الأبعاد المكانية في القرآن الكريم

2025/03/13

الشيخ الدكتور احمد خضير كاظم الكاظمي

المقدمة

لطالما تساءل الإنسان عن طبيعة المكان والزمان، وهل يشكلان حقيقة مطلقة أم مجرد مظاهر خادعة لحقيقة أعمق؟ في العصر الحديث، اقترحت الفيزياء النظرية مفاهيم مثيرة، مثل نظرية الهولوغرام، التي تفترض أن الكون كما نعرفه قد يكون مجرد انعكاس ثنائي الأبعاد لواقع أكثر تعقيدًا.

المثير أن القرآن يشير إلى تحوّل جذري في بنية الكون عند القيامة، حيث يقول تعالى:

"يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين" (الأنبياء: 104)

هذه الصورة القرآنية توحي بأن الكون قد يكون ذا طبيعة هندسية يمكن أن تتغير أو تُطوى بطريقة أشبه بطيّ ورقة، مما يعزز الفرضية العلمية التي تقترح أن أبعاد الكون الحالية قد تكون محدودة أو غير نهائية.

1. الأبعاد المكانية: من الفيزياء الكلاسيكية إلى الكمومية

منذ زمن نيوتن، كان الفضاء يُعتبر ثابتًا ومطلقًا، لكن مع ظهور نظرية النسبية لأينشتاين، أصبح الفضاء والزمن مرتبطين في نسيج واحد يُعرف بـ الزمكان. في هذا الإطار، نعيش في كون رباعي الأبعاد (3 أبعاد مكانية + الزمن كبعد رابع).

لكن الفيزياء الحديثة، خاصة مع نظرية الأوتار، تقترح وجود 10 أو 11 بُعدًا، حيث تكون الأبعاد الإضافية ملتفة على نطاق مجهري لا يمكن ملاحظته بسهولة. هذه النظرية تفتح الباب أمام إمكانية أن يكون الكون الحالي مجرد جزء من واقع أوسع بعدد أبعاد أكبر.

أفق المعلومات والثقوب السوداء

عندما يسقط جسم في ثقب أسود، يتمدد الزمن ويتباطئ حتى يبدو وكأنه يتجمد عند الأفق، وهو ما يعرف بـ أفق المعلومات. بناءً على ذلك، طرح العالم ليونارد سسكيند فرضية أن الكون كله قد يكون مشابهًا لسطح ثقب أسود، حيث يتم تخزين المعلومات بطريقة هولوغرافية، أي أن كل ما نراه في أبعادنا الثلاثة قد يكون في الحقيقة مجرد انعكاس ثنائي الأبعاد لواقع أعمق.

2. نظرية الهولوغرام: هل الكون مجرد إسقاط ثنائي الأبعاد؟

مفهوم الكون الهولوغرافي

في عام 1997، قدم الفيزيائي خوان مالداسينا نموذجًا رياضيًا يربط بين الفيزياء الكمومية ونظرية الجاذبية، حيث اقترح أن المعلومات داخل الكون يمكن أن تكون مشفرة على "سطح" بعيد، تمامًا مثلما يتم تخزين صورة ثلاثية الأبعاد داخل قرص هولوغرافي ثنائي الأبعاد.

إذا كان هذا صحيحًا، فقد يكون واقعنا ثلاثي الأبعاد مجرد إسقاط لمعلومات محفوظة على سطح كوني أعلى. وبذلك، فإن فكرة "طيّ السماء" يمكن أن تكون توصيفًا علميًا دقيقًا لانهيار هذا الإسقاط، تمامًا كما يتم طي ورقة أو طيّ شاشة عرض هولوغرافية عند إطفائها.

العلاقة مع القرآن الكريم

الآية "يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب" قد تعني أن أبعاد الكون الحالية ستنهار بطريقة تشبه انهيار صورة ثلاثية الأبعاد إلى سطح ثنائي الأبعاد، مما يتوافق مع فكرة الكون الهولوغرافي.

3. القيامة وتحول الأبعاد: ماذا يحدث عند "طي السماء"؟

تُشير بعض النظريات إلى أن الأبعاد الأربعة التي تحكم كوننا قد تكون مؤقتة، ويمكن أن تتغير تحت ظروف معينة. عند "طي السماء"، قد لا يكون الأمر مجرد انهيار مادي، بل انتقال جذري في عدد الأبعاد الممكنة.

إذا كان الكون الحالي مجرد إسقاط، فإن زواله قد يعني انهيار هذا الإسقاط وكشف حقيقة أخرى ذات أبعاد مختلفة.

الفيزياء الكونية تشير إلى احتمال وجود عالم آخر بأبعاد مختلفة، وقد يكون يوم القيامة هو اللحظة التي تتكشف فيها هذه الأبعاد الجديدة، مما يفسر وصف القرآن للعالم الآخر بصفات مختلفة تمامًا عن عالمنا.

هناك آيات أخرى تدعم فكرة التغير الجذري مثل:

"وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب" (النحل: 77)

التي قد تعني انتقالًا مفاجئًا بين الأبعاد.

 

الخاتمة: عندما يلتقي العلم بالفلسفة القرآنية

إذا كانت نظرية الهولوغرام صحيحة، فإن إدراكنا الحالي للكون قد يكون مجرد جزء صغير من الحقيقة الكبرى. القرآن يشير إلى أن هذا العالم ليس إلا مرحلة، وأن هناك "واقعًا آخر" سيتجلى عند القيامة.

 

من منظور فلسفي وروحي، يمكن أن نستنتج أن الحياة ليست سوى "إسقاط" لوجود أعمق، وأن الحقيقة الكاملة ستتجلى عند الانتقال إلى عالم جديد ذي أبعاد مختلفة. وهذا يتماشى مع المفهوم القرآني للآخرة، حيث يتغير شكل الوجود تمامًا ويُكشف للإنسان حقيقة لم يكن يراها من قبل.

وهكذا، فإن "طي السماء" قد لا يكون مجرد استعارة، بل توصيف دقيق لانهيار أبعاد الكون كما نعرفها، مما يعيد تشكيل فهمنا للوجود والمصير النهائي للحياة.

 

أخترنا لك
الاله الذي نكتشفه علمياً

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة