حركة تصحيحية لمنهج السيد كمال الحيدري

2021/02/19

الشيخ احمد سلمان

 بسم الله الرحمن الرحيم
أطل علينا سماحة السيد كمال الحيدري في شهر رمضان في برنامجه المعروف (مطارحات في العقيدة) وطرح عدّة نظريات اعتبرها سماحته بمثابة حركة تصحيحية في المذهب الغرض منه تنقية التراث الروائي.
طبعا شُغفنا بهذا العنوان وسُحرنا بهذا البيان فتابعنا البرنامج رغبة في الفائدة وطمعا
إلا أنني فوجئت بأن سماحة السيد قد كال الإتهامات لعلماء الطائفة الواحد تلو الآخر, فبدأ بمراجع النجف وطلبتهم ووصل مؤخرا إلى الشيخ الطوسي ولايزال مستمرا!
الخطير في هذا أنه صرّح في أكثر من مورد أنّ موروثنا الديني فيه الكثير الكثير من الإسرائيليات الدخيلة من كتب العامّة لا سيما في كتب التفسير!
وقد مثّل لهذا الأمر برواية (نقلها الشيخ الطوسي رحمه الله عن تفسير الطبري ثم توهّم من بعده أنّها عن الإمام الباقر عليه السلام لتشابه الكنى, وجاء بتفسير مجمع البيان من باب المثال)
كلام السيد كمال الحيدري:
 

 
الجواب:
 
1. رواية الشيخ الطوسي رحمه الله ليست هي رواية الطبري فشيخ الطائفة روى الحديث عن أسامة بن زيد عن أبيه (زيد بن الحارثة) أمّا الطبري فأخرج أكثر من رواية واحدة عن عبد الله بن عباس وأخرى عن عكرمة وأخرى عن عبد الرحمن بن زيد وأخرى عن مقاتل ولا توجد أي رواية في كتابه عن أسامة بن زيد أو عن أبيه زيد بن الحارثة.
وكفى بهذا دليلا على اختلاف الرواية واسقاط الإشكال من أساسه
 
2. هذه الرواية التي اعتمدها الشيخ الطوسي رحمه الله من أسباب نزول الآية 107 من سورة المائدة موجودة في مصادرنا المعتبرة:
- نقلها الشيخ علي بن ابراهيم القمي في تفسيره 1/189: فإنها نزلت في ابن بندي ابن أبي مارية النصرانيين، وكان رجل يقال له تميم الدارمي مسلم خرج معهما في سفر، وكان مع تميم خرج ومتاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب ليبيعها، فلما مروا بالمدينة اعتل تميم فلما حضره الموت...
- نقلها ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني باختلاف يسير في الكافي 7/5: خرج تميم الداري وابن بيدي وابن أبي مارية في سفر وكان تميم الداري مسلما وابن بيدي وابن أبي مارية نصرانيين وكان مع تميم الداري خرج له فيه متاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع فاعتل تميم الداري علة شديدة فلما حضره الموت...
- ونقلها ابن أبي زينب النعماني في رسالته التفسيرية التي نقلها العلامة المجلسي في البحار 90/75: ومثله حديث تميم الداري مع ابن مندي وابن أبي مارية وما كان من خبرهم في السفر، وكانا رجلين نصرانيين وتميم الداري رجل من رؤوس المسلمين خرجوا في سفر لهم، وكان مع تميم الداري خرج له فيه متاع وآنية منقوشة بالذهب، وقلادة من ذهب أخرج معه ليبيعه في بعض أسواق العرب، فلما فصلوا عن المدينة اعتل تميم علة شديدة فلما حضرته الوفاة...
فهل يلتزم سماحة السيد أنّ كل هؤلاء ينقلون من تفسير الطبري وينسبونه للأئمة عليهم السلام؟؟
 
3. من المعلوم أنّ كثيرا من الأصول كانت موجودة في عصر شيخ الطائفة الطوسي وفي عصر أمين الإسلام الطبرسي بل لكنّها فقدت ولم تصل لأيدينا ومن باب الشاهد نذكر كلام المحقق الحلّي رحمه الله في المعتبر1/33: لما كان فقهائنا رضوان الله عليهم في الكثرة إلى حد يتعسر ضبط عددهم ويتعذر حصر أقوالهم لاتساعها وانتشارها، وكثرة ما صنفوه، وكانت مع ذلك منحصرة في أقوال جماعة من فضلاء المتأخرين اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر فضله، وعرف تقدمه في نقل الأخبار وصحة الاختيار وجودة الاعتبار، واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بأن فيه اجتهادهم، وعرف به اهتمامهم، وعليه اعتمادهم، فممن اخترت نقله الحسن بن محبوب، ومحمد بن أبي نصر البزنطي، والحسين بن سعيد، والفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن...
من هنا نعلم أنّ هذه الأصول كانت موجودة ومشهورة إلى حدود القرن السابع ثمّ فقدت من بعد ذلك.
فلماذا لم يحسن سماحة السيد الظنّ بالشيخ الطوسي والطبرسي ويحتمل أنّ الرواية أخذت من الأصول القديمة التي لم تصل لنا؟
خصوصا مع وجودها في مصادر أخرى معتبرة؟!!
 
4. النقطة الأهم هي: ما علاقة هذه الرواية بالإسرائيليات؟ غاية ما في الرواية هي أنه يجوز أن يشهد غير المسلم على الوصية وهذا الأمر موافق للقرآن الكريم..
فعلى مبنى السيد الحيدري, الرواية معتبرة ولا ينظر في إسنادها ولا في مصدرها لأنها موافقة لكتاب الله.
والعجيب أن السيد ذكر بعض الذين يروجون الاسرائيليات في كتب العامة كعبد الله بن سلام ووهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم, وكل هؤلاء ليسوا من رواة هذه الرواية ولا علاقة لهم بها!
فالدليل الذي ساقه هو أجنبي عن مدّعاه..
 
5. لو سلّمنا جدلا بوجود روايات (اسرائيلية) في كتبنا, فإنّ هذا لا يستدعي جعل علماء الشيعة والمخالفين في خندق واحد, لأنّ الإشكال الأساسي على المخالفين هو أنّهم صحّحوا الاسرائيليات واعتمدوها وجعلوها دينا لهم؛ أمّا علماؤنا الأعلام فإنّهم وقفوا سدّا منيعا أمام هذه الروايات ولهذا نجد أنّ حوزاتنا العلمية تهتم بعلم الرجال والدّراية والحديث.
أنا أعتب على سماحة السيد الحيدري تسرّعه بالحكم على علمائنا الأعلام الذين بذلوا الغالي والنفيس لحفظ تراثنا من الضياع بأنهم ينقلون الإسرائيليات.
 
علما أنّي اتصلت بسماحة السيد لأوضح له الاشتباه الذي وقع فيه إلّا أني فوجئت بعدم احاطته بالموضوع والعجيب أنه نسب الرواية لأبي هريرة وذكر أنّ مصدرها صحيح البخاري!
والحال أنّه لا وجود لهذه الرواية في هذا الكتاب ولم يروها هذا الرجل البتّة, وهذا ما أكد لي أنّ سماحة المحقق السيد كمال هو مجرّد ناقل لا أكثر, ومن باب قطع الشك باليقين بحثت عن الذين تعرضوا لهذه النقطة فصدمت:
وجدت أنّ السيد المحقق الحيدري نقل حرفيا ما ذكره المدعو (أحمد القبنجي) الذي ينكر الجنة والنار والقرآن والنبوة والإمامة ولم يبق له شيء للإلحاد؟
وقد نقل السيد كمال حرفيا ما ذكره هذا الرجل في كتابه (تهذيب أحاديث الشيعة) المطبوع سنة 2009 والذي جعل فصلا كاملا ص275 أسماه: أحاديث موهومة في تفسير مجمع البيان؛ وجعل أول بابا فيه باسم (أبو جعفر في تفسير مجمع البيان).
وفي صفحة 278: ساق المورد الأول فقال: ورد في تفسير الطبري في شأن نزول الآيتين 106/107 من سورة المائدة بعدة الطرق مع بعض الاختلاف في العبارة ما خلاصته, أنّ ثلاثة نفر خرجوا من المدينة تجارا إلى الشام...
إلى أن يقول: عندها أورد الشيخ الطوسي في التبيان المجلد الرابع بعضا مما ذكره الطبري...
إلى أن يقول: فيما أنّ الطبرسي قد تصوّر أنّ المقصود من أبي جعفر الوارد في كلام الشيخ الطوسي هو الإمام محمد الباقر عليه السلام فنراه أورد في كلامه...
فمن هنا نعلم أنّ السيد كمال هو مجرّد ناقل لكلام المدعو أحمد القبنجي وليس الأمر بحثا علميا أو تحقيقيا كما صرّح أكثر من مرّة.
نأمل من السيد كمال أن يقوم بحركة تصحيحية في منهجه باجتناب النقل العشوائي عن كلّ من هبّ ودبّ ليكون عمله تحقيقا بأتمّ
معنى الكلمة.
أخترنا لك
حركة تصحيحية لمنهج السيد كمال الحيدري! (2)

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف