بوح في خاطر تعقيب..

2021/02/13

قال:ـ هناك اشتباه مسنا منه ضر كبير، حيث نسب البعض لنا عمرو بن ود العامري، ونحن البو عامر، يرجع نسب تسميتنا الى جدنا الأعلى عامر بن عدي الطائي، بينما ابن ود هو من اولاد بن ود القرشي.
عقب ابن ود:ـ هذا الكلام صحيح، فأنا ابن ود فارس يليل، كنت أسير بفؤوسي مع عدد من أصحابي، فهجم علينا عشرة فرسان في واد، فهرب الجميع، وثبت لوحدي أصارعهم فغلبتهم جميعاً.. وأكمل الحديث.. 
:ـ لمّا نقضت بنو قريظة صلحها مع النبي، انضمَّت إلى صفوفنا، تغيَّر ميزان القوى لصالحنا، فتحزّبت قريش والقبائل الأُخرى، ومعهم اليهود على المسلمين، وكان يقود الأحزاب أبو سفيان، فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل، ممَّا أدَّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين، وتزَلْزَلَت نفوسهم، وظَنّوا حتى بربهم الظنونا.
سمعنا ان النبي استشار أصحابه في معالجة الهجوم المتوقّع من قبل العدو على المدينة المنوّرة، فأجمع رأيهم على البقاء في المدينة، ومحاربة القوم إن جاؤوا إليهم، كما توصّلوا إلى حفر خندق يحصّنهم منا. 
 فبدؤوا بحفر الخندق حول المدينة باتجاهنا، وسمعنا ان النبي خرج النبي مع المسلمين ليشاركهم في حفر هذا الخندق، وتقسيم العمل بينهم، وكان يحثّهم ويقول: (لا عيش إلاّ عيش الآخرة، اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة).
ومع هذا قد نجحنا في تثبيط العمل رغم الهمّة والحماس الذي أبداه المسلمون. 
لقد استطاعت مجموعة منا عبور الخندق، وكنت انا من بينهم، فرحت أصول وأجول، وأتوعَّد وأتفاخر ببطولتي، وهذا حقي لكوني انادي: هل من مبارز؟ فلم يجبني أحد..! قلت حينها راجزاً: 
ولَقَدْ بُحِحْتُ من النداء ... بجمعكم هَلْ مِنْ مُبارز 
وَوَقفْتُ إذ جَبنَ المُشَجَّعُ ... مَوقفَ البَطَل المناجِز 
إنّي كذلك لم أزلْ ... متسرّعاً نحو الهزاهز 
إنّ السماحة والشجاعة ... في الفتى خيْرُ الغرائز
رأيت فتى قوم ليبارزني وهو ينادي: (أنَا لَهُ يا رَسولَ الله) عرفت بعد ذلك أنه الفتى علي بن أبي طالب.. يا حسرتي كيف يتجرأ ليقدم نفسه أمامي، وأمام تاريخي وسطوتي؟ من أين له كل هذه الجرأة؟ وها هم كبار القوم يخافون مواجهتي، فأقنعت نفسي بأن الفتى يجهلني وإلا ما فعلها. 
فقال له نبيه: (اجلس، إنّه عمرو) وهذا يعني أن كبيرهم عرف مقامي وشجاعتي.. لكن فار دمي حين قال الفتى علي:ـ (وإن كان عمرواً). فعند ذلك أذن له، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه دِرعه، وعمَّمه بعمامَتِه، ثمّ رفع نبيهم رأسه الى السماء، وهو يناجي ربه: (إلهي أخذت عبيدة منّي يوم بدر، وحمزة يوم أُحد، وهذا أخي، وابن عمّي، فلا تَذَرني فرداً، وأنت خير الوارثين). وقال: (برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه). وتقدم الفتى علي نحوي، قلت مع نفسي: لقد فعلها هذا الفتى الواثق من نفسه، شاب كلّه ثقة بنفسه وبربه ونصره له، وهو يقول: 
لا تعجلنَّ فقد أتاك ... مجيبُ صوتكَ غير عاجز 
ذُو نيةٍ وَبصيرة ... والصدقُ مُنجي كلّ فائز 
إنّي لأرجو أن أُقيمَ ... عليكَ نائحة الجنائز 
مِنْ ضَرْبَةٍ نَجلاء يَبقى ... ذكرُها عِندَ الهَزاهِز
 انه يتحداني هذا الفتى، بل ربما يسخر من قوتي ثمّ خاطبني بلهجة الواثق من نفسه: (يا عمرو، إنّك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلاّ قبلتها). قلت: أجل. 
فقال الفتى علي: (فإنّي أدعوك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وتسلم لربّ العالمين). 
قلت له وانا تحت سطوة اندهاشي لهذا الفتى الذي سيغلبني بما يمتلك من ثقة: يا ابن أخي أخّر عنّي هذه. فقال لي: (أما أنّها خير لك لو أخذتها). ثمّ قال: (وأُخرى ترجع إلى بلادك، فإن يك محمّد صادقاً كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذباً كان الذي تريد). قلت: هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً. ثمّ قال الفتى علي: (فالثالثة، أدعوكَ إلى البراز). قلت: إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أن أحداً من العرب يرومني عليها.. إنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك لي نديماً.
 ردَّ الفتى علي قائلاً: (لكنِّي والله أحِبّ أن أقتلَكَ). غضبت حينها، فقال: (كيف أقاتلك وأنت فارس، ولكن انزل معي). فاقتحمت عن فرسي فعقرته، وسلّلت سيفي كأنّه شعلة نار، وأقبلت على الفتى علي، فصدَّني برباطة جأش، وأرداني قتيلاً، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين. فأدركت حينها لا يخسر جيش وبه مثل هذا الفتى علي.
أخترنا لك
رغيف انطباعي .... السيد احمد نوري الحكيم

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة