بقلم: هادي جلو مرعي
يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمرحلة مابعد كورونا، فالأسوا
هو الذي مازال لم يأت بعد، وهي حقيقة تدركها الولايات المتحدة
والغرب الذي تزعزع تماما بفعل التفشي السريع والصادم للفيروس الذي
إجتاح الصين أولا، فكانت محط سخرية الذين فوجئوا به ينهار أمام
الدفاعات الصينية، ويتحول إليهم مخترقا مدنهم الغنية، وليتوجه الى
نيويورك قلب العالم الغربي المتحضر الذي دمر الكوكب بحروبه
وغزواته الإستعمارية منذ مايزيد على ال 500 عام نهب فيها الثروات
في كل القارات، وأباد شعوبا في الأمريكيتين، وأحل محلهم الأسبان
والطليان والإنكليز والإيرلنديين والبرتغاليين والألمان، وسواها
من الشعوب التي تنعمت بخيرات الأمم المستعمرة، وتركتها نهبا
للأوبئة والفقر والحرمان والضياع.
ليست الحضارة الصناعية الغربية هي التي ستنهار كما إنهارت
الإمبراطوريات القديمة، او إضمحلت كالبابلية والفارسية والصينية
والرومانية وحضارات امريكا الجنوبية، بل هو سقوط جمعي، أي سقوط
الحضارة الإنسانية، والديمقراطيات وأنظمة الحكم، والإدارة في
الغرب والشرق، لتحل محلها إدارة كونية مختلفة، غير تقليدية تأخذ
بالإنسان الى مديات مختلفة، وسلوكيات فكرية تبعث شكلا جديدا
للحياة، وأنماط العيش، ويكون الإنسان فيها فاعلا كما في كل
الحضارات المندثرة التي قامت بفعل الإنسان، وأكدت قيمه
وإبتكاراته، وضرورات حياته، لكنها حضارة جمعية قائمة على فهم جديد
ورؤية جديدة لاتحتمل هيمنة قوة بعينها بعد ان تفتحت مدارك البشر
على التكنلوجيا التي قد تكون أبتدعت في جغرافيا، ولكنها لاتمنح
الهيمنة لتلك الجغراقيا، بل تتحول الى أداة بيد جغرافيا أخرى كما
هو الحال مع الصين، وبقية النمور الآسيوية التي تكاد تطيح بالغرب
العجوز، وتبهر العالم.
فالناس يتحدثون عن الحاسوب الياباني، والهواوي الصيني، ولم يعودوا
يتحدثون عن الحاسوب الأمريكية، ولاعن الأوربي لأن كل شيء
يتغير.
الحضارة البشرية تنهار بشكلها الحالي، لتحل محلها حضارة بشرية
جديدة تتسع مساحتها لأقطاب عدة، ولمنافسين كثر لايمكنهم إزاحة
بعضهم، والتفرد، بل خيارهم المشاركة والشراكة، ولامجال للقطب
الأوحد، ولا للقطبين كما هو الحال فيما مضى من زمن تتنافس فيه
القوى العظمى، فتتبادل الأدوار، وتوزع الثروات المنهوبة، وتتقاسم
المستعمرات، بل على الجميع التحسب للمنافسين الجدد ممن كانوا
مستعمرات، وهي حضارة كونية، وليست حضارة في جغرافية
بعينها.
العجيب ان كائنا لايرى بالعين المجردة سيعيد تشكيل الحضارة
الإنسانية ويصنع الأدوار، ويحدد المسارات، ولامجال
لعصيانه.