تمسرحات حسينية.. قراءة انطباعية في نصّ مسرحية (الرأس على القنا) للكاتب المسرحي: خيري مزبان

2020/02/02

   وهي من النصوص المشاركة في مهرجان المسرح الحسيني في العتبة العباسية المقدسة، يرتكز النص على أربعة فضاءات مرجعية تاريخية، لكنه يتعامل معها بأسلوب يكاد يكون شعرياً، فكان الفضاء الأول لحظة الاستشهاد وقطع الرأس الشريف، فقد أرعب هذا المشهد قلوب القتلة، فما عادوا يقدرون على التقرب من الحسين (عليه السلام).

 علينا أن ننتبه الى قوة المرتكز التأويلي، فأولئك القتلة الذين فعلوا كل شيء، لكنهم وقفوا مرتبكين في مشهد حز الرأس..! الكاتب يفاجئنا بأمنية الحسين (عليه السلام): ((ليت دمي يصنع للعالم سلاماً))، هذا السلام الذي بين عينيه نور، هو ما ارعب القتلة.
 يقول احدهم: (نظرته.. شلت سيفي)، ولكي يهربوا من سلام عينيه.. ذبحوه من القفا، وهذا تناص مع الواقع التاريخي، أي نهل من واقع الطف مشهده النصي، وليكون واضحا في التعامل مع الواقع التاريخي، فكان قريباً بهذا الوضوح من متلقيه.
وفي الفضاء الثاني، ينفتح النص الى حوارية بين ابن زياد والرأس المبارك في منطلق مدرك الوعي لمفهوم النص ابن زياد يرى ان هذا النص هو حجم انتقام السلطة الاموية من الحسين (عليه السلام) والرأس يحاور: نصر عقيم.. ستنتصر دماء الحق على سياط الجلادين.. وليفلسف رأس الحسين (عليه السلام) فلسفة الخلود للطغاة.
:ــ الميت من كان يحيا في ضلال مهين.. والحي من هو في روح الله يحيا.
ابن زياد:ــ ألم تمت بعد يا حسين؟ 
رأس الحسين:ــ ولن اموت.
وفي الفضاء الثالث، تبدأ حوارات الطريق، من هذا المرتكز يتجلى السعي التأويلي ليتعدى قيد المدون النصي وحتى الواقعي بلا حقيقة مؤولة بعد تحاور الجندي مع رأس الحسين (عليه السلام) نكتشف الطامة الكبرى التي تسلط فيها عن جهل يخفي المكانة المقدسة، وحين تعرف في الطريق طلب الجندي من الرأس الصفح.. الصفح حتى بعد الذبح.. يحاوره الحسين:ــ لن يفيدك من صفح, لكنه يرشده على مكان الصفح وإعادة الحياة: (اغتنم اللحظة والموقف وتقدم كي تسجل موقفك امام الله وامام ضميرك.. افصح ليعرف العالم أي جريمة ارتكبت..).
 وفي نفس هذا الفضاء، يلج بالوعي الإنساني في زي الراهب:
الراهب:ــ يا مطفئي نور الحضارة والحقيقة والسلام (بغضب).. يا خانقي الاحلام.. اشعلتم ضراوة الانتقام.
 ويدخل هنا سؤال الحقيقة في منطق جاد حاد:ــ هل فيكم بعد هذا اليوم مسلم..؟
الراهب (مع الرأس):ــ من ينسى رأساً رتلت له الملائكة؛ كي يغفو..؟ أيها الرأس المقدس، كيف تؤسر في التراب وانت عصارة الحياة..؟ احتاج لبث هيامي ان اصرخ حتى ينزف صوتي حتى الموت، او يختل كياني الساعة حتى ادرك موقع قدمي.
 وفي الفضاء الرابع، وصول رأس الحسين الى قصر يزيد:
يزيد:ــ لقد شفيت النفس بموتك يا حسين. 
رأس الحسين:ــ ان مثلي لا يموت. 
امتلك النص بنية حوارية تنفتح على مساعي التأويل:
يزيد:ــ من الغالب يا حسين؟ 
رأس الحسين:ــ عند كل اذان يرفع باسم الله ستدرك من فينا الغالب..!
كسر هذا النص رتابة المنظور الوعظي ليصل عبر تلك الحواريات الى خلق مساحة لوعظ مؤثر، فالرأس يحاور الناس ليعطي ثمرة النص المسرحي.
الحسين:ــ سأظل اقتل كلما سكت الغيور، وكلما اخفى الصغور، واذا ارتقى الانسان ذله فانا سأذبح من جديد..
نص مبدع لكاتب مسرحي بروح شاعر..

مسرح

أخترنا لك
توصيفات جدي الكحّال بن طرخان "الحلتيت"

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة