ج3/ قراءة في المقتل الحسيني

2021/02/14

 مابين دفتي النص المرجعي )

يسألني  البعض  لأكون دقيقا في التدوين  المرجعي  .لكون هذا البعض قد شخص وجود تضادات كبيرة في المراجع التأريخية حسب دراستهم لتلك المراجع ، وانا لاانكر وجود مثل تلك الأختلافات لكني لم اجد  تضادات جوهرية   في اغلب ما قر أت من مصادر  بل وجدت اختلافات  في التفاصيل البسيطة  التي لاتخل  في توازنات الحدث ، ولا وجود لمثل هذه الاختلافات  في الموروث الشعبي  الشفاهي  باستثناء مبالغات بعض المتأخرين والموضوعة لمتطلبات سوقية معروفة الغايات ولاتعتبر حتى من الكد الثقافي او الفكري الداعم للواقعة المباركة .. ونقصد بالاشتغال الجوهري فهم جوهر الواقعة الفكري والانساني  كوننا غير مطالبين  بالدقة التقريرية  كادباء وشعراء ومثقفين  ونجد ان  الكعبي رحمه الله  كان لايعتني  بالدقة الرقمية  في تناوله للحدث  لكون هذه الدقة الرقمية غير مهمة لاستقرار الجوهري  فنجده رحمه الله يكثر من  استخدام كلمة ( قيل )  مثلا حين تحدث  عن عدد جيش الحسين  يقول ( كانوا  سبعة وسبعين ما بين فارس وراجل  وقيل اكثر من ذلك )  وفي موقع آخر يقول  ( اقبل عمر بن سعد نحو الحسين  على اقل الروايات  في ثلاثين الفا)  فالمهم والجوهري في القضية  ان الفارق بين  الجيشين كان  كبيرا  .. ثم نقرأ  مثلا وصفا  لمشهد  الحر بن يزيد الرياحي ( ضرب فرسه  قاصدا  الى الحسين (ع)  ويده على راسه  وهو يقول  اللهم  اليك  أنيب  فنب  ، فقد أرعبت قلوب  أوليائك واولاد  بنت نبيك  وقال للحسين عليه السلام  جعلت فداك  يا ابن رسول  الله  انا صاحبك  الذي حبستك  عند الرجوع  وسايرتك  في الطريق  وجعجعت  بك في  هذا المكان  وما ظننت ان القوم  يردون عليك  ما عرضته  عليهم ويبلغون منك هذه المنزلة  والله لو علمت  انهم ينتهون بك  الى ما ارى ما ركبت مثل الذي ركبت،  وأني قد جئتك  تائبا  مما كان  مني الى  ربي مواسيا لك بنفسي حتى اموت  بين يديك  فهل ترى  لي من توبة  .. فقال   الحسين  ( ع)  نعم يتوب  الله عليك فانزل ... قال انا لك فارسا  خير من راجل .. اقاتلهم على فرسي  ساعة والى النزول  يصير آخر  أمري  .. فقال له الحسين  فاصنع   يرحمك الله ما بدا لك  فأستقدم  الامام الحسين  (ع) .. قد نجد بعض الاختلافات  في التفاصيل  المروية التي وردت  في بعض الروايات  الاخرى ، لكن جميعها  تتفق  من حيث الجوهر  .. وبما ان موضوعة المقاتل  نفسها  تعتمد  على مقول  موضوعي  يستند على حقائق تأريخية  عقائدية  لكون هذه الرموز مقدسة  فتكون قابلة للبرهنة  كموضوع لرسالة  تعالج مواضيع عامة  ... ولذلك هي لاتحتاج  الى سرد تفصيلي  بقدر ما تحتاج  الى كشف معالم  جوهر الحدث والموقف الخاص لكل رمز يتضح من خلال الموقف العام برمته على التفاصيل ان لاتنسينا الجوهر الفعلي .. ذاكرة التلقي  تحتفظ بالفحوى  المضمونية  ،والالتزام هنا سيمنحنا معنى  التزام القراءة  ، فالكعبي رحمه الله في مقتله يتصرف وكأن الدقة التفصيلية لاتعنيه  فهو ليس  باحثا  علميا  ونجده مثلا حين يذكر عمر علي بن الحسين الاكبر عليه السلام .. يقول ( وكان عمره ثماني عشرة وقيل خمسة وعشرون  سنة ) أو حين  يذكر مقتله  يقول  ( فاعترضه  مرة بن منقذ  فضربه  وقيل  طعنه بالرمح  وصرعه  وفي مقتل  جعفر بن علي .. يقول ( حمل عليه هاني بن  ثبيت  الحضرمي  فقتله  وقيل رماه  خولي فاصاب  شقيقته  أو عينيه  ) وفي مقتل العباس  عليه السلام ( فهوى الى الارض وقال  السلام عليك  يا ابا عبد الله  أدركني يا أخي  ..) وحين يتحدث عن مقتل الرضيع  عليه السلام  يقول  وقال لزينب  ناوليني  ولدي  الصغير  حتى أودعه  فأتى بابنه عبد الله فاخذه  واجلسه في حجر ه  واومىء  اليه ليقبله  فرماه حرملة  ابن كاهل  الأسدي  بسهم فوقع  في نحره  وذبحه  وورد في رواية الكعبي  انه اراد ان يودع  الرضيع ..   ولم يأخذه طلبا للاستسقاء  كما يروي بعض الخطباء  المتأخرين  واما في مقتل  الحسين عليه السلام  يقول ( رماه ابو الحتوف بحجر وقيل بسهم ) ويقول نزل  سنان وقيل شمر  اليه فذبحه  فالمهم ان مثل  هذه الامور  البسيطة  لاتفقد من الجوهر التاريخي شيئا ... ومثل هذه القراءة تركت لدينا بعض الانطباعات  المهمة فمثلا اعترض  ذات يوم  معترض عن  قول يرد في زيارة الحسين  عليه السلام ( لعن االله امة  قتلتك ولعن الله  امة سمعت بذلك فرضيت به ) في حين  يعتقد زهير بن القين  رحمه الله  في خطبته يوم الطف  والتي وردت  في نص  المقتل  .. ان حرب  الحسين ستفصم  عصمة هذه  الامة  وتلك حقيقة ما زلنا  نؤمن بها فربما الواقع  ما قبل الطف  كان يحمل سمة  الخلاف اما بعد الواقعة تحقق مفهوم  زهير بن القين  ( نحن وانتم امة مالم يقع السيف فان وقع كنا امة ....وكنتم امة ) اي ان قتالهم للحسين عليه السلام  اسقط عنهم  الهوية  الاسلامية  وهذا رد  شافي لمثل  هكذا معترض ... كما نجد ان التكوين  العام لنوعية المقاتلين  مع الحسين عليهم السلام  كان اغلبهم من العلماء وقراء القرآن  ولذلك كانت اغلب العيوب التي يشخصونها عند اتباع الطرف السلبي  هو عدم احتكامهم لآيات الكتاب الشريف ..  ، نسمع زهير  يقول للشمر  ( والله ما اظنك  تحكم من كتاب الله آيتين  فابشر بالخزي  يوم القيامة  والعذاب الأليم ) فهذه هي مفاهيم  الانصار لمعنى  الدين  وتمسكهم بالكتاب  هو الذي  حفز  الصحوة للنصرة  ... والمكوث  عند محور  الحر بن يزيد  الرياحي  يعطينا اكثر من مدلول  فمثلا يقول  قرة بن قيس ( ظننت  والله انه يريد ان ينتحي ) فبعدما  انكشفت الامور  تدهورت نفسية  الجيش  وكان المتوقع  ان ينتحي  الجيش  بينما نسمع المهاجر بن  آوس يقول للحر ( ان امرك لمريب  والله ما  رايت  منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل  لي من اشجع أهل الكوفة ما عدوتك )  فهذا الذي ظنه  المهاجر جبنا وخوفا  لم يكن الا مخاض ولادة لخيار انساني يمضي قدما  في سبل الشهادة  ، واما قول الحسين عليه السلام لعمر بن سعد ( اتريد ان يطلبك بنوهاشم باكثر من دم مسلم ) فلو لم يقتل الحسين  واهل بيته  لكان دم مسلم  وحده كافيا ليورثنا  الحزن والالم  .. أي ان الحسين ( ع) دخل  اجواء المعركة قبل عوالم الطف مرغما لكننا نجده عليه السلام لاير يد ان يبدأ  القتال  ولم يذكر شيئا  بالتركيز على دم مسلم  كي لايقال  انه طالب ثأر  وتحدد المسألة عند اهل الغرض التفسيري والتزييف باطارها الشخصي .. 

كما نجد مدلولا  مهما  في نص خطابه  ( اعوذ بربي و ربكم  من كل متكبر  لايؤمن  بيوم الحساب ) يعني ان الذي  يجري  ماهو الا نوع من انواع  التكبر والطغيان  على الله ورسوله وأهل بيته  .. ونجد ان تفكير الحسين عليه السلام طوال  الواقعة دفاعيا  وليس هجوميا ... كل مايريده  الحسين عليه السلام  هو الدفاع  عن المبدأ  ... والمتن الروائي للواقعة يعكس الكثير  من هذه المفاهيم  ويعكس ايضا  المفاهيم  الهجومية  التي كانت  تعشعش في عقلية  جيش ابن سعد .. حيث لم يستقر  لحال بعد ولم يبدأ  أي فعل  يعكس  طبيعة الاشياء  ( واقبلوا يجولون  حول البيوت ) أي ان فعلهم الاول كان هجوميا ..  كما نرى  ان عدم سماح الحسين عليه السلام  لحبيب بن مظاهر ولبرير بن خضير لمبارزة يسار مولى زياد  وسالم مولى ابن زياد.. وفي نفس الوقت وافق لأستئذان  عبد الله بن عمير الكلبي ...هذا الموقف يفسر عندنا لأحتمالين  الاول .. ان شهرة  الرجلين ووقارهما لايسمحان  لمبارزة مولى غير جدير  بان يكون قرينا لهما  ولايريد للعبد ان يعود بهيئة منتصر  .. اما الاحتمال الثاني  انه اراد ان يضمن نصر هذه المبارزة  وهذه النقطة بالتحديد هي التي اراد النص  ان يقربها لنا من خلال صيغة الكلام .. وكان طويلا  بعيد المنكبين  فنظر الحسين (ع) اليه وقال  ( أني احسبه للاقران قتالا ) ثم نجد  قيمة  النبوءة  التي اطلقها  الحسين (ع) في دعائه ( وسلط عليهم غلام ثقيف  يسقيهم  كأسا مصبرة ولا يدع فيهم أحدا إلا قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي واهل بيتي واشياعي منهم ) ولو تابعنا وتأملنا( الدربكة التي حصلت  عند حز راس الحسين .. فنجد ان عمر بن سعد يقول لسنان  بن انس  .. أنزل ويحك  الى الحسين فأرحه  وسنان يقول  لخولي بن يزيد  أحتز راسه  وخولي يضعف ويرعد ويقول  له شمر  ( فت الله في عضدك  مالك ترعد ) ونزل  سنان وقيل شمر اليه  فذبحه  ثم احتز راسه  الشريف  من القفا  الا يعني  وجود خارقة  اثر قبلة الرسول (ص)  في العنق فلذلك صار الذبح من القفا ....  ومن ثم نجد  هناك ثيمات لابد ان نقف عندها متأملين فمثلا  نجاة زين العابدين علي بن الحسين من القتل .. هذه نقطة  متأملة لابد ان نقف عندها فمن لم يرحم  طفلا رضيعا  ويذبحه من الوريد   ومن لم يرأف  قلبه لحال طفلة اضرمتها النيران  كيف يحن قلبه فجأة  ويرحم فتى عليلا  .. كيف  . اليست في هذه المسألة الكثير  من الغرائبية  .. الا يعني ان هناك تدخلا  ربانيا  بانتقال قوة السر الاعظم  الى زين العابدين عليه السلام  وما نسميه بعصمة الامامة  ... 

    
أخترنا لك
قراءة انطباعية... في كتاب(ينابيع الحبِّ الإلهي)

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة