الحُبُّ غايةُ البلاء

2020/08/21

البلاءُ نوعان، نوعٌ عذابٌ، وآخرُ رحمةٌ وحنان. فأما الأولُ فيخصُّ المَرَدَةَ والمُعاندين والظالمين، وكذلك الأقوام الذين خالفوا أنبياءهم بشكلٍ فظيع، فيكونُ البلاءُ عقابًا أكثرَ مما يكونُ مجردَ بلاء.أما الآخرُ فغايتُه على العكسِ تمامًا؛ لزيادةِ إيمانِ المؤمنِ، ولزيادةِ التواصلِ بين العبدِ وربِّه.
وهنا نقول: هل ترونَ غيرَ اللهِ (تعالى) يُقدِّمُ كلَّ ما هو جميلٌ ولطيفٌ لعبادِهِ بشكلٍ يومي بل في كلِّ لحظةٍ، في سبيلِ إبقائهم على تواصلٍ معه؟!
كثيرًا ما نُعاتِبُ أحبتنا وأعزتنا؛ لعدم تواصلهم معنا، وعتابُنا يَنُمُ عن المحبةِ الكبيرةِ منّا لهم. فكيف بالله (تعالى) وهو يقول لنا: "وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا"؟!
هذا التحنّنُ واللطفُ في التعبيرِ في سبيلِ جعلِ القلوبِ مطمئنةً وهانئةً، لا تجده بين العبدِ وسيّدِه إلا عند الله (تعالى) معنا.
فإنْ لم تنفع معه كلُّ الطرقِ في تذكيرِ المؤمنِ بالله العلي العظيم، فإنَّ الخالقَ وبطريقةٍ أخرى يجذبُ انتباهه إليه؛ بابتلائه بنوعٍ من البلاء، فيرجع قلبه إلى صانعه الذي طالما ناداه وكان مؤنسه ورفيقه الذي لا يهديه إلا للخير، ولا ينقصُ من رزقهِ بل يُبارك له.
لكن لابُدَّ من الانتباهِ بأنْ نسألَ الله (تعالى) أنْ لا يبتلينا ببلاءٍ لا نتحمّله؛ فنحن الفقراء إليه وهو الغني الحميد، فإن ابتلانا فلمصلحتنا، وإن لم يبتلنا علينا أنْ نراجعَ علاقتنا بخالقنا، فإنَّ الإمامَ الصادق (عليه السلام)يقول: "البَلاءُ زِينٌ للمؤمِنْ وكرامَهٌ لِمنْ عَقَلَ"(١). وعنه عليه السلام أنه قال: "اِنَّما المؤمنُ بِمنْزلةِ كفّةِ الميزان، كلّما زيدَ في ايمانِهِ زيدَ في بلائِهِ"(٢)
ومن حبِّه (تعالى) لنا ولطفِه العجيب بنا، دلّنا على ما يُجنبنا البلاء إنْ لم نطيقه، كالصدقة، والدعاء، وغيرها، فهو (سبحانه) يُعطي البلاء ليؤجرنا عليه، وكذلك يُعطي الخيار إذا ما خِفنا من الفشل به؛ لأنّ غايةَ البلاءِ هو التذكيرُ بعطفِ الله (تعالى) ومدى حُبِّه لنا من خلالِ الكثيرِ من النعم والإحسان.

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "اِدفَعوا أمواجُ الْبَلاءَ بالدُّعاء"(٣). فإذا دعا الإنسانُ ربه فقد ذكره، ومن يذكر الله (سبحانه) فقد خشيه، ومن يخشه اجتنب عن معصيته، ومن يجتنب عن معصيته دخل الجنة، وهذا ما يُريدُه الخالقُ لعبدِه أن ينتهجه.

 

بقلم: باقر جميل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- مصباح الشريعة ب87 /ص183
٢- بحار الأنوار 67/ 210.
٣ - نهج البلاغة، خطبة 146

Doaa-660x330

أخترنا لك
ويل لمن ظلمها

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف