّة وكنتيجة للإحن والأحقاد والخلافات , أن تشير الى
أن هناك نوعين من التدخل الأجنبي للعراق , ودعت الشعب ( ولا يسمحون
للأجنبيّ باستغلال خلافاتهم للتدخّل في شؤونهم الداخليّة , وخرق سيادة
بلدهم بذرائع مختَلَقة كما يحصل اليوم ! ) :
أ ــ قولها " ولا يسمحون للأجنبيّ باستغلال خلافاتهم للتدخّل في
شؤونهم الداخليّة !" إشارة الى مؤتمر الصحوّة الإسلاميّة الذي عُقد
ببغداد , الذي دعا اليه السيد عمّار الحكيم زعيم الإئتلاف الوطني ,
وبرعاية الجمهورية الإسلامية في إيران يوم 22/10/2016م . حيث
جاء لمحق الإرادة الوطنيّة , ولتكريس سياسة المحاور الإقليمية
المرفوضة .
ب ــ وقولها " وخرق سيادة بلدهم بذرائع مختَلَقة كما يحصل اليوم !".
في إشارة واضحة الى تركيا وتواجد بعض قطعاتها العسكرية داخل حدود
العراق بذرائع شتى . وإذا ما حللنا تعبير (كما يحصل اليوم ..) نجدها
تشير الى الخرق الأمني الذي حصل بمحافظة كركوك من قبل عناصر داعش في
منتصف ليلة الجمعة 21/ 10 /2016م , وهي إحدى تبعات ورفسة من
رفسات التدخل العسكري التركي في العراق .
7 ــ للمرة الأولى يعمد ممثل المرجعية للإشارة الى المرجعيّة اثناء
شرحه لبعض الفقرات ( إخواني..لاحظوا هذا التعبير ..هنا المرجعيّة
الدينيّة العُليا تقول : ليس ..) في إشارة الى المشككين وللمتصيدين في
الماء العكر ,مِن أنّ كلام خطبة الجمعة هي كلام المرجعيّة ذاته , أو
بتقرير منها . وأخيراً نكون مخطئين إذا جزمنا أن المرجعية لم تأتي على
ذكر السياسيين , فهي وإن لم تذكرهم مباشرة ,ألا أن خطابها موجه لهم من
خلال التلميح والإشارة , وحتما ًدهاء السياسي يقطع ويُقر بوقوفه ,على
الجانب الآخر من المرجعيّة , كما وقف يزيد على الجانب الآخر من الإمام
علي بن الحسين (ع) . ويُقر السياسي اليوم ويقول بلسان يزيد فيما
لو نطقت المرجعيّة , فهي لا تنطق إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان
..!؟.