نجاح بيعي
وإذا ما استبقنا الأحداث قليلا ً , وانتقلنا الى حدث تاريخي
متقدم , نكون قد عرفنا أمرا ً مهما ً مرتبط بما سبق , وبإمكانه أن
يكمل الصورة الناقصة التي شابت لا قانونيّة ولا دستوريّة ( لجنة )
الحشد الشعبي المشار اليها بالأمر الديواني رقم ( 7 ) 18 / 6 / 2014 م
, والتي مضت به الحكومة بإصرار وعناد منقطع النظير, وفضلت أن يكون
هكذا من غير أن يكون , قانونا مشرعاً من قبل مجلس النواب , وبنفس
الوقت يظهر لنا مدى إصرار المرجعيّة العليا وحرصها أن تسير الدولة وفق
القانون والدستور .
ــ في يوم 7 / 4 / 2015 م , أقرّ مجلس الوزراء بجلسته رقم (9) التوجيه
التالي : " توجيه الوزارات ومؤسسات الدولة كافة , عند تعاملها مع (
الحشد الشعبي ) على أنه ( هيئة ) رسمية ترتبط برئيس الوزراء , والقائد
العام للقوات المسلحة . وتتولى هذه ( الهيئة ) عمليات القيادة
والسيطرة والتنظيم لقوات الحشد الشعبي " .
فبالرغم من أنّ هذا التوجيه الحكومي يُعد نقطة تحول , ويؤرخ ولادة إسم
( هيئة ــ على أقل تقدير) للحشد الشعبي ولأول مرة في الخطاب الحكومي .
وجاء إطلاق هكذا أسم لأسباب ميدانية وتنظيميّة , واعتباره مؤسسة تابعة
للدولة العراقية , ويهدف أيضا ً الى ربط هذا الكيان بالقائد
العام للقوات المسلحة .. ألا أنه لا يضفي عليه الشرعيّة القانونيّة
البتّة , بل وبالعكس يعتبر إيغالا ً وتماديا ً في خرق اللوائح
القانونية والإلتفاف على الدستور , حيث كيف يُطلب من مؤسسات الدولة
ومجلس القضاء الأعلى , التعامل مع ( الحشد الشعبي ) كهيئة , ولم يكن
هناك أمر صادر من مجلس الوزراء وفق السياقات القانونيّة المتبعة التي
تسبق هذا التوجيه , بحيث تحدد شخصيّة هذه الهيئة وهيكليتها , وكل ما
موجود لدينا هو فقط الأمر الديواني المرقم ( 47 ) لعام 2014 م ,
ومضمونه هو أن يوكل تنظيم حملة الحشد الشعبي الى لجنة الحشد الشعبي
!.
ــ في يوم 13/ 8 / 2014م , تم نشر رسالة المرجع الديني الأعلى ,
الجوابية على رسالة لحزب الدعوة الإسلامية في وقت سابق , بشأن إبداء
رأيها في ترشيح رئيس وزراء جديد غير ( نوري المالكي ) والتي جاء بها :
" أودّ أن أبلغكم بأنه بالنظر إلى الظروف الحرجة التي يمر بها العراق
العزيز , وضرورة التعاطي مع أزماته المستعصية برؤية مختلفة عما جرى
العمل بها ، فإنني أرى ضرورة الإسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء
يحظى بقبول وطني واسع , ويتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية
لبقية المكونات لإنقاذ البلد من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية
والتقسيم " .
www.non14.net
الأمر الذي التبس عند البعض وحنق جهلا ًعلى المرجعيّة العليا وظنّ بها
سوءً , وأنها كانت سببا ً في إقصاء ( المالكي )عن رئاسة الوزراء ,
وترشيح ( العبادي ) بدلا ً عنه , من قبل التحالف الوطني , وكما أفضى
هذا الأمر الى انشطار التحالف الوطني , الى تيارين سياسيين يتقاسمهما
ذات الزعيمين ( متصارعين بالخفاء ومتصالحين بالعلن ) وهو مما لا يخفى
. حتى أُشيع حينها بأن الحكومة باتت حكومة المرجعيّة , وأن أقطابها هم
أبناء المرجعيّة . وهذا قصور بالفهم واضح , وخطأ فادح وتجنّي بحق
المرجعية العليا . حيث لا مأخذ عليها البتّة وكان رأيها موافقا ً
للقانون ولدستور . ما دام التعامل القانوني هو مع الكتلة النيابية
الفائزة بأكثر الأصوات , وليس الشخص ما بعينه قائم . والمرجعية
كانت ولا زالت لا مصلحة لها أبداً في مَن يحكم , بقدر تقديرها لمصلحة
البلد وحرصها على كيف يحكم .
ــ في يوم 20 / 8 /2015 م , حمّلت المرجعيّة العليا بصراحة غير معهودة
, جميع السياسيين ومن بيدهم الأمر , السبب والمسؤوليّة المباشرة عمّا
آلت إليه الامور في العراق . وأوضحت أنه لولا سوء استخدام السلطة
واستشراء الفساد , لما تمكّن تنظيم داعش الارهابي من السيطرة على قسمٍ
كبيرٍ من الأراضي العراقية , ولما كانت هناك حاجة الى دعوة المرجعية
للعراقيين للالتحاق بالقوّات المسلّحة للدفاع عن الأرض والعِرض
والمقدّسات . وهو مؤشر خطير يبيّن الى أن هناك , صدع كبير وشرخ عميق
كبُر , وراح يكبر ويتسع حجمه مع الأيام , بين المرجعيّة وما تناشده
لنصرة هذا الشعب المظلوم وبناء مؤسسات الدولة من جهة , وبين الحكومة
وزعامات الطبقة السياسية المتصديّة وتنافسها اللاأخلاقي المخجل من جهة
أخرى , الأمر الذي مهّد الى أن تسدّ بابها بوجههم جميعا ً , ومن ثمّ
الى عدم تناول الشأن السياسي العراقي إلا ّ عند الضرورة
.
www.sistani.org/arabic/archive/25159/
ــ في يوم 5/ 2 /2016 م , قرّرت المرجعيّةُ الدينيّة العُليا الإمتناع
عن تناول الشأن السياسي العراقي , خلال خطبة صلاة الجمعة , وارتأت أن
يكون " حسبما يستجدّ من الأمور وتقتضيه المناسبات " .
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=250
وهو أخطر موقف تتخذه المرجعيّة بحق الحكومة والقوى السياسية جمعاء ,
بعد أن لمست من السلطات الثلاث التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة ,
فضلاً عن الطبقة السياسية المتصديّة الغرور والعناد والإصرار بعدم
تقبل النصح والمشورة والرأي منها , على مدى مسيرة التغيير منذ عام
2003 م وللآن .
ــ في يوم 24 / 2 / 2016 م , صدور الأمر الديواني رقم ( 91 )
القاضي بإعادة تشكيل وتنظيم ( هيئة ) الحشد الشعبي والقوات التابعة
لها .
أنّه لأمر غريب حقا ً أن يصدر من الحكومة العراقيّة ورئيس وزرائها مثل
هكذا أمر . فبعد أن ألزمت مؤسسات الدولة كافة بالعمل مع ( الحشد
الشعبي ) على أنه ( هيئة ) رسمية ترتبط برئيس الوزراء والقائد العام
للقوات المسلحة , كما في التوجيه الصادر في 7 / 4 / 2015 م الآنف
الذكر وهو ليس كذلك . نراه يُعيد الكرّة ويقحم لفظة ( هيئة ) في
أمر ديواني جديد ( وهو الذي أصبح فيما بعد منطلقا ً لمقترح قانون
الحشد من قبل مجلس النواب) , وتعامل معه ككيان قانوني ( دستوري ) . بل
ويُصر محاولاً به إعادة تشكيل وتنظيم هذه القوة العسكرية المسماة (
الحشد الشعبي ) , والتي صارت حسب هذا الأمر تشكيلا ً عسكريا ً مستقلا
ً , وجزءً من القوات المسلحة العراقية ( أي رديفا ً للجيش العراقي )
ويرتبط بالقائد العام .
والأنكى من ذلك نجد أن الأمر الديواني رقم ( 91 ) يستند حسب المنطوق
الى أحكام المادة ( 78 ) من الدستور , التي تشير الى " رئيس مجلس
الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة " ممّا
لا يعطيه الحق بأن يقر توجيها ً ملزما ً له صفة القانون , وبموضوع
خطير كموضوع الحشد الشعبي كقوة مسلحة . وإلا ّ يُعد الأمر تجاوزا ً
على صلاحيات السلطة التشريعية , التي آثرت الصمت وفضلت عدم ممارسة
دورها الرقابي على السلطة التنفيذيّة . فضلا عن صلاحيات مجلس الوزراء
في تقديم مشاريع القوانين . بينما نراه يتحاشى ويتغافل عن التعامل مع
المادة رقم (108) من نفس الدستور والتي تنص :
" يجوز استحداث هيئات مستقلة أخرى حسب الحاجة والضرورة بقانون
" .
للآن لم يكن لدينا بحق ( الحشد الشعبي ) ككيان مؤسساتي أو كقوة مسلحة
أو كتشكيل عسكري ما يثبت أنه رسمي وقانوني ( دستوري ) وكل ما موجود
لدينا هو فقط الأمر الديواني المرقم ( 47 ) لعام 2014 م , ومضمونه أن
يوكل تنظيم حملة الحشد الشعبي , الى لجنة الحشد الشعبي ! وتمّ البناء
عليه ما لا يمكن تحمّله أو تصوره , حتى أصبح رغم كل تضحياته الكبرى (
كالنهر حمّله مجراه ما لا يطيق ! ) وواقع بين رئيس السلطة التنفيذيّة
الذي لا يرغب ( على ما يبدو ) أن يصبح له كيان قانوني ودستوري , بعدم
إنضاج أو تقديم مشروع قانون له , وبين السلطة التشريعيّة التي هي
الأخرى , لا ترغب أيضا ً بأن يكون للحشد الشعبي كيان قانوني ودستوري ,
من خلال تقديم مقترح قانون له .. لـمـاذا ؟.يـتـبـع ..