كانت مدرستي الست سعاد رحمها الله ملاكي الحارس ، فقد كانت تراودني في الحلم عند كل مشكلة أواجهها في الحياة العملية ...ولعلها كانت تشير الي في بعض أحلامي لحل بعض معضلات المضاربة في سوق الاوراق المالية ...
لا اعرف الى الان السر الذي جعل الست سعاد لتكون ملاكي الحارس وانا لم اراها منذ أكثر من عشرة سنوات... هل كان لقوة شخصيتها في الصف أم اسهابها في شرح المادة أو أعادتها للمادة الدراسية عدة مرات .. ولا أعرف الى الان ما السر الذي يجعل أحد الاساتذة أن يأخذ تلك المكانة في قلوبنا على الرغم من مرور عشرات الاساتذة في المسيرة الدراسية لكل واحد منا... نتعرف في كل يوم في حياتنا على شخصيات كثيرة ... لكن البعض منهم يحتل مكانة في القلوب وقيمة كبيرة في النفوس تختلف عن الاخرين و يصبحون جزءاً من أحلامنا وحياتنا ...سالت نفسي مرات عديدة لماذا يحتل بعض القادة مكانة في نفوس الناس دون غيرهم !! أو حتى فكرت طويلاً لماذا أتناول رواية فيكتور هيغو البؤساء في كل مرة و أعيد قرائتها عشرات المرات ؟؟!!
لم أكن أعرف ما هو السر الذي يجعل قدمي تسير نحو زاوية حافظ دون غيره من بائعي الشاي ، لقد كان هناك سحراً في تلك الزاوية يختلف عن باقي المقاهي فقد كان يحسن ترتيبها لدرجة السحر في الترتيب أو كان يملك وصفة سرية يضعها في الشاي تجعلك تدمنه فقد كان يحسن أعداد الشاي لدرجة ان تعتقد انه يختلف عن كل شاي شربته في حياتك ...هل كانت الاضاءة الخافتة التي تنقلك وانت ترتشف الشاي الى محطات الخيال البعيدة فقد أحسن ترتيبها بطريقة مذهلة ام لأنه كان يحسن التقديم و أساليب الترحيب و الكلام... كان حافظ دقيقاً جداً في إعداد الشاي لدرجة أن تقول أنه عالم في مجال صنعته...
عزمت هذه المرة أن أستدرج حافظ ليكشف لي السر وراء اكتضاض زاويته بمختلف الشخصيات ...وماهو السر وراء حب الناس لشرب الشاي عنده دون غيره...
عندما وصلت كان كعادته اليومية أن يكتب حافظ حكمة على سبورته وكان قد كتب ذلك اليوم حكمة نقلها عن أمير المؤمنين عليه السلام (قيمة كل أمرئ ما يحسنه) وقفت امام السبورة لساعات وانا أبحر في غيابات العقل والتفكير في مكنونات تلك الحكمة الخالدة التي أختصرت لي فعلا سر تقدير الانسان وقيمته في هذه الحياة وفسرت لي لماذا يحتل البعض قيمة في نفوسنا دون غيرهم ... فلا المال أو الجاه ،،، و لا السلطة أو الانساب .. هي ماتضع قيمة للانسان في مجتمعه بل ما يحسنه في صنعة أو عمل أو خدمة يقدمها للمجتمع أو أصلاح ... وعلى قدر ما يحسنه تكون قيمته ... فالاحسان يتطلب الجودة في العمل عن علم واخلاص... وهذه الحكمة كما قال عنها الرضي عليه الرحمة : و هي الكلمة التي لا تصاب لها قيمة و لا توزن بها حكمة و لا تقرن إليها كلمة...
أحمد خضير كاظم/ رواية حافظ الاسرار
