مريم العذراء بين الإنجيل والقرآن.

2021/12/25

مريم العذراء بين الإنجيل والقرآن.
مصطفى الهادي.
اليوم وبمناسبة الأيام الفاطمية فإن بحثنا حول الصديقة مريم العذراء التي حسب رواياتنا أنها وآسية بنت مزاحم زارتا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عند ولادتها للصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.(1)
من المؤلم حقا أن تتعمد التعمية والتغطية على الفضائل لا بل ازالتها او تشويهها خدمة لمصالح آنية ضيّقة تقف ورائها انانية مفرطة وحسد مقيت. وهذا ما تعرّض له الكثير من الأنبياء وأوصيائهم والصلحاء وحتى المبدعين. والأخطر من ذلك سرقة هذه الفضائل واضفائها على أشخاص لا قيمة لهم.خصوصا إذا تم احاطتها بهالة من القدسية الدينية.
ولعل المؤلم حقا هو أنك عندما تبحث وتعرف الحقيقة الدامغة وتضعها للناس يرفضوها ولربما يعتبروك زائغ العقيدة كافرا. والسبب أن المزيف انفقوا عليه الكثير من المال والوقت حتى استحكم بنائه وأصبح عصيّا على الهدم والتغيير، وعلى رأس هؤلاء يقف اليهود ومن تتلمذ على أيديهم.
فمنذ أن بدأت الخطوات الأولى لبني إسرائيل على هذه الأرض بدأوا بسرقة تراث الشعوب والزعم أنها لهم وإلى هذا اليوم فهم ينسبون كل الابداعات والاختراعات لهم حتى الجوائز التي يُقدمونها للمبدعين اطلقوا عليها اسماء مشاهير اليهود ولو بحثت وراء كل يهودي زعم أنه اكتشف او ابدع لوجدت خلفه جهود هائلة بذلها علماء مهدوا الطريق لهذا الاكتشاف أو ذاك فاستحوذ اليهود عليها ونسبوها لهم. ولعل أقذر ما قاموا به هو كتابة الأناجيل باسم اربعة من اليهود هم (متى ، لوقا ، مرقس، يوحنا). ليكون امتياز كتابة الأناجيل الأربعة لليهود، فدسّوا ما دسوّا فيه.
وكذلك نرى على المستوى الديني أن اليهود اكبر قراصنة انجازات الانبياء ودائما ما ينسبون فضل ما يقوم به الانبياء إلى أنفسهم حيث يزرعون شخصية من شخصياتهم في دعوة الأنبياء ويرفعون من شأنه حتى ينسى الناس الأنبياء ولا يذكرون إلا من رفعه اليهود. غايتنا من وراء هذا الكلام هو ما حصل في قصة مريم العذراء وابنها السيد المسيح عليهم السلام . حيث يخبرنا القرآن عن قصتهما بما ينسف كل ما ورد في الكتاب المقدس (الإنجيل).
الإنجيل يجعل من مريم العذراء امرأة هامشية فهي مجرد وعاء حملت بالسيد المسيح وانتهى دورها ، اما الدور الحقيقي فقد نسبوه ليوسف، فجعلوه أبا للسيد المسيح ، وأنه هو الذي وقف بوجه قيصر الروم وانقذ مريم وابنها من الذبح مخاطرا بحياته وأن الوحي كان ينزل عليه ليرشده وليس على مريم او ابنها السيد المسيح. ففي إنجيل متى يقول : (يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح). (2)
ففي هذا النص يزعمون أن السيد المسيح هو ابن يوسف النجار.بينما يذهب القرآن إلى أن السيد المسيح كان معجزة إلهية فلا أب لهُ. ولكن الإنجيل يبقى مصرا على الخطأ حيث يذكر لنا متى أيضا بأن الشائع عند اليهود أن عيسى هو ابن يوسف النجار وأن له اخوة من أمه مريم كما نقرأ : (أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم، وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟).(3)
القرآن ينفي زواج مريم نفيا قاطعا ويقول : ( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ). (4) ومريم نفسها تؤكد عفتها وتنفي أن يكون بشر قد مسّها : ( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ). (5) فنفت مريم أن تكون متزوجة ، ونفت أيضا التهمة التي الصقها بها يوسف النجار من أنها زانية كما يذكر الإنجيل (فيوسف رجلها ، لم يشأ أن يشهرها، أراد تخليتها سرا).(5) فيوسف كما يزعم الإنجيل اكتشف خيانة مريم وحملها قبل أن يدخل بها، فاتهمها بالزنا وقرر عدم التشهير بها وأن يطردها من بيته سرا. ولكن القرآن ينفي كل ذلك ويدلنا على أن الذي تكفل بمريم هو زكريا وليس يوسف (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا). (7)
فالقرآن يخبرنا بأن من تكفّل بمريم هما الله تعالى والنبي زكريا .ولكن اليهود لا يعجبهم ذلك ، فحدثُ بهذا الحجم لابد ان ينسبوه لانفسهم او يجعلون لهم فيه ذكرا ، فوضعوا يوسف النجار في قصة مريم، وهو الذي اتهمها بالزنا وقرر طردها ، وكذلك نسبوا إليه منقبة آخرى بأن جعلوه الفدائي الذي قرر التضحية بحياته من أجل انقاذ مريم وابنها عيسى الذي قرر القيصر قتله عندما سمع بمولده كما يقول متى : (ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه).(????
وهذه أيضا نفاها القرآن نفيا قاطعا حيث نسب الله تعالى مسألة انقاذ مريم إلى نفسه وأنه هو من اتصل بمريم عن طريق الوحي وامرها أن تخرج إلى مكان بعيد لا سلطة لقيصر روما عليه وسهّل الله لها سبل الوصول من دون عناء ، مع أن المكان كان في الشرق الاقصى.ولما كانت مصر وسوريا والأردن واجزاء كبيرة من تركيا الحالية وصولا إلى آشور في شمال العراق كلها خاضعة تحت حكم الروم. فلابد أنها خرجت إلى العراق الذي كان وسطه وجنوبه يخضع لحكم الفرس الذين كانوا في حرب مع الدولة الرومية وهذا هو المكان المناسب وليس مصر كما يقول الانجيل : (خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر).
والدليل على ذلك كما اسلفنا أن العراق كان يخضع لحكم الفرس ومن هنا نرى الإنجيل يشطح وينسى زعمه أن مريم وابنها ذهبوا إلى مصر، فيقول : (ولما ولد يسوع ، إذا مجوس من المشرق قد جاءوا .. وأتوا، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا).(9) وإيران بالنسبة للعراق هي الشرق (البوابة الشرقية).
ويزعم الإنجيل أن هؤلاء الفرس المجوس جاؤوا إلى لىبيت لحم في فلسطين. والسؤال هو ماذا يفعل المجوس في فلسطين مقر الحاكم الروماني وقد كان العداء شديدا بين الفرس والروم والحروب مشتعلة، وإذا بثلاث من كبار الشخصيات الفارسية (10) يدخلون ارض الاعداء لا بل أن الإنجيل يزعم أن الوالي الروماني ارسل في طلب هؤلاء المجوس والتقى بهم وانهم ضحكوا عليه وسخروا منه وخرجوا آمنين إلى بلادهم. كما يقول متى : (لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدا).(11) ولم يذكر لنا الإنجيل عدد هؤلاء الفرس المجوس الذين زاروا السيد المسيح وأمه، ولربما كانوا وفدا كبيرا بعد أن عرفوا علامات موعد ولادة نبي في هذا المكان.
القرآن أصدق الحديث وقد أخبرنا بأن مريم تركت فلسطين واتجهت نحو الشرق (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا).والقرآن دقيق أيضا في وصفه للاماكن فلم يتوقف عند وصفه بأن المكان في الشرق (مكانا شرقيا) بل بيّن لنا أن هذا المكان بعيد جدا عن موطنها (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة). (12) وقصيًا: اسم مأخوذ من الفعل (قَصِيَ) وجمعه أقصاء، ومعناه: المكان البعيد. والذي يؤكد لنا صدق ما يذهب إليه القرآن هو وجود النخل (وهزي إليك بجذع النخلة). في حين أن الإنجيل يزعم أن السيد المسيح ولد في بيت لحم (ولد يسوع في بيت لحم اليهودية).(13) ومن المستحيل وإلى هذا اليوم أن يوجد في بيت لحم نخيل لأن المنطقة أرضها صخرية وليس فيها ماء سوى الآبار وهي باردة جدا في أغلب أيام السنة.
من كل ذلك يتبين لنا لماذا وصف الله اليهود بأوصاف قبيحة عديدة من بينها الكفر والطغيان، والسبب كما بيّنهُ لنا هو (قولهم على مريم بهتانا عظيما).(14)
المصادر :
1- يقول في البحار: (عند اقتراب موعد ولادة خديجة وجهت إلى نساء قريش أن تعالين لتلينّ مني ماتلي النساء من النساء. فأرسلن اليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا، وتزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً، فاغتمّت خديجة (عليها السلام) لذلك . فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم ، ففزعت منهمن لمّا رأتهن. قالت احداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رسل ربّك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران ، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله اليك). بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٣ – الصفحة 3. الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء(ع) ، الأنصاري الزنجاني، إسماعيل ج:1 ص: 135.
2- إنجيل متى 1: 16.
3- إنجيل متى 13: 55.
4- سورة التحريم ، آية : 12.
5- سورة مريم ، آية : 20.
6- إنجيل متى 1: 19.
7- سورة آل عمران آية : 37.
8- إنجيل متى 2: 13.
9- إنجيل متى 1 : 7.
10- لم يذكر الإنجيل عدد المجوس الذين زاروا السيد المسيح،ولا ندري من أين جاؤوا بهذا العدد.
11- إنجيل متى 2: 16.
12- سورة مريم آية : 22. وهناك روايات وردت في مصادر لا حصر لها تقول بأن المكان الشرقي أو الربوة هي كربلاء وهذه بعض المصادر التي تذكر ذلك : تهذيب‏الأحكام : 6 / 73 ، و وسائل‏الشيعة : 14 / 517. سعد السعود ص 45، السيد ابن طاووس . بحار الانوار ج 14 ، 208 ، الامالي للطوسي ص 223 .الخرائج والجرائح ج2، ص 67.الهداية الكبرى ص 400 ، الحسين بن حمدان الخصيبي . دلائل الامامة ص 180 ، محمد بن جرير الطبري . بحار الانوار ج 53 ، ص 12 ، ص 115، ط 2.بحار الانوار ج14، ص 216، باب 17 ، ولادة عيسى وفيه 32 حديثا.اصول الكافي ج1, ص 480, بحار الانوار ج 14, ص 217.
13- إنجيل متى 2: 1.
14- سورة النساء آية : 156.
أخترنا لك
من هو الهدى والنور، في التوراة والإنجيل والقرآن؟

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة