العلاج بالموسيقى تقليد توراتي.

2022/10/23

العلاج بالموسيقى تقليد توراتي.
مصطفى الهادي.
(تتميز الموسيقى عن الفنون الأخرى، بخاصية الأثر الشعوري المباشر بلا وسيط ذهني فتجعل السامع مثلا يبكي ويضحك ويكتئب ويُجن . وهذا ما جعلها (خطِرة) بشكل ما؛ فهي قادرة على تغيير الحالة النفسية للسامع دون أن تحمل فكرة. وهي النقطة التي توقفت عندها فلسفة الموسيقى في كل عصورها: هل يمكن للموسيقى أن تحمل مضمونًا؟
أجاب غالبية فلاسفة الموسيقى أن الموسيقى شكلٌ بلا مضمون، ومع ذلك فهي أكثر الفنون قدرة على الانتشار بسبب أن الصوت ينتقل في كل الاتجاهات، فقد تتسرب الموسيقى إلى أماكن مغلقة الأبواب، والنوافذ. ولأنها لا تحمل أفكارًا، فهي (متعة بلا ثقافة) كما قال كانط، يعني أنها لذة لا تحمل لنا فكرة ذات قيمة. ولهذا أعلى كانط وهيجل من شأن الشعر على حساب الموسيقى. وقبلهما فعل ذلك فيلسوف مصر أفلوطين. ومع كل ذلك فإن انتشار الموسيقى أكبر من كل الفنون؛ بسبب طبيعة الصوت نفسها.(1)
وأما الغرب في ثقافته فإن الموسيقى اصلها من الشيطان ، وفي أدبياتهم فإن هناك أساطير عدة تشير إلى عقد بعض الموسيقيين القدامى لصفقات مع الشيطان نفسه.
وتتجسد صورة الشيطان في أعمال كبار الموسيقيين العالمين حيث يُظهرونه شخصيًا ودراميًا وعددهم كبير لا حصر لهم حيث يظهر الشيطان في أعمالهم امثال: (فالسات مفيستو الأربعة) لفرانز ليست، حيث أن مفيستوفيليس هو اسم شيطان فاوست، أو مثلا أوبرا (لعنة فاوست) لبرليوز . أو (وداع لوسيفر) لشتوكهاوزن . هذه الأعمال تُجسد الشيطان كشخص لا كرمز. ولكن بعض مشاهير الموسيقى أيضا يُظهرون جواً شيطانيا يتجسد من خلال موسيقاهم يتميز من خلاله العبث، والشهوانية، والضحكات الشريرة،واشهرها العمل الكورالي (كارمينا بورانا) لكارل أورف، و(رقصة المقابر) لشارل كامي سان صانص، أو (ليلة على الجبل الأجرد) لموسورسكي، أو (سْكرتسو) السيمفونية السادسة لتشايكوفسكي ، أو الحركة الرابعة (العاصفة) من سيمفونية بيتهوفن السادسة. بموسيقاهم هذه يُلقنون الناس معاني التمرد والثورة وتأليه الفرد، وتمجّد التناقض والتنافر واللانغمية، أي إنها أقرب إلى الشيطانية الرومانسية، أو الهيومانية، ولعل الموسيقار الإيطالي جوسبي تارتيني اشهر من اعترف بأن أشهر معزوفاته التي ا طلق عليها اسم (الشيطان) قال عنها بأن الشيطان كان وراء هذه المعزوفة.
من هنا نرى القديس الكاثوليكي المسيحي توما الاكويني قد أفتى بحرمة الموسيقى في حرم الكنائس ـ في الخلاصة اللاهوتية ـ (2) توما الأكويني، الذي يتقاسم مع أوغسطين المكانة الأسمى في الفلسفة المسيحية بأسرها، يصل إلى أعلى درجات القطع في منع استعمال المعازف في حرم الكنيسة، حتى لغرض الثناء على الله.ثم يضيف توما الاكويني قائلا : يجب أن لا نتشبّه باليهود.
ومثله نرى موسى بن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي يُقارَن بفيلون السكندري في الأهمية، فيقول: أن النص المقدس في التلمود، يحرِّم الموسيقى والغناء على اليهود قطعيًّا، سواءً استعملت في الغناء الآلاتُ أو اكتفي فيه بالأصوات البشرية.
وأما في الإسلام فإن الموسيقى مختلف فيها ما بين محرّم لها ومحلل. وأتفق على تحريمها من السنّة: القرطبي وأبو الطيب الطبري وابن الصلاح، وابن القيم، وابن رجب الحنبلي، وابن حجر الهيتمي وابن تيمية. بينما رأى تحليلها ابن حزم وابن القيسراني، ومحمد الشوكاني وأبي حامد الغزالي، والعز بن عبد السلام، وعبد الغني النابلسي، وغيرهم.(3)
فمن أين قالوا بان العلاج بالموسيقى يُشفي المرضى . طبعا لا اساس علمي لذلك إنما هو رأي التوراة اليهودية التي تُريد ان تُرسّخ في الذهن أن نبي الله داود كان موسيقيا بارعا فيروون قصة طويلة عريضة في ذلك نختصرها بقول التوراة : ( لما رفض الله شاول ــ نبي وملك اليهود ــ اعتراه روح شرير. وإذ ظهرت دلائل انحراف عقله فنصحهُ أتباعه أن يُلحق ضاربًا بالقيثار بخدمته لكي يهدئ من روعه بموسيقاه عندما يهيج وتضطرب حاله. وذكروا له داود كلاعب ماهر فدعا شاول داود، وقد أفاد كثيرًا بموسيقاه وتحسنت حالة الملك). (4)
من هنا بدات مسيرة الموسيقى كعلاج واختلقوا لها عالم خاص بها ثم اضافوا بأن اول من اكتشف الغناء والموسيقى هو أبينا (آدم). حيث اختلقوا قصة خرافية تمجها الأسماع يقولون فيها : (لمّا قتل قابيل اخاه هابيل ، اخذ آدم جثته وعلقها على شجرة لكي ينوح عليه كل يوم وبعد مرور فترة وتفسخ الجثة بقيت رجله معلقة بالاعصاب، فحاول انزال الرجل فضربت اصابعه على اوتار الساق فعزفت ، فقام آدم بتأليف قصيدة وغنّاها على انغام اوتار الساق والقصيدة تقول :
تغيّرت البلاد ومن عليها … فوجه الأرض مغبرّ قبيح
تغيّر كلّ ذي طعم ولون … وقلّ بشاشة الوجه المليح. (5)
بالرجوع إلى المصدر الأقدم والأول الذي أشاع أن الموسيقى تُستخدم كعلاج نفسي نجد أن التوراة هي من فعلت ذلك ومنها تسللت إلى الثقافات الأخرى.والأنكى من ذلك أنهم ادخلوا الموسيقى في كل عباداتهم كما تخبرنا التوراة عن داود بأنه (جعل مناظرين على بيت الرب قسّمهم داود بالفرح والغناء ، وأمر داود الرؤساء أن يوقفوا المغنين بآلات الغناء، بعيدان ورباب وصنوج مسمعين برفع الصوت بفرح وهؤلاء هم الذين أقامهم داود على الغناء في بيت الرب ، وداود وكل بيت إسرائيل يرقصون أمام الرب).(6)
ويؤكد صموئيل بأن الطرب والغناء والرقص والضرب بجميع انواع آلات الموسيقى (صنوج ، رباب، عيدان، سنطير، دفوف ، جنوك ، أبواق).(7) مع الغناء والطرب والرقص في بيت الله بأمر من داود النبي وهو أول من أسس فرقة الغناء (جوقة) المتكونة من (245) عازف ومطرب وراقص؟! وفي اخبار الأيام يقول : أن داود هو من أمر بذلك (لأجل الغناء في بيت الرب بالصنوج والرباب والعيدان والسنطور، لخدمة بيت الله). ( 8 )
من هذه الأجواء المسمومة والمليئة بالدجل والسحر والتآمر، من المعابد السوداء المظلمة والكهنة ذوي اللحى الطويلة المليئة بعفن دخان المذابح ومن بين رائحة الخمور ودخان الاضاحي خرجت لنا كل وسائل الغناء والطرب بأدواتها وآلاتها المتنوعة ، وكلها ينسبونها لأنبياء الله وان الله يُسرّ بذلك ويفرح. (رنموا لله ارفعوا نغمة وهاتوا دفا، عودا حلوا مع رباب خذوا مزمورًا واضربوا دفًا وكنارة مطربة مع قيثار، أشرفت ميكال بنت شاول من الكوة ورأت الملك داود يطفر ويرقص أمام الرب، فاحتقرته).(9)
المصادر:
1- كريم الصياد، مقال تحت عنوان (مزامير الشيطان: لماذا حاربت الأديان الموسيقى؟) نشر في 11/12/2021 في موقع اضاءات . contact@ida2at.com
2- قصة الحضارة ديورانت ول ج22 ص: 17.
3- قال (ص) : (الغناء والموسيقى رقية الزنى). أي وسيلة أو طريق يؤدي الى الزنى.بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٦ - الصفحة ٢٤٧.
4- قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة: دَاوُد. (وذهب روح الرب من عند شاول، وبغته روح رديء من قبل الرب. فقال عبيد شاول له: فليأمر سيدنا عبيده قدامه أن يفتشوا على رجل يحسن الضرب بالعود. ويكون إذا كان عليك الروح الرديء من قبل الله، أنه يضرب بيده فتطيب. فقال شاول لعبيده: انظروا لي رجلا يحسن الضرب على العود وأتوا به إلي. فأجاب واحد من الغلمان وقال: هوذا قد رأيت داوُد يحسن الضرب، فجاء داود إلى شاول ووقف أمامه، وكان عندما جاء الروح من قبل الله على شاول أن داود أخذ العود وضرب بيده، فكان يرتاح شاول ويطيب ويذهب عنه الروح الرديء).سفر صموئيل الأول 16 : 14.
5- هذان البيتان منسوبان إلى أبينا آدم عليه السّلام،وقد اوردتهما مصادر كثيرة وقد يكون آدم قالهما، ولكن ليس بلفظهما، وإنما قال معناهما، أو أن الشاعر ترجم عن حال آدم عليه السّلام عند ما قتل قابيل أخاه هابيل.انظر كتاب همع الهوامع شرح جمع الجوامع في علم العربية : جلال الدين السيوطي ج2 ص : 156.عيون أخبار الرضا (ع) - الشيخ الصدوق - ج ٢ - الصفحة ٢٢٠.
6- سفر أخبار الأيام الثاني 23 : 18 وسفر أخبار الأيام الأول 15: 16.
7- وسفر صموئيل الثاني 6: 5.
8- في سفر اخبار الأيام 25 : 6.
9- سفر صموئيل الثاني 6: 16.
أخترنا لك
دلالات عمود النار وعمود السحاب في الروايات .

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة