قراءة انطباعية في بحث.. (بين يوم الطف ويوم الحشد الأكبر.. للشيخ عماد الكاظمي)
2021/03/16
لجنة البحوث والدراسات جميع مسارات القراءات الانطباعية تبدأ من بداية
البحث الى خاتمته، وفي قراءتنا الانطباعية لهذا البحث أوقفتنا الخاتمة
التي تحدث فيها الباحث عن المؤجل في بحثه، وطالب الباحثين بالنظر
للإعلام المقترن بالقضية، هذا الكلام جعلنا امام مقاربة وأسس مقارنة،
وإذا ما أردنا أن نقرأ البحث اعلامياً، سنجد هناك الكثير من السمات
التي تقربنا الى مبتغانا. صحيح أن اعلام الطف كان مشوشاً وموضوعاً في
اغلب فقراته التي وصلتنا، لكن لو اجرينا تلك المقاربة بين ما قيل عن
الطف المقدس وما قيل عن الفتوى والحشد المبارك، وهذه المقاربة بين
الماضي وبين الحاضر هي عبارة عن نظم اخلاقية حملها البحث تجعلنا امام
قضية مهمة هي: لماذا نقرأ التأريخ؟ ولماذا نستحضره بقاداته ورجالاته؟
من الطبيعي ان يكون التماهي مع الايجابي وتقويم السلبي لتحصين الواقع
المعاصر، وفي هذا البحث نجد هنا لغزاً اعلامياً ممكن ان نقف عند
اعتابه هو: لماذا لا يريدوننا ان نقرأ التأريخ؟ وما الذي يخيفهم من
التأريخ؟ وهذا التاريخ له القدرة على توحيدنا ويبدو هذا هو مصدر القلق
بالنسبة لهم؛ لأنه سيكشف الكثير من الدجل الذي صاغوا مواضيعه حتى
اظهروا ان واقعة الطف كانت معركة ابناء عم..! اعلاميو تلك المرحلة
امثال شريح القاضي، وشبث بن ربعي وغيرهم، كل يعمل اعلامه على كيفه،
بما يراه حتى انهم سعوا ان يفصلوا الواقعة الشريفة عن الدين ليجعلوها
حرباً من أجل سلطة وكراسي، حالهم حال من قرأ الفتوى اليوم بأنها
طائفية ووضعت لمحاربة ابناء العامة.. والسؤال الآخر الذي وجهه سماحة
الشيخ عامر الكاظمي هو عن دورنا نحن، ما هو دورنا عند دراسة التأريخ
وما الذي سينفع حاضرنا ومستقبلنا؟ وهذا السؤال أيضاً يرتكز على
المنظومة الاعلامية وقراءة التأريخ تعني نقل الاثر لخلقه المؤثر
النابض بالحياة، ولهذا هم يخافون قوة التأثير، يخافون اشعاعات الماضي
ان تنير لياليهم المزروعة في كل ضمير، يخافون من ان يصبح تأثير النصرة
حشداً شعبياً عامراً بالتضحيات. لقد سارت مواكب النهضة الحسينية الى
تعمير جبهة الوطن بالمقاتلين، عندما يصل الرمز التاريخي الى التكامل
عبر عصمة ربانية، ستحتاج القراءة التاريخية حينها النضج المدرك في
استيعاب مورد متعدد المناهل. كان البحث ومنذ العنوان بمثابة قراءة
اولية تقارب بين عالمي الواقعة وعالم الحشد، بين نداء الحسين (عليه
السلام) ونداء حفيد الحسين (دام ظله الوارف) ثبات الوعي عند القائدين
المباركين أحدث تغييرا جذريا في العقلية العربية رغم فارق الزمنين،
والتطور المدني في الحياة، ومن نتائج هذا التغيير انفتحت الذات
العراقية على قيم اخلاقية وروحية جديدة علمت العرب، ان هناك في
النهضتين فكرا متطورا وانسانية عالية وحياة حرة مليئة بالمحبة وروح
الاطمئنان. كان الحسين (عليه السلام) يتصرف حسب منطق (التي هي اقوم)
أي التخلق بأخلاق القرآن الكريم، وكذلك كان السيد السيستاني (دام ظله
الوارف) في تناص كبير مع تلك التعليمات فهو ينهل من منهل ائمة اهل
البيت (عليهم السلام): (لا أحب ان ابدأهم بقتال)، وهم يقفون امام تيار
سياسي ممتد من العصر الاموي الى اليوم. انتبه الوعي الفكري العربي
الاسلامي ان هناك تفاوتاً كبيراً بين مكونات ائمة اهل البيت (عليهم
السلام) والمرجعيات الدينية المنتمية اليهم وبين الفكر السلطوي الاموي
والداعشي اليوم. كما لوحظ وجود تطورات سياسية اوجبت الجهاد، نهوض
الفكر الاصلاحي: (خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي) الاصلاح كان تعزيزاً
لموقف الرفض: (هيهات منا الذلة) لا يمكن لصاحب العصمة الالهية التي
يمتلكها الحسين (عليه السلام) أن يعترف بإفساد يزيد، الاصلاح بأية
قيمة هو اصلاح سياسي كان أم عقائدي أم شرعي هو رفض معلن ينبه الامة
الى مخاطر كبيرة، قال الله تعالى: ((وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي
الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ))(1). ويرى الامام الباقر (عليه
السلام) إهلاك الحرث يعني اهلاك الدين، ولهذا قتل يزيد الحسين (سلام
الله عليه) في السنة الأولى من حكمه، وفي السنة الثانية رمى الكعبة
بالمنجنيق، وفي السنة الثالثة أباح المدينة..! معلومات كانت موجودة في
الفكر الاستباقي عند الحسين (عليه السلام) واردة يعرفها ان لم نقل
يعلم بها، وكذلك كانت هناك استباقية فكرية عند وريث البيت الحسيني
(دام ظله الوارف) كان يدرك الابعاد التي تكونت منها داعش، وصولا الى
المواجهة التي اصبحت فيها داعش على قاب قوسين من اهلاك العراق واهله.
كانت الاستجابة الجماهيرية للحشد الشعبي والتي تعتبر جزءاً اساسياً من
نصرة الطف المباركة والمتصلة بمعايير الوعي الجمعي، لهذا كان خطاب
مقاتلي الحشد: (لبيك يا حسين) كان الانخراط في صحبة الحسين (سلام الله
عليه)، حالة انتقائية تغربلت فيها الشخصيات لتصل هذا العدد، ومع هذا
كان يخيرهم بمعنى يريد تشذيب رجال نصرته، والدعوة الى الحشد كانت تتم
عير الانخراط في مراكز التطوع بشكل منظم وليست المسألة عشوائية كما
يصورها الاعلام السلبي بأنها طائفية ومجرد ميليشيات مقارنة واضحة بين
مكونين، احدهما وريث البيت المحمدي الرسالي، والآخر وريث المدرسة
الاموية بكل ما تمتلك من شرور، مدرسة الامام الحسين هي التي خرجت
مدرسة الفتوى المباركة، وحتى التهم التي وجهها الاعلام الى الحسين
(عليه السلام)، وجهت الى السيد السيستاني؛ كونه سعى لإبعاد نار الحرب
عن العراق، عاب الاعلام عليه السكوت، يوم فجروا المراقد المقدسة في
سامراء والتي كانت كفيلة باشعال نار حرب اهلية لولا حكمة حفيد البيت
الحسيني سماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف). هناك العديد من
المقاربات التي وقف الاعلام عنها صامتا دون حراك، مثلاً التشابه
الكبير في وصايا المقاتلين والتي استمدها من نصائح وخطب ائمة اهل
البيت (عليهم السلام)، وعلى التضاد الداعشي وريث مدرسة التمثيل
بالقتلى وذبح الأسرى، وحرق الجثث وذبح الرؤوس، حين ركزنا على وجود
مسارات اعلامية داخل بؤر التأريخ والواقع المعاصر. لا نريد أن نقول:
إن الفعل الانساني كان اعلامياً، لكننا نقول: إن الفعل الانساني له
سمات اعلامية متكيفة بذاتها وللفعل الانساني طاقة انتشار فاعلة وقوة
تأثيرية وإن قراءة هذه البحوث تحتاج الى يقظة مدركة لتنهض بها
اعلامياً. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)
البقرة/ 205.