نجاح بيعي كتبت هذه
ــ أحياناً تتمكن قواتنا الأمنية , من ضبط سيارات مفخخة , أو عبوات
ناسفة , أو متفجرات مُعدة للتفجير , كان العدو الغاشم , قد زرعها
بأماكن متفرقة من مدننا الآمنة , وتقوم الجهات الأمنية المختصّة
بضبطها , وبالتخلص منها بـ ( تفجيرها ) عن بُعد , و بَعد أخذ تحوطات
الأمان , ويطلق عليها بـ ( تفجير تحت السيطرة ) أي مسيطرٌ عليه
!.
ــ عالم السياسة والسياسيين في العراق , يبدو أنه لا يخلو من هذه
الحالة !. فالأحزاب والكتل والتيارات السياسية , المتنافسة والمتصارعة
, والتي آلت على نفسها , ومنذ أن سارت بالعملية السياسية بعد سقوط
الصنم , إلا ّ ان تسير على غير ما يرسمه الدستور والقانون . فابتدعت
وأبدعت , وحرّفت وانحرفت , وفسدت وافسدت , وسرقت ونهبت , وسارت على
غير هدى البرامج الحزبية , المرفوعة عشيّة كل انتخابات , وعلى الضد من
تطلعات الشعب العراقي , وعلى الضد من توجيهات ونصائح المرجعيّة
الدينية العليا , حتى استشرى الفساد بكل مفصل من مفاصل الدولة ,
وقطّعوا الدولة قطعا ً قطعا ً بينهم , وتقاسموها كما يتقاسم الغزاة
الأشرار , الغنائم والأسلاب , بسُنّة شيطانيّة عادت بالويل والثبور
على جميع العراقيين , ألا وهي المحاصصة المقيتة , السخيفة , والأسخف
منها , من تعلّق بها وجعلها دينٌ يَدين به , فراح يُجمّل ويُحسّن
ويُزيّن , ويظهرها بمظهر جديد قديم في كل مرّة , فمرة محاصصة , ومرة
توافق , ومرة شراكة , ومرة مشاركة , فنسوا وتناسوا كل قسَم ٍ أقسموه ,
وكل مبدأٍ أقرّوه , وكل خُلق ٍ تعلموه , وتحولوا الى شِلة لصوص
محترفين , وقتلة مأجورين , وخطرين جدا ً , تربّعوا على رقبة هذا الشعب
المسكين المبتلى , فمن الطبيعي أن يعيث الأجنبي فسادا ً بيننا , يضاف
الى فسادهم , ومن الطبيعي أن تتدخل الدول الإقليمية وتسلب ُ الإرادة
الوطنية , ومن الطبيعي أيضا ً أن يكونوا كلهم , عونا ً لكل من يريد
شرا ً بالعراق وبأهله ,وما أشبه حالهم بحال الديّوث , مع شذّاذ الآفاق
( داعـش ) , حينما مهّدوا له بسكوتهم , ووطّنوه بين أظهرنا بفسادهم ,
وتمكّينه من تمزيق السلم الأهلي بجبنهم , اجتاح ثلث أراضي العراق على
حين غرّة من سكرتهم .
فإذا كان الدستور لا يُعمل به , والقانون غير مُفعّل وانتقائي ,
والدولة بمرافقها تحولت الى مرتعٌ لكل وحش ومتوحّش سياسي , وهو أبسط
وصف ممكن أن يوصف به السياسي العراقي اليوم , فمن الطبيعي ان نلحظ صفة
الأزمات تلو الأزمات , والمصائب تلو المصائب , من اقتصادية واجتماعية
وفكرية , وأمرّهنّ وأدهاهنّ وأدماهنّ السياسية .
فمنذ ثلاثة عشر سنة , تتجاذب العراق والعراقيين , أمواج التقاطعات
والأزمات السياسية المتلاطمة , للأحزاب والكتل والتيارات . فصفة
الصراع الدمويّ , والإقتتال الداخلي , والتصفيات , والتجاذبات
والتقاطعات , هي الغالبة على المشهد السياسي العراقي . ولم تهدا بمكان
حتى تنفتق بآخر , حتى وصلت داخل أخطر الأماكن ببغداد , كبوابات
المنطقة الخضراء , والبرلمان , وابواب الوزارات , والسفارات . ولم
نلحظها تنفرج بليلة من الليالي , حتى نراها تتعقّد وتتعسّر عند أول
خيط من ضياء فجر اليوم الثاني .
عالم أسود , أبطاله مردوا على الشقاق النفاق , وقد ضبطوا ادوارهم
التمثيليّة جيدا , فهم أبطال الأزمات والكربات دائما , حيث أسفرت
أفعالهم ومواقفهم , عن وجوههم القبيحة والقميئة , ولم يعد ينطلي على
الشعب , شعاراتهم الوطنيّة الجوفاء , ولا مواقفهم السياسية الخرقاء ,
ولا بطولاتهم الرعناء , ولا اقوالهم الحمقاء .
حتى بات مكشوفا ً ومفضوحا ً , كل تجاذباتهم وتقاطعاتهم وتهديداتهم
وعراكهم بعضهم لبعض , وخلقهموا الأزمات تلو الأزمات , تحت أي شعار
ومسمّى , بأعين كلّ العراقيين الشرفاء , إلا ّ كتفجيرات مسيطرٌ ومتفق
عليها مسبقا ً , بل ومُفتعلة . ورحم الله الشاعر : عبد الله بن المعتز
حين قال :
فكان ما كان مما لست اذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر!