عمرو بن العاص

2024/01/29

 

عمرو بن العاص

 

صحابي يبيع دينه بولايه مصر ومواردها

 

بحث في سته فصول

 

الفصل الاول - من هو عمرو بن العاص

الفصل الثاني - عمرو بن العاص ممن عادى رسول الله والامام علي

الفصل الثالث  - شجاعه عمرو بن العاص

الفصل الرابع  - دهاء عمرو بن العاص

الفصل الخامس - عمرو بن العاص باع دينه و اشتراه معاويه

الفصل السادس - اذا اختلف اللصوص ظهرت السرقه

 

 

الفصل الاول – من هو عمرو بن العاص

ابوه وامه

وأمه  هي النابغة: وانها كانت بغيا من طوايف مكة قدمت مكة ومعها بنات لها، فوقع عليها العاص بن وائل مع عدد من قريش منهم:

أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، في طهر واحد فولدت عمرا فاختصم القوم جميعا فيه كل يزعم أنه ابنه، ثم إنه أضرب عنه ثلاثة وأكب عليه اثنان: العاص بن وائل، وأبو سفيان بن حرب فقال أبو سفيان: أنا والله وضعته في حر أمه.

 فقال العاص: ليس هو كما تقول هو إبني فحكما أمه فيه فقالت: هو للعاص.

فقيل لها بعد ذلك: ما حملك على ما صنعت و أبو سفيان أشرف من العاص؟

 فقالت: إن العاص كان ينفق على بناتي، ولو ألحقته بأبي سفيان لم ينفق علي العاص شيئا وخفت الضيعة (1)

و كان ابن النابغة من عشرة و كان العاص جزارا، و لذلك قيل لعمرو:

إنه اختصم فيه من قريش أحرارها فغلب عليهم جزّارها

صحابي لعامين فقط

اسلم في صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، وقدم على النبي( صلی الله عليه وآله وسلم )هو وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة العبدري وأعلنوا إسلامهم. (2)

 

ايات بحق العاص

ونقل المفسرون أنَّ العاص بن وائل نزلت فيه عدة آيات، ومنها قوله تعالى:

1-( فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } [الحجر94]

وقوله { إنا كفيناك المستهزئين } المعنى كفيناك شرهم واستهزاءهم بأن أهلكناهم وكانوا خمسة نفر من قريش: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وابو زمعة والأسود بن عبد يغوث، والحرث بن عيطلة  وقد أهلكهم الله

 فقد كان العاص بن وائل  من كبار المستهزئين بالنبي الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم)

  2 - وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾،[الكوثر 3]

فإنَّ العاص وقف مع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) يُكلمه، فقال له جمع من صناديد قريش: مع من كنت واقفا ؟ فقال: مع ذلك الأبتر، فأنزل الله تعالى سورة الكوثر وسمى شانئ النبي  (صلی الله عليه وآله وسلم) العاص بن وائل

ويخبرنا الله بان العاص هو الابتر وهذا دليل على ان العاص ليس والدا لعمرو

عمرو بن العاص ملعون على لسان النبي

 1- لعن رسول الله  (صلى الله عليه واله ) عمرو بن العاص بقوله:

( اللهم إنّ عمرو بن العاص هجاني وهو يعلم أنّي لست بشاعر, فاهجه والعنه عدد ما هجاني) (3)

 2 -  روي عن سلمان الفارسي ( رحمة اللّه عليه) أنه قال يوما لمّا بايع الناس أبا بكر: لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها أبناء اللعناء

3 – قال تعالى :

فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) ( 12 )التوبه)

 قال رسول اللّه  (صلّى اللّه عليه و آله)

 (أئمة الكفر خمسة منهم معاوية و عمروبن العاص  )

 وقال علي عليه السّلام و هو يقاتل معاوية: (يا معشر المسلمين‌( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ‌ )هم هؤلاء و ربّ الكعبة و البيت الحرام واشار الى معاويه وعمرو بن العاص

 4 - و روي عن علي عليه السّلام أنه قال: ( رأيت النبي في منامي فجعلت أبكي و أقول:

 ( ما ذا لقيت من أمتك بعدك يا رسول اللّه؟ )

فقال: لا تبك و ارفع رأسك، فرفعت رأسي و إذا أنا بمعاوية و عمرو بن العاص معلقين يرضخ رأسهما بالحجارة، فجعلت آخذ الحجر العظيم فأرضخ به رأسهما

فقصّ هذه الرؤيا على الناس، و كان بينها و بين موته خمسة عشر يوما

5 -  قال ابن مسعود: خمسة من قريش ضالون مضلون فذكر منهم معاوية و عمروبن العاص (4)

معاويه وعمرو بن العاص لن يجتمعا على خير

دخل زيد بن أرقم على معاوية فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما فقال له: عمرو بن العاص: أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين؟ فقال زيد: إن رسول الله( صلى الله عليه و آله) غزا غزوة وأنتما معه فرءاكما مجتمعين فنظر إليكما نظرا شديدا ثم راءكما اليوم الثاني واليوم الثالث كل ذلك يديم النظر إليكما فقال في اليوم الثالث:

 (إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فإنهما لن يجتمعا على خير)

(5)

 الامام علي يقول ان معاويه وعمرو بن العاص ليسوا باهل دين

لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يوم صفين يدعون إلى حكم القرآن قال علي عليه السلام:

( عباد الله؟ أنا أحق من أجاب إلى كتاب الله ولكن معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وحبيب بن مسلمة، وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا، وصحبتهم رجالا، فكانوا شر أطفال، وشر رجال، إنها كلمة حق يراد بها الباطل، إنهم والله ما رفعوها، إنهم يعرفونها ولا يعملون بها، وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة (6)

بين الحسن(عليه السلام ) وعمرو بن العاص

تكلم عمرو بن العاص فحمد الله وصلى على رسوله ثم ذكر عليا عليه السلام فلم يترك شيئا يعيبه به إلا قاله، وقال: إنه شتم أبا بكر وكره خلافته وامتنع من بيعته ثم بايعه مكرها، وشرك في دم عمر، وقتل عثمان ظلما، وادعى من الخلافة ما ليس له: ثم ذكر الفتنة يعيره بها وأضاف إليه مساوي

وقال: إنكم يا بني عبد المطلب؟ لم يكن الله ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء واستحلالكم ما حرم الله من الدماء، وحرصكم على الملك، وإتيانكم ما لا يحل، ثم إنك يا حسن؟ تحدث نفسك إن الخلافة صائرة إليك، وليس عندك عقل ذلك ولا لبه، كيف ترى الله سبحانه، سلبك عقلك، وتركك أحمق قريش يسخر منك ويهزأ بك، وذلك لسوء عمل أبيك، وإنما دعوناك لنسبك وأباك، فأما أبوك فقد تفرد الله به وكفانا أمره، وأما أنت فإنك في أيدينا نختار فيك الخصال، ولو قتلناك ما كان علينا إثم من الله، ولا عيب من الناس، فهل تستطيع أن ترد علينا وتكذبنا؟ فإن كنت ترى أنا كذبنا في شئ فاردده علينا فيما قلنا، وإلا فاعلم أنك وأباك ظالمان

فتكلم الحسن بن علي عليهما السلام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله

(إلى أن قال لعمرو):

وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع المشاهد، وهجوته وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة، ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة، فلما أخطأك ما رجوت، ورجعك الله خائبا، وأكذبك واشيا، جعلت حسدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما ارتكب من حليلته ففضحك الله وفضح صاحبك، فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام، ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون: أنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله: أللهم؟ إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، أللهم العنه بكل حرف ألف لعنة. فعليك إذن من الله ما لا يحصى من اللعن

وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت: أنا أبو عبد الله إذا نكأت (أي: قشرت) قرحة أدميتها. ثم حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا، ولا غضبت له مقتولا، ويحك يا بن العاص؟ ألست القائل؟

في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي

 

تقول ابنتي:

 أين هذا الرحيل؟ * وما السير مني بمستنكر

فقلت: ذريني فإني امرؤ * أريد النجاشي في جعفر

لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصعر

وشانئ أحمد من بنيهم * وأقولهم فيه بالمنكر

وأجري إلى عتبة جاهدا * ولو كان كالذهب الأحمر

ولا أنثني عن بني هاشم * وما اسطعت في الغيب والمحضر

فإن قبل العتب مني له * وإلا لويت له مشفري (7)

 

 

الفصل الثاني عمرو بن العاص ممن عادى رسول الله والامام علي

 

عمرو بن العاص يعادي رسول الله

أمّا عمرو (ابن‌ العاص‌) نفسه‌ فقد كان‌ أحد من‌ يؤذي‌ رسول‌ الله‌ بمكّة‌، و يشتمه‌ و يضع‌ في‌ طريقه‌ الحجارة‌، لانـّه‌ كان‌ يخرج‌ من‌ منزله‌ ليلاً فيطوف‌ بالكعبة‌، و كان‌ عمرو يجعل‌ له‌ الحجارة‌ في‌ مسلكه‌ ليعثر بها. وهو أحد القوم‌ الذين‌ خرجوا إلی زينب‌ ابنة‌ رسول‌ الله‌ لمّا خرجت‌ مهاجرة‌ من‌ مكّة‌ إلی المدينة‌، فرّوعوها و قرعوا هودجها بكعوب‌ الرماح‌، حتّي‌ أجهضت‌ جنيناً ميّتاً من‌ أبي‌ العاص‌ بن‌ الربيع‌ بعلها. فلمّا بلغ‌ ذلك‌ رسول‌الله‌، نال‌ منه‌ و شقّ عليه‌ مشقّة‌ شديدة‌ و لعنهم‌

 و كان‌ عمرو يعلّم‌ صبيان‌ مكّة‌ شعراً في‌ هجاء النبيّ، فينشدونه‌ ويصيحون‌ برسول‌ الله‌ إذا مرّبهم‌. وكان‌ نفسه‌ يهجو رسول‌ الله‌. فقال‌ رسول‌الله‌:

 و هو يصلّي‌ بحجر إسماعيل‌: اللَهُمَّ إنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ هَجَانِي‌ وَ لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَالْعَنْهُ بِعَدَدِ مَا   هجاني (8) ‌

 (قال‌ سليم‌ بن‌ قيس‌: قال‌ أميرالمؤمنين‌: أنشد عمرو قصيدة‌ في‌ سبعين‌ بيتاً في‌ هجاء رسول‌ الله‌، فقال‌ رسول‌ الله‌: اللهمّ العنه‌ بكلّ بيت‌ لعنة‌)

 و روي‌ أهل‌ الحديث‌ أنّ النضر بن‌ الحارث‌، و عُقبة‌ بن‌ أبي‌ مُعَيْط‌ وعمرو بن‌ العاص‌ عهدوا إلی سلا جمل فرفعوه‌ بينهم‌، و وضعوه‌ علی رأس‌ رسول‌ الله‌ و هو ساجد بفناء الكعبة‌، فسال‌ عليه‌، فصبر و لم‌ يرفع‌ رأسه‌ وبكي‌ في‌ سجوده‌ و دعا عليهم‌. فجاءت‌ ابنته‌ فاطمة‌ (عليها السلام‌) وهي‌ باكية‌، فاحتضنت‌ ذلك‌ السَّلا فرفعته‌ عنه‌ فألقته‌ و قامت‌ علی رأسه‌ تبكي‌ فرفع‌ رأسه‌ و قال‌ ثلاثاً:

 (اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيشٍ.)

ثُمّ قال‌ رافعاً صوته‌: (إِنِّي‌ مَظْلُومٌ فَانْتَصِرْ). ثمّ قام‌ فدخل‌ منزله‌، و ذلك‌ بعد وفاة‌ عمّه‌ أبي‌ طالب‌ بشهرين‌. و لشدّة‌ عداوة‌ عمرو بن‌ العاص‌ لرسول‌ الله‌، أرسله‌ أهل‌ مكّة‌ إلی النجاشيّ ليزهِّده‌ في‌ الدين‌، و ليطرد عن‌ بلاده‌ مهاجرة‌ الحبشة‌، و ليقتل‌ جعفر بن‌ أبي‌ طالب‌ عنده‌

روي أن عبادة بن الصامت يوما جلس بين معاوية وعمرو، وقال لهما: كنا نسير مع رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم في غزاة تبوك، إذ نظر إليكما تسيران وأنتما تتحدّثان، فالتفت إلينا، فقال:

 إذا رأيتموهما اجتمعا ففرّقوا بينهما؛ فإنما لا يجتمعان على خير أبدا.

  من كتاب الامام علي عليه السلام الى عمرو بن العاص :

  وكتب الإمام علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص: من عبد الله على أمير المؤمنين إلى الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل، شانئ محمد وآل محمد في الجاهلية والإسلام، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد ...

 فإن يُمكّن الله منك ومن ابن آكله الأكباد، ألحقتكما بمن قتله الله من ظلمة قريش على عهد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، وإن تعجزا وتبقيا بعد، فالله حسبكما، وكفى بانتقامه انتقاما، وبعقابه عقابا، والسلام.

وروى الطبري:

إنَّ عليا عليه السلام كان إذا صلى الغداة يقنت، فيقول: اللَّهُمَّ العن معاوية، وعمرا، وأبا الأعور السلمي، وحبيبا، وعبد الرحمن بن خالد، والضحاك بن قيس، والوليد.

الإمام الحسن عليه السلام وعمرو بن العاص :

قال الإمام الحسن عليه السلام بمحضر من معاوية وجمع آخر:

(وأما أنت يابن العاص، فإن أمرك مشترك، وضعتك أمك مجهولا، من عهر وسفاح، فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزارها، الامهم حسبا، وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوك، فقال: أنا شانئ محمد الأبتر، فأنزل الله فيه ما أنزل، وقاتلت رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم في جيع المشاهد، وهجوته وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة.

 ومن كتاب عبد الله بن عباس الى عمرو بن العاص:

كتب ابن عباس إلى عمرو:

 أما بعد فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياء منك، إنه مال بك معاوية إلى الهوى، وبعته دينك بالثمن اليسير، ثم خبطت بالناس في عشوة طمعا في الملك ...

حسان بن ثابت يهجو عمرو بن العاص:

قال حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاه مكافئا له عن هجاء رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم

أبوك أبو سفيان لا شك قد بـــــــدت‏         لنا فيك منه بينات الــــــــــــــــدلائل

ففاخر به إما فخرت ولا تكــــــــــــــــن‏            تفاخر بالعاص الهجين بن وائل

وإن التي في ذاك يا عمرو حكمت‏          فقالت رجـــــــــــــاء عند ذاك لنائل

من العاص عمرو تخبر الناس كلما‏         تجمعت الأقوام عند المحــــافل

الشیخ أبو القاسم البلخي يقول ان معاويه وعمرو بن العاص ملحدان:

 إنَّ قول عمرو لمعاوية: (دعني عنك) - في حوار دار بينهما - كناية عن الإلحاد، بل تصريح به، أي دع هذا الكلام لا أصل له، فإن إعتقاد الآخرة أنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات ... وما زال عمرو بن العاص ملحدا، ما تردد قط في الإلحاد والزندقة، وكان معاوية مثله، ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي، وأن معاوية عض أذن عمرو، أين هذا من سيرة عمرو؟ وأين هذا من أخلاق علي عليه السلام، وشدته في ذات الله، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة.

عمرو بن العاص من الاثنا عشر الذين حاولوا قتل رسول الله ليله العقبه

و عن حذيفة اليماني أنه قال:

 كنت أقود برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عمار يسوق به ليلة العقبة، إذ أقبل إلينا اثنا عشر راكبا و قد علون العقبة ما يرى منهم إلّا الحدق لينفروا برسول اللّه، فجعلت أضرب وجوههم عنه فقال:

 (دعهم فسيكفيكهم اللّه) ثم دعا بهم و سمّاهم رجلا رجلا، و قال:

 (هؤلاء المنافقون في الدنيا و الآخرة)

قال: و كان فيهم أبو سفيان و معاوية و عتبة و عمرو بن العاص و أبو الأعور السلمي و المغيرة بن شعبة و جماعة من بني أمية (9)

 

عمرو بن العاص من الرافضين لامامه وخلافه علي والموقعين على الصحيفه الملعونه

( أصحاب الصحيفه الملعونه)

يقول سليم بن قيس في كتابه ص 154تحقيق محمد باقر الانصاري

ولما رجع المسلمون  من حجه الوداع ودخلوا المدينه  إجتمع قسم من قاده قريش  ونكثوا بيعه علي وتحالفوا وتعاقدوا على أن لايطيعوا رسول الله (صلى الله عليه واله ) فيما عرض عليهم من ولايه علي بن ابي طالب  بعده وكتبوا صحيفه بينهم وكان أول ما فى الصحيفه النكث لولايه على بن ابى طالب عليه السلام و إن الامر الى ابى بكر و عمر و أبى عبيده و سالم مولى حذيفه ومعاذ بن جبل و هذا هو السر في قول عمر قبل وفاته لو كان أبو عبيده حيا لاستخلفته... لو كان سالم حيا لاستخلفته .

و شهد بذلك أربعه عشر رجلا أصحاب العقبه و عشرون رجلا آخر، و إستودعوا الصحيفه أبا عبيده بن الجراح و جعلوه أمينهم عليها   

وهم :

1- أبوبكربن أبي قحافه

2- عمر بن الخطاب

3-عثمان بن عفان

4- طلحة بن عبيد الله

5- عبد الرحمن بن عوف

6 - سعد بن أبي وقاص

7- أبوعبيدة بن الجراح

8- معاوية بن أبي سفيان

9- عمرو بن العاص

10- أبوموسى الأشعري

11- المغيرة بن شعبة الثقفي

12- أوس بن الحدثان البصري

13- أبوهريرة

14- أبوطلحة الأنصاري

15- سعيد بن العاص الأموي

16- أسامة بن زيد

17- الوليد بن أبي ربيعة

18- سعيد بن زيد بن نفيل

19- أبوسفيان بن حرب

20- سفيان بن أمية

21- أبوحذيفة بن عتبة

22  - معاذ بن جبل

23- بشير بن أبي سعيد الأنصاري

24- سهل بن عمر

25- حكيم بن حزام الأسدي

26- صهيب بن سنان الرومي

27- العباس بن مرداس السلمي

28- أبومطيع بن أسد العبدي

29- قعد ابن عمر

30- سالم مولى أبي حذيفة

31- سعيد بن مالك

32- خالد بن عرفطة

33- مروان بن الحكم

34- الأشعث بن قيس

قال حذيفه: حدثتنى أسماء بنت عميس الخثعيمه إمراه أبى بكر: إن القوم إجتمعوا فى منزل أبى بكر فتامروا فى ذلك، و أسماء تسمعهم و تسمع جميع ما يدبرونه فى ذلك حتى إجتمع رأيهم على ذلك، فأمروا سعيد بن العاص الاموى فكتب الصحيفه باتفاق منهم

ثم دفعت الصحيفه الى أبى عبيده بن الجراح ليتوجه بها الى مكه

ثم إنصرفوا و صلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بالناس صلاه الفجر، ثم جلس فى مجلسه يذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس فالتفت الى أبى عبيده بن الجراج فقال له:

 بخ بخ من مثلك و قد أصبحت امين هذه الامه، ثم تلا:

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقره: 79.]

لقد أشبه هولاء رجال فى هذه الامه ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) [النساء: 108.]

ثم قال: لقد أصبح فى هذه الامه فى يومى هذا قوم ضاهوهم فى صحيفتهم التى كتبوها علينا فى الجاهليه و علقوها فى الكعبه، و إن الله تعالى يمتعهم ليبتليهم و يبتلى من ياتى بعدهم تفرقه بين الخبيث و الطيب و لولا إنه سبحانه أمرنى بالاعراض عنهم للامر الذى هو بالغه لقدمتهم فضربت اعناقهم

 

الفصل الثالث  - شجاعه عمرو بن العاص

 

يروي ابن كثير في كتابه البداية والنهاية الجزء السابع الصفحة 264

أن علياً حمل على عمرو بن العاص يوماً فضربه بالرمح ، فألقاه إلى الأرض فبدت سوءته فرجع علي عنه ، فقال له أصحابه : مالك يا أمير المؤمنين رجعت عنه ؟ ، فقال : أتدرون من هو ؟ ، قالوا : لا ، قال : هو عمرو بن العاص ، وإنه تلقاني بسوءته فذكرني بالرحم فرجعت عنه ، فلما رجع عمرو إلى معاوية قال له : إحمد الله ، واحمد أستك."

لم نعهد لابن النابغة موقفا مشهودا في المغازي والحروب سواء في العهد الجاهلي، ودور النبوة، وأما وقعة صفين فلم يؤثر عنه سوى مخازي كشف سؤأته امام امير المؤمنين  

 وقد بقي عليه عار ذلك  مدى الحقب والأعوام، وجرى بها المثل وغنى بها أهل الحجاز

 

وجاء في شعر عتبة بن أبي سفيان

سوى عمرو وقته خصيتاه * نجى ولقلبه منه وجيب

 

وفي شعر معاوية بن أبي سفيان يذكر عمرا وموقفه

فقد لاقى أبا حسن عليا * فآب الوائلي مآب خازي

فلو لم يبد عورته للاقى * به ليثا يذلل كل غازي

 

وفي شعر الأمير أبي فراس

ولا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوئته عمرو

 

وفي شعر الزاهي البغدادي

وصد عن عمرو بسر كرما * إذ لقيا بالسوأتين من شخص

 

وقال عبد الباقي الفاروقي العمري

وليلة الهرير قد تكشفت * عن سوءة ابن العاص لما غلبا

فحاد عنه مغضبا حيدرة * وعف والعفو شعار النجبا

ولو يشأ ركب فيه زجة * تركيب مزجي كمعدي كربا

 

 وقال في ذلك الحارث بن نضر السهمي

 

أفي كل يوم فارس تندبونه * له عورة تحت العجاجة باديه

يكف بها عن علي سنانه * ويضحك منها في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو وابن أرطاة أبصرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما * هما كانتا للنفس والله واقيه

فلولاهما لم تنجوا من سنانه * وتلك بما فيها عن العود ناهيه

متى تلقيا الخيل المشيجة صيحة * وفيها علي فاتركا الخيل ناحيه

وكونا بعيدا حيث لا تبلغ القنا * ونار الوغى إن التجارب كافيه

وإن كان منه بعد في النفس حاجة * فعودوا إلى ما شئتما هي ماهيه (10)

 

طلحه بن ابي طلحه كشف عورته امام الامام علي عندما علم انه مقتول

ينبأنا التاريخ أن عمرو ليس بأول رجل كشف عن سوءته من بأس أمير المؤمنين وإنما قلد طلحة بن أبي طلحة فإنه لما حمل عليه أمير المؤمنين يوم أحد ورأى أنه مقتول لا محالة، فاستقبله بعورته وكشف عنها.

بسر بن ارطاه يكشف عن عورته امام الامام علي عندما علم انه مقتول

ذكره الحلبي في سيرته 2 ص 247 ثم قال: وقع لسيدنا علي كرم الله وجهه مثل ذلك في يوم صفين مرتين:

 الأولى: حمل على بسر بن أرطاة.

 الثانيه مع عمروبن العاص

 

 

يقول العلامة محمد بن عبد الملك بن سعيد الأندلسي في ج1 ص52 (المغرب في حلى المغرب)

إن عليا رضي الله عنه نادى معاوية في بعض أيام صفين:

 يا معاوية لم يقتل الناس بيننا، هلم أحاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور. فقال له عمرو:

 أنصفك الرجل. فقال له معاوية: ما أنصف وإنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله. فقال عمرو: ما يجمل بك أن تبارزه، قال: طمعت فيها بعدي

ولما أعاد عمرو على معاوية إشارته عليه بالمبارزة لعلي حلف معاوية ليبارزه عمرو، فخرج عمرو لمبارزة علي، فلما نظر إلى المنية قد أطلت عليه من سنانه كشف عورته، وقال:

عورة المؤمن حمى، فرد علي عنه بصره وسلم عمرو بهذه المكيدة، وإلى ذلك أشار أبو فراس الحمداني في قوله

 

وقال أصيحابي الفرار أو الردى * فقلت هما أمران أحلاهما مر

ولكنني أمضي لما لا يعينني * وحبسك من أمرين خيرهما الأسر

 ولا خير في رفع الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوءته عمرو

 

 يريد عمرو بن العاص لما ضربه علي رضي الله عنه يوم صفين، فاتقاه بسوءته كاشفا عنها، فأعرض وقال: عورة المرء حمى

وقد وقع ذلك لبسر بن أرطاة أيضا مع علي رضي الله عنه كما وقع لعمرو وكان مع معاوية بصفين أيضا فأمره أن يلقى عليا وقال له:

 سمعتك تتمنى لقاءه فلو ظفرك الله به حصلت على دنيا وأخرى ولم يزل يشجعه ويمنيه حتى رآه، فقصده في الحرب والتقيا، فصرعه علي، فكشف عن سوءته فتركه، وفي ذلك يقول الحرث بن النضر السهمي وكان عدوا لعمرو وبسر ابياتا مر ذكرها

احمد الله واحمد استك

كذلك يروي المسعودي في مروج الذهب – الجزء : ( 2 ) – رقم الصفحة : ( 25 )

إن معاوية أقسم على عمرو لما أشار عليه بالبراز إلى أن يبرز إلى علي فلم يجد عمرو من ذلك بداً فبرز ، فلما التقيا عرفه علي وشال السيف ليضربه به فكشف عمرو عن عورته ، وقال :

مكره أخوك لأبطل ، فحول علي وجهه وقال : قبحت ، ورجع عمرو إلى مصافه.

 

الفصل الرابع – دهاء عمرو بن العاص

 

وفي البدايه لنتعرف على معنى الدهاء الذي تتغنى به قريش

تعريف و معنى الدهاء في معجم المعاني الجامع

رجل ذُو دَهاءٍ : تعني رجل ذو مَكْرٍ واحْتِيالٍ

ولنتعرف على الدهاء  الخسيس لعمرو بن العاص 

 اولا – دهاء عمرو بن العاص قبل الاسلام

اما في شبابه فقد غدر بصاحبه عمارة ابن الوليد وهما في طريقهما الى الحبشة لاعادة جعفر ابن ابي طالب ومن هاجر معه من المسلمين الى هناك فأما خبر عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي أخي خالد بن الوليد مع عمرو بن العاص فقد ذكره ابن إسحاق في كتاب المغازي قال كان عمارة بن الوليد بن المغيرة و عمرو بن العاص بن وائل بعد مبعث رسول الله(ص) خرجا إلى أرض الحبشة على شركهما و كلاهما كان شاعرا عارما فاتكا . و كان عمارة بن الوليد رجلا جميلا وسيما تهواه النساء صاحب محادثة لهن فركبا البحر و مع عمرو بن العاص امرأته حتى إذا صاروا في البحر ليالي أصابا من خمر معهما فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو بن العاص قبليني فقال لها عمرو قبلي ابن عمك فقبلته فهويها عمارة و جعل يراودها عن نفسها فامتنعت منه ثم إن عمرا جلس على منجاف السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر فلما وقع عمرو سبح حتى أخذ بمنجاف السفينة فقال له عمارة أما و الله لو علمت أنك سابح ما طرحتك و لكنني كنت أظن أنك لا تحسن السباحة فضغن عمرو عليه في نفسه و علم أنه كان أراد قتله و مضيا على وجههما ذلك حتى قدما أرض الحبشة فلما نزلاها كتب عمرو إلى أبيه العاص بن وائل أن اخلعني و تبرأ من جريرتي إلى بني المغيرة و سائر بني مخزوم و خشي على أبيه أن يتبع بجريرته فلما قدم الكتاب على العاص بن وائل مشى إلى رجال بني المغيرة و بني مخزوم فقال إن هذين الرجلين قد خرجا حيث علمتم و كلاهما فاتك صاحب شر غير مأمونين على أنفسهما و لا أدري ما يكون منهما و إني أبرأ إليكم من عمرو و جريرته فقد خلعته فقال عند ذلك بنو المغيرة و بنو مخزوم و أنت تخاف عمرا على عمارة و نحن فقد خلعنا عمارة و تبرأنا إليك من جريرته فحل بين الرجلين قال قد فعلت فخلعوهما و برئ كل قوم من صاحبهم و ما يجري منه .

قال فلما اطمأنا بأرض الحبشة لم يلبث عمارة بن الوليد أن دب لامرأة النجاشي و كان جميلا صبيحا وسيما فأدخلته فاختلف إليها و جعل إذا رجع من مدخله ذلك يخبر عمرا بما كان من أمره فيقول عمرو لا أصدقك أنك قدرت على هذا إن شأن هذه المرأة أرفع من ذلك فلما أكثر عليه عمارة بما كان يخبره و كان عمرو قد علم صدقه و عرف أنه دخل عليها و رأى من حاله و هيئته و ما تصنع المرأة به إذا كان معها و بيتوتته عندها حتى يأتي إليه مع السحر ما عرف به ذلك و كانا في منزل واحد و لكنه كان يريد أن يأتيه بشي‏ء لا يستطاع دفعه إن هو رفع شأنه إلى النجاشي فقال له في بعض ما يتذاكران من أمرها إن كنت صادقا فقل لها فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره فإني أعرفه و ائتني بشي‏ء منه حتى أصدقك قال أفعل .

 فجاء في بعض ما يدخل إليها فسألها ذلك فدهنته منه و أعطته شيئا في قارورة فلما شمه عمرو عرفه فقال أشهد أنك قد صدقت لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد من العرب مثله قط و نلت من امرأة الملك شيئا ما سمعنا بمثل هذا و كانوا أهل جاهلية و شبانا و ذلك في أنفسهم فضل لمن أصابه و قدر عليه .

 ثم سكت عنه حتى اطمأن و دخل على النجاشي فقال أيها الملك إن معي سفيها من سفهاء قريش و قد خشيت أن يعرني عندك أمره و أردت أن أعلمك بشأنه و ألا أرفع ذلك إليك حتى استثبت أنه قد دخل على بعض نسائك فأكثر و هذا دهنك قد أعطته و ادهن به . فلما شم النجاشي الدهن قال صدقت هذا دهني الذي لا يكون إلا عند نسائي فلما أثبت أمره دعا بعمارة و دعا نسوة أخر فجردوه من ثيابه ثم أمرهن أن ينفخن في إحليله ثم خلى سبيله . فخرج هاربا في الوحش فلم يزل في أرض الحبشة

 

 ثانيا - مكيده رفع المصاحف

يقول الشيخ باقر شريف القرشي

وأعتقد أنّ هذه المكيدة القاصمة لم تكن وليدة المصادفة أو المفاجأة، فقد حيكت أصولها قبل هذا الوقت، فقد كان ابن العاص الماكر الخبيث وزير معاوية، على اتّصالٍ دائمٍ ببعض القادة في الجيش العراقي، كان من بينهم الخبيث العميل الأشعث بن قيس، مع جماعة من قادة الجيش العراقي، وجرت بينهم وبين ابن العاص اتّصالات سرّية أحيطت بكثيرٍ من الكتمان بتدبير مؤامرة انقلابية في جيش الإمام، وذهب إلى هذا الرأي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، قائلاً:

«فما أستبعد أن يكون الأشعث بن قيس، وهو ماكر أهل العراق وداهيتهم، قد اتّصل بعمرو بن العاص، ماكر أهل الشام وداهيتهم، ودبّرا هذا الأمر بينهم تدبيراً، ودبّرا أن يقاتلوا القوم، فإن ظهر أهل الشام فذاك، وإن خافوا الهزيمة أو أشرفوا عليها، رفعوا المصاحف، فأوقعوا الفرقة بين أصحاب عليّ، وجعلوا بأسهم بينهم شديداً

وعلى أيّ حال، فقد بدت الهزيمة المنكرة في جيش معاوية، وانهارت جميع قواه العسكرية، ففزع إلى ابن العاص، وقال له بذعر وخوف: إنّما هي الليلة حتى يغدو علينا بالفصيل، فما ترى؟ وأشار عليه ابن العاص قائلاً:

إنّ رجالك لا يقومون لرجاله، ولست مثله، هو يقاتلك على أمر، وأنت تقاتله على أمر آخر، أنت تريد البقاء، وهو يريد الفناء، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، وأهل الشّام لا يخافون عليّاً إن ظفر بهم، ولكن ألق إليهم أمراً إن قبلوه اختلفوا، وإن ردّوه اختلفوا، ادعهم إلى كتاب الله حكماً فيما بينك وبينهم، فأنت بالغٌ به حاجتك في القوم، فإنّي لم أزل أؤخّر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه.

واستطاب معاوية رأي ابن العاص، وعرف صدق نصيحته، فمعاوية يقاتل الإمام من أجل الملك والسلطان، والإمام يقاتله من أجل الإسلام وإقامة حكم الله في الأرض.

وعلى أيّ حال، فقد أوعز معاوية برفع المصاحف أمام الجيش العراقي، فرفعت زهاء خمسمائة مصحف، وتعالت أصوات أهل الشام بلهجة واحدة

يا أهل العراق! هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم؟ ومن للترك؟ ومن للكفّار؟

وكانت هذه الهتافات التي تعالت من أهل الشام كالصاعقة على رؤوس الجيش العراقي، فقد انقلب رأساً على عقب، فخلع طاعة الإمام، ومني بانقلاب مدمّر، وراح الإمام الممتحن يحذِّر جيشه من هذه الدعاوى المضلّلة، ويفنّد مزاعم معاوية

يا لسوء الأقدار! يا للأسف! يا للمصيبة العظمى! لقد أحاطت تلك الوحوش الكاسرة والبهائم المخدوعة بالإمام المظلوم الممتحن، وكان عددهم زهاء عشرين ألفاً، وهم مقنَّعون بالحديد، شاكّون بالسلاح، قد اسودّت وجوههم من السجود، يتقدّمهم مسعر بن فدكيّ، وزيد بن حصين، وعصابة من القرّاء، فنادوا الإمام باسمه لا بإمرة المؤمنين، قائلين: يا عليّ، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم... فردّ عليهم الإمام قائلاً، والأسى ملء فؤاده:

 «ويحكم، أنا أوّل من دعا إلى كتاب الله، وأوّل من أجاب إليه، وليس يحلّ لي ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله، إنّي إنّما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن، فإنّهم قد عصوا الله فيما أمرهم، ونقضوا عهده، ونبذوا كتابه، ولكنّي قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم، وأنّهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون

لقد نصحهم الإمام ودلّهم على زيف هذه الحيلة، وإنّما لجأوا إليها لفشلهم في العمليات العسكرية، وأنّهم لم يقصدوا بها إلاّ خداعهم... ومن المؤسف أنَّ تلك الوحوش لم تعِ منطق الإمام، وانخدعوا بهذه المكيدة، وراحوا في غيّهم يعمهون، وقد جلبوا لأنفسهم ولأمّتهم الدمار والهلاك، فاندفعوا كالموج صوب الإمام بأصوات عالية قائلين:

 أجب القوم... أجب القوم وإلاّ قتلناك... وفي طليعة هؤلاء، المنافق الخبيث الأشعث بن قيس، الذي كان على اتّصال وثيق بابن العاص، فقد تسلّح بهؤلاء المتمرّدين، وهو ينادي بقبول التحكيم، والاستجابة لدعوة أهل الشام

ولم يجد الإمام بدّاً من إجابتهم، فأصدر أوامره بإيقاف عمليات الحرب، وقد ذاب قلبه الشريف ألماً وحزناً، فقد أيقن بزوال دولة الحقّ، وانتصار دولة الظلم والبغي، وأنّ دماء جيشه التي سفكت في سبيل الله قد ضاعت وذهبت سدى.

 ثالثا - مكيده التحكيم

ذكر الطبري وثيقة التحكيم بالنحو التالي

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان

 قاضى عليّ على أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين،

وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين،

 إنا ننزل عند حكم اللّٰه و كتابه، ولا يجمع بيننا غيره وأن كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله عز وجل وهما أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص القرشي عملاً به، وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة

 

وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس أنّهما آمنان على أنفسهما وأهلهما والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه أنا على ما في هذه الصحيفة، وأن قد وجبت قضيتهما على المؤمنين، فان الأمن والاستقامة ووضع السلاح بينهم أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وشاهدهم وغائبهم وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة، ولا يرداها في حرب ولا فرقة حتى يعصيا وأجل القضاء إلى رمضان، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما، وإن توفي أحد الحكمين فان أمير الشيعة يختار مكانه، ولا يألو من أهل المعدلة والقسط، وإنّ مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الكوفة وأهل الشام، وإن رضيا، وأحبا فلا يحضرهما فيه إلاّ من أرادا، و يأخذ الحكمان من أرادا من الشهود، ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة. وهم أنصار على من ترك ما في هذه الصحيفة، وأراد فيه إلحاداً وظلماً. اللهم‏ إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة. (11)

 

الإجراءات والمشورة التي قدمها الإمام علي عليه السلام

من الأمور الاحترازية التي قام بها أمير المؤمنين عليه السلام إنّه عندما أرسل أبا موسى الاشعري للتحكيم أرسل معه أربعمائة من فرسانه، وعليهم ابن عباس للصلاة، وشريح بن هاني أميراً، مع إرشاد أبي موسى إلى حقيقة معاوية وخبثه ومكره وتقديم مجموعة من الارشادات والنصائح التي يحتاج إليها في عملية التحكيم.

 

نتيجة حكم أبي موسى الأشعري

بعد حوار ونقاش طويل قال عمرو لأبي موسى الأشعري أخبرني: ما رأيك يا أبا موسى؟ قال: أرى أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل الأمر شورى بين المسلمين يختارون من شاؤوا. فقال عمرو: الرأي ـ والله ـ ما رأيت

فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون، فتكلم أبو موسى، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به شأن هذه الأمة. فقال عمرو: صدق. ثم قال له: تقدّم يا أبا موسى، فتكلم. فقام ليتكلم، فدعاه ابن عباس، فقال له: ويحك! والله إنّي لأظنه خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر، فقدمه قبلك ليتكلم به، ثم تكلم أنت بعده؛ فإنه رجل غدار، ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه، فإذا قمت به في الناس خالفك وكان أبو موسى رجلاً مغفلاً فقال: إيها عنك إنا قد اتفقنا

 

فتقدم أبو موسى فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنّا قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرها ولَمّ شعثها من ألاّ تتباين أمورها، وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي عليه السلام ومعاوية، وأن يستقبل هذا الأمر، فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا، وإني قد خلعت عليّاً ومعاوية (12 )

فاستقبلوا أموركم وولوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلا ثم تنحى.

 فقام عمرو بن العاص في مقامه، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إنّ هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة؛ فإنّه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه. فقال له أبو موسى ما لك لا وفقك الله ـ قد غدرت، و فجرت:

(واِنَّما مَثَلُك مَثَلُ الكَلبِ إن تَحمِل عَليهِ يلهَث أو تَترُكهُ يلهَث)

،فقال له عمرو: (اِنَّما مَثَلُكَ مَثَلُ الحِمارِ يحمِل اَسفاراً).

 

والتمس أصحاب علي عليه السلام أبا موسى، فركب ناقته، ولحق بمكة، وكان ابن عباس يقول:

قبح الله أبا موسى لقد حذّرته، وهديته إلى الرأي فما عقل. وكان أبو موسى يقول:

 لقد حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق، ولكني اطمأننت إليه، وظننت أنّه لا يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة.  (13)

ولنعد الى تعريف الدهاء في معجم المعاني الجامع

 (رجل ذُو دَهاءٍ : تعني رجل ذو مَكْرٍ واحْتِيالٍ )

وان دهاء عمرو بن العاص لهو مكر واحتيال  فرفع المصاحف على الرماح والعمل بما يخالف القران خسه

والاتفاق مع ابو موسى على شئ ومخالفته بنفس الجلسه خسه ودناءه  ياباها الله ورسوله وكتابه الكريم لا بل تأباها شهامه وشرف كل انسان شريف

يالها من جريمه وخديعه مزقت الاسلام والمسلمين ولازلنا ندفع ثمنها الى يومنا هذا

 

 

الفصل الخامس – عمرو بن العاص يبيع دينه ومعاويه يشتري

 

و عندما وصل‌ كتاب‌ معاويه إلی عمرو بن‌ العاص‌ ذهب‌ به‌ مذاهب‌ شتّي‌، وفكّرماذا يفعل‌، فاستشار ابنيه‌: عبدالله‌ ومحمّد،

 فنهاه‌ عبدالله‌ عن‌ الرحيل‌ نحو معاوية‌ قائلاً له‌:

 لستَ مجعولاً خليفة‌، ولاتزيد علی أن‌ تكون‌ حاشية‌ لمعاوية‌ علی دنيا قليلة‌ أوشكتما أن‌ تهلكا، فتستويا في‌ عقابها.

أمّا محمّد فقد قال‌ له‌: أري‌ أنـّك‌ شيخ‌ قريش‌، وصاحب‌ أمرها و إن‌ تصرّم‌ هذا الامر و أنت‌ غافل‌، تصاغر أمرك‌، فالحق‌ بجماعة‌ أهل‌ الشام‌، طالباً بدم‌ عثمان‌، فإنـّه‌ سيقوم‌ بذلك‌ بنو أُميّة‌. فقال‌ عمرو، أمّا أنت‌ يا عبدالله‌، فأمرتني‌ بما هو خير لي‌ في‌ ديني‌، و أنت‌ يا محمّد فأمرتني‌ بما هو خير لي‌ في‌ دنياي‌، و أنا ناظر،

فلمّا جنّه‌ اللّيل‌، رفع‌ صوته‌ و أهله‌ يسمعون‌، فقال‌

 تَطَاوَلَ لَيْلِي‌ بِالْهُمُومِ الطَّوارِقِ                وَ خَوْفِ الَّتِي‌ تَجْلُو وُجُوهَ العَوَاتِقِ

 وَ إِنَّ ابْنَ هِنْدٍ سَاَلَني‌ أَنْ أَزورَهُ               وَ تِلْكَ الَّتِي‌ فِيهَا بَنَاتُ الْبَوائِقِ

 أَتَاهُ جَريرٌ مِنْ علی بِخُطَّةٍ                        أَمَّرتْ عَلَيْهِ الْعَيْشَ ذَاتَ مَضَائِقِ

 فَإنْ نَالَ مِنِّي‌ مَا يُؤَمِّلُ رَدَّهُ                      وَ إنْ لَمْ يَنَلْهُ ذلَّ ذُلَّ الْمُطَابِقِ

 فَوَاللَهِ مَا أَدْرِي‌ وَ مَا كُنْتُ هَكَذَا               أَكُونُ وَ مَهْمَا قَادَنِي‌ فَهْوَ سَابِقِي‌

 أُخادِعُهُ إنَّ الْخِدَاعَ دَنِيَّةٌ                   أَمْ أُعْطِيهِ مِنْ نَفْسِي‌ نَصِيحَةَ وَ امِقِ

 أَمْ أَقْعُدُ فِي‌ بَيْتِي‌ وَ فِي‌ ذَاكَ رَاحَةٌ             لِشَيْخٍ يَخَافُ الْمَوْتَ فِي‌ كُلِّ شَارِقِ

 وَ قَدْ قَالَ عَبْدُاللَهِ قَوْلاً تَعَلَّقَتْ                  بِهِ النَّفوسُ إنْ لَمْ تَقْتَطِعْنِي‌ عَوائِقِي‌

 وَ خَالَفَهُ فِيهِ أَخُوهُ مُحَمَّدٌ                        وَ إِنِّي‌ لَصُلْبُ الْعُودِ عِنْدَ الْحَقَائِقِ

 

 فلمّا أسفر الصبح‌، أراد عمرو أن‌ يستشير غلامه‌ وَردان‌، و كان‌ داهية‌ مارداً، ولكنّه‌ قبل‌ أن‌ يطلق‌ لسانه‌ بالكلام‌، بادره‌ وَردان‌ قائلاً:

 إن‌ شئتَ أنبأتُكَ بِما في‌ قلبك‌؟ فقال‌ عمرو:

 هات‌.

قال‌ وَردان‌:

اعتركت‌ الدنيا والآخرة‌ علی قلبك‌، فقلتَ: علی معه‌ الآخرة‌ في‌غير دنيا، و في‌ الآخرة‌ عوض‌ من‌ الدنيا، و معاوية‌ مع‌ الدنيا بغير آخرة‌، و ليس‌ في‌الدنيا عوض‌ من‌ الآخرة‌، و أنتَ واقف‌ بينهما

 قال‌: قاتلك‌ الله‌ ما أخطأتَ ما في‌ قلبي‌ فما تري‌ يا وَردان‌؟

قال‌: أري‌ أن‌ تقيم‌ في‌ بيتك‌، فانّ ظهر أهل‌ الدين‌، عشتَ في‌ عفو دينهم‌. و إن‌ ظهر أهل‌ الدنيا، لم‌ يستغنوا عنك‌. ولكنّ عمرو تهيّأ للرحيل‌، و هو يقول‌

 

 يَا قَاتَلَ اللهُ وَرْدَاناً وَ مِدْحَتَهُ                     أَبْدَي‌ لَعَمْرُكَ مَا فِي‌ النَّفْسِ وَرْدَانُ

 لَمّا تَعَرَّضَتِ الدُّنَيا عَرَضْتُ لَهَا                 بِحِرْصِ نَفْسِي‌ وَ فِي‌ الاْطْبَاعِ إدْهَانُ

 نَفْسٌ تَعِفُّ وَ أُخْرَي‌ الْحِرصُ يَغْلِبُهَا              وَالْمَرءُ يَأكُلُ تِبْناً وَ هْوَ غَرْثَانُ

 أَمّا علی فَدينٌ لَيْسَ يَشْرَكُهُ                       دُنْيَا وَ ذَاكَ لَهُ دُنْيَا وَ سُلْطَانُ

 فَاخْتَرْتُ مِنْ طَمَعِي‌ دُنْيَا علی بَصَرٍ              وَ مَا مَعِي‌ بِالَّذِي‌ أَختَارُ بُرْهَانُ

 إِنِّي‌ لاَعْرِفُ مَا فِيهَا وَ اُبْصِرُهُ                   وَ فِيَّ أَيْضاً لِمَا أَهَْواهُ ألْوَانُ

 لَكِنَّ نَفْسِي‌ تُحِبُّ الْعَيْشَ فِي‌ شَرَفٍ                   وَ لَيْسَ يَرْضي‌ بِذُلِّ الْعَيْشِ إنْسَانُ

 

 فجدّ عمرو بن‌ العاص‌ السير حتّي‌ بلغ‌ مفترقاً يتشعّب‌ إلی طريقين‌: أحدهما طريق‌ العراق‌، والآخر طريق‌ الشام‌. فمنعه‌ عبدالله‌ ووَردان‌ من‌ السير نحو الشام‌ قائلين‌ له‌:

 الآخرة‌ في‌ طريق‌ العراق‌، لكنّ عمرو بن‌ العاص‌ لم‌ يطاوعهما فعرّج‌ نحو الشام‌. و دخل‌ علی معاوية‌، و ثبت‌ له‌ الامر بولاية‌ مصر، و علّم‌ معاوية‌ كيف‌ يخدع‌ الناس‌ بالاخذ بثأر عثمان‌ خليفة‌ رسول‌ الله‌ متظاهراً أنّ عليّاً و أصحابه‌ هم‌ الذين‌ قتلوه‌. ‌

 ذكروا أنّ مائة‌ ألف‌ قد قتلوا في‌ تلك‌ الحرب‌ حتّي‌ كاد النصر أن‌ يكون‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ ليلة‌ الهرير، لولا خطّة‌ ماكرة‌ جديدة‌ طرحها عمرو بن‌ العاص‌، و هي‌ رفع‌ المصاحف‌ علی الرماح‌ ممّا أدّي‌ إلی حدوث‌ الاضطراب‌ و التضعضع‌ في‌ جيش‌ الإمام‌، و بدا عليهم‌ الضعف‌ و الفتور واستغلّ المنافقون‌ المندسّون‌ في‌ جيشه‌ الموقف‌ فأرغموه‌ علی التسليم‌ لامر الحكمين‌.

 و خدع‌ عمروبن‌ العاص‌ حكم‌ أهل‌ الشام‌ أبا موسي‌ الاشعريّ حتّي‌ حكم‌ بعزل‌ أميرالمؤمنين‌ عن‌ الخلافة‌. و في‌ هذا الموقف‌ لاحت‌ البوادر الاُولي‌ لانشقاق‌ الخوارج‌، فشكّلوا لهم‌ جبهة‌ في‌ مقابل‌ الإمام‌. و لم‌ يقرّ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بالتحكيم‌ و اعتبره‌ خدعة‌...

 ثمّ إنـّه‌ استعدّ مرّة‌ أُخري‌ لقتال‌ أهل‌ الشام‌ للإطاحة‌ بحكومة‌ معاوية‌ الفاسدة‌، و جهّز جيشاً عدّته‌ مائة‌ ألف‌، و كاد أن‌ يتحرّك‌ لولا سيف‌ ابن‌ ملجم‌ المرادي‌ أحد الخوارج‌ الحمقي‌ إذ فلق‌ هامته‌، فانتقل‌ من‌ هذه‌ الدار المتعبة‌ إلی جوار ربّه‌ حيث‌ الامن‌ والامان‌ و السعادة‌

والحقيقه ان معاويه هو الذي رسم وخطط قضيه اغتيال الامام علي بمساعده الاشعث بن قيس وعبد ارحمن بن ملجم وقد تطرقت لذلك بالتفصيل في كتابي (من قتل الامام علي (عليه السلام)

 

الفصل السادس - اذا اختلف اللصوص ظهرت السرقه

 

إنضم عمرو بن العاص إلى صفِّ معاوية بن أبي سفيان في حربه ضدَّ الإمام علي (عليه السلام )، وقد اشترط عمرو على معاوية حكم مصر جزاء وقوفه بصفّه، وقد كان دور عمرو بن العاص في تثبيت ملك معاوية بن أبي سفيان يمثِّل الأساس الذي لولاه لقُتل معاوية وأتباعه في صفين، وقد وفى معاوية لعمر بعد أن استتبَّ له الأمر، إلَّا أنَّه بعد مرور مدَّة من الزمن طالبه بخراج مصر الذي كان من ضمن الاتفاق أن يكون لعمرو بن العاص، فأجابه عمرو بقصيدة طويلة فضح فيها ما كان بينهما، ونطق بالحق وشهد لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام)

بالولايه والامامه والخلافه

 

القصيده الجلجليه لعمر بن العاص

وممَّا جاء في القصيدة قوله

 

 

معاوية الحال لا تجهل * وعن سبل الحق لا تعدل

نسيت احتيالي في جلق * على أهلها يوم لبس الحلي؟

وقد أقبلوا زمرا يهرعون * مهاليع كالبقر الجفل

وقولي لهم: إن فرض الصلاة * بغير وجودك لم تقبل

فولوا ولم يعبأوا بالصلاة * ورمت النفار إلى القسطل

ولما عصيت إمام الهدى * وفي جيشه كل مستفحل

أبا البقر البكم أهل الشأم * لأهل التقى والحجى أبتلي؟

فقلت: نعم، قم فإني أرى * قتال المفضل بالأفضل

فبي حاربوا سيد الأوصياء * بقولي: دم طل من نعثل

وكدت لهم أن أقاموا الرماح * عليها المصاحف في القسطل

وعلمتهم كشف سوأتهم * لرد الغضنفرة المقبل

فقام البغاة على حيدر * وكفوا عن المشعل المصطلي

نسيت محاورة الأشعري * ونحن على دومة الجندل؟

ألين فيطمع في جانبي * وسهمي قد خاض في المقتل

خلعت الخلافة من حيدر * كخلع النعال من الأرجل

وألبستها فيك بعد الأياس * كلبس الخواتيم بالأنمل

ورقيتك المنبر المشمخر * بلا حد سيف ولا منصل

ولو لم تكن أنت من أهله * ورب المقام ولم تكمل

وسيرت جيش نفاق العراق * كسير الجنوب مع الشمأل

وسيرت ذكرك في الخافقين * كسير الحمير مع المحمل

وجهلك بي يا بن آكلة الكبود * لأعظم ما أبتلي

فلولا موازرتي لم تطع * ولولا وجودي لم تقبل

ولولاي كنت كمثل النساء * تعاف الخروج من المنزل

نصرناك من جهلنا يا بن هند * على النبأ الأعظم الأفضل

وحيث رفعناك فوق الرؤوس * نزلنا إلى أسفل الأسفل

وكم قد سمعنا من المصطفى * وصايا مخصصة في علي؟

وفي يوم " خم " رقى منبرا * يبلغ والركب لم يرحل

وفي كفه كفه معلنا * ينادي بأمر العزيز العلي

ألست بكم منكم في النفوس * بأولى؟ فقالوا: بلى فافعل

فأنحله إمرة المؤمنين * من الله مستخلف المنحل

وقال: فمن كنت مولى له * فهذا له اليوم نعم الولي

فوال مواليه يا ذا الجلال * وعاد معادي أخ المرسل

ولا تنقضوا العهد من عترتي * فقاطعهم بي لم يوصل

فبخبخ شيخك لما رأى * عرى عقد حيدر لم تحلل

فقال: وليكم فاحفظوه * فمدخله فيكم مدخلي

وإنا وما كان من فعلنا * لفي النار في الدرك الأسفل

وما دم عثمان منج لنا * من الله في الموقف المخجل

وإن عليا غدا خصمنا * ويعتز بالله والمرسل

يحاسبنا عن أمور جرت * ونحن عن الحق في معزل

فما عذرنا يوما كشف الغطا؟ * لك الويل منه غدا ثم لي

إلا يا بن هند أبعت الجنان * بعهد عهدت ولم توف لي

وأخسرت أخراك كيما تنال * يسير الحطام من الأجزل

وأصبحت بالناس حتى استقام * لك الملك من ملك محول

وكنت كمقتنص في الشراك  * تذود الظماء عن المنهل

كأنك أنسيت ليل الهرير * بصفين مع هولها المهول

وقد بت تذرق ذرق النعام * حذارا من البطل المقبل

وحين أزاح جيوش الضلال * وافاك كالأسد المبسل

وقد ضاق منك عليك الخناق * وصار بك الرحب كالفلفل

وقولك: يا عمرو؟ أين المفر * من الفارس القسور المسبل؟

عسى حيلة منك عن ثنيه * فإن فؤدادي في عسعل

وشاطرتني كلما يستقيم * من الملك دهرك لم يكمل

فقمت على عجلتي رافعا * وأكشف عن سوأتي أذيلي

فستر عن وجهه وانثنى * حياء وروعك لم يعقل

وأنت لخوفك من بأسه * هناك ملأت من الأفكل

ولما ملكت حماة الأنام * ونالت عصاك يد الأول

منحت لغيري وزن الجبال * ولم تعطني زنة الخردل

وأنحلت مصرا لعبد الملك  وأنت عن الغي لم تعدل

وإن كنت تطمع فيها فقد * تخلى القطا من يد الأجدل

وإن لم تسامح إلى ردها * فإني لحوبكم مصطلي

بخيل جياد وشم الأنوف * وبالمرهفات وبالذبل

وأكشف عنك حجاب الغرور * وأيقظ نائمة الأثكل

فإنك من إمرة المؤمنين * ودعوى الخلافة في معزل

ومالك فيها ولا ذرة * ولا لجدودك بالأول

فإن كان بينكما نسبة * فأين الحسام من المنجل؟

وأين الحصا من نجوم السما؟ * وأين معاوية من علي؟

فإن كنت فيها بلغت المنى * ففي عنقي علق الجلجل

ألين فيطمع في جانبي * وسهمي قد غاب في المفصل

وأخلعتها منه عن خدعة * كخلع النعال من الأرجل

وألبستها فيك لما عجزت * كلبس الخواتيم في الأنمل

ومنها أيضا

 

ولم تك والله من أهلها * ورب المقام ولم تكمل

وسيرت ذكرك في الخافقين * كسير الجنوب مع الشمأل

نصرناك من جهلنا يا بن هند * على البطل الأعظم الأفضل

وكنت ولن ترها في المنام * فزفت إليك ولا مهر لي

وحيث تركنا أعالي النفوس * نزلنا إلى أسفل الأرجل

وكم قد سمعنا من المصطفى * وصايا مخصصة في علي

ومنها أيضا :

 

وإن كان بينكما نسبة * فأين الحسام من المنجل؟

وأين الثريا وأين الثرى؟ * وأين معاوية من علي؟

 

وفاته

تاريخ اليعقوبي :

 نَظَرَ إلى مالِهِ فَرَأى كَثرَتَهُ ، فَقالَ : يا لَيتَهُ كانَ بَعرا ، يا لَيتَنيِ متُّ قَبلَ هذَا اليَومِ بِثَلاثينَ سَنَةً  أصلَحتُ لِمُعاوِيَةَ دُنياهُ ، وأفسَدتُ ديني ، آثَرتُ دُنيايَ وتَرَكتُ آخِرَتي ، عُمِّيَ عَلَيَّ رُشدي حَتّى حَضَرَني أجَلي ، كَأَنّي بِمُعاوِيَةَ قَد حَوى مالي ، وأساءَ فيكُم خِلافَتي

 

عمرو بن العاص على سرير الموت

قال ابن عبد البر في الاستيعاب 2 ص 436:

دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلم عليه وقال:

كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا، وأفسدت من ديني كثيرا، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض، لا أرقي بيدين ولا أهبط برجلين،

 فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي. فقال له ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله؟ صار ابن أخيك أخاك، ولا تشاء أن تبكي إلا بكيت، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم؟. فقال عمرو: وعلى حينها [يعني الموت] حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربي؟ أللهم؟ إن ابن عباس تقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى. قال ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله؟

أخذت جديدا وتعطي خلقا. فقال عمرو: مالي ولك يا بن عباس؟! ما أرسلت كلمة إلا أرسلت نقيضها

 

 

المصادر:

 

 (1) الكلبي  في كتابه " مثالب العرب "206 / 4

 (2) ابن الأثير، أسد الغابة، ج 4، ص 232)

 (3)(كنز العمّال 13/ 548 )

 (4)المصنف  لعبد الرزاق 11/350ح 20726

 (5)الغدير - الشيخ الأميني - ج 2 - الصفحة 127

 (6) كتاب صفين لابن مزاحم ص 264  )

 (7)  تذكرة سبط ابن الجوزي ص 14،  جمهرة الخطب ج 2 ص 12

 (8) شرح‌ النهج‌» ج‌ 6 ص‌ 282

 (9) البداية و النهاية: 5/ 25- 30  

 (10)الاستيعاب 1 ص 67، ، مطالب السئول ص 43، تاريخ ابن كثير 4 ص 30

 (11) الطبري، تاريخ الطبري: ج3، ص53

 (12) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ص256   

 (13)ابن أبي ‏الحديد، شرح نهج البلاغة: ج2،ص226

Screenshot 2024-02-23 073729

أخترنا لك
بنو أميه ليسوا من قريش وإنما من عبيدهم (الفصل الثاني)

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف