البكاء عند أهل السنة والجماعة. مصطفى الهادي

2019/08/31

مصطفى الهادي

دأبت المذاهب الإسلامية الأخرى على نقد مذهب أهل البيت في بكائه على قضية الامام الحسين (ع) وكلما تقدم الزمن تصاعد هذا النقد إلى أن تبلور عن الاتهام بالكفر والشرك لا بل إلى القتل حيث يقتلون كل من يؤسس عزاءا للامام الحسين كما حصل في البحرين والقمع في السعودية وتفجير الحسينيات في باكستان والعراق وما حصل إخيرا في مصر من اغلاق مقام رأس الامام الحسين (ع).

ولكن فات على أهل السنة والجماعة وخصوصا من تطرف منهم ، أن البكاء في مذاهبهم اشد منه في المذهب الشيعي فإذا كان عند الشيعة (بكّائون خمسة) فإن لدى أهل السنة عشرات الألوف من البكائين ، الذي يبكي بعضهم من دون سبب أو لاسباب تافهة كما سوف ترى ،وهذا العدد الكبير دفع بعض مؤرخي أهل السنة إلى تأليف الكتب مستعرضين سيرة هذه الألوف من البكائين. مثل ابن قيم الجوزي في المنتظم. (1) 
ولم يكن هؤلاء البكائين من عامة الناس بل من خيرة علماء أهل السنة وزهادهم وسوف استعرض بعض أخبار هؤلاء البكائين لكي يرى القارئ المحترم هل قام الشيعة بمثل ما يقوم به هؤلاء؟

1- يقول في المنتظم : الإمام المحدّث العابد الزاهد القدوة أبو زرعة حيوة بن شريح التجيبي المصري، شيخ الديار المصرية المتوفى 153 هـ كان من أشهر البكائين).

2- وكان أبا المعتمر التيمي (143هـ) من اشهر البكائين وقد غفر الله له بسبب البكاء حيث رأوه في المنام فقال : (غفر الله لي وأدناني وقرّبني).

3- وكان في زمن المنصور العباسي فرق من البكائين كما يقول ابن الجوزي وكان ابن ابجر من (البكائين) ليؤكد ابن الجوزي أن طائفة البكائين كانت فرقة معروفة في عصر أبي جعفر المنصور.
4- كهمس بن الحسن (ت 149هـ) كان يواصل البكاء علي سبب تافه حيث يُبين سبب بكائه فيقول : زارني أخ لي فاشتريت له سمكا فاحتجت ترابا لكي يغسل يده فأخذت من تراب جاري قبضة فغسل بها يده فأنا أبكي على هذا الذنب منذ أربعين سنة.

5- حرب بن حطان كان يبكي أكثر من ستين عاما لأنه فقد ناقته (البعيرة) فيقول في رثائها : (ومالي لا أبكي واندب ناقتي ــ إذا صدر الرعيان نحو المناهل).

6- وكان هشام بن حسان (ت147هـ) يبكي الليل بطوله حتى أثار دهشة جيرانه واخذوا يتسائلون : أي ذنب عمل هذا ليظل ليله باكيا؟

7- الحسن بن يزيد( ت 149هـ) ظل يبكي حتي عمى بصره .

8- هشام بن أبي عبد الله (ت153هـ) الذي أظلّمَ بصره من طول البكاء يقول المؤرخون: فكنت تراه ينظر إليك ولا يعرفك حتي تكلمه.

9- وظلت عبيدة بنت أبي كلاب ( ت163هـ) تبكي أربعين سنة حتي ذهب بصرها وعميت..!!

10- وكانوا يقيمون للبكاء حفلات جماعية يبكون فيها جماعات ، يحكي أشعث الحداني (ت 151هـ) إنهم ذهبوا إلي حبيب أبى محمد يسلمون عليه فأقاموا حفل بكاء فما زالوا يبكون حتى صلاة الظهر ، ثم صلوا الظهر وعادوا للبكاء حتي حضرت صلاة العصر ، وبعد صلاة العصر عادوا للبكاء حتي المغرب ثم بعد صلاة المغرب رجع كل منهم إلي داره بعد أن تواصوا علي الاستمرار في البكاء .. وكان بعضهم يتخذ من داره موطنا للبكاء تشارك معه فيه أسرته ليل نهار ، وهكذا كان يفعل الحسن بن صالح الذي مات بعد عهد المنصور في سنة 169 هـ وكانت تشاركه أمه وأخوه ، وكذلك كان يفعل ضيغم بن مالك (ت 146هـ) وكانت تشاركه أمه ومعها أهل بيته.

11- وحلف وهيب بن الورد بالله أن لا يراه الناس ضاحكا وأنه قرر لن يضحك أبدا فكانوا يأتونه بالوسادة فيظل يبكي عليها حتي تبتل من دموعه.

12- ومثله رواد العجلي (ت 165هـ) عاهد الله تعالي ألا يضحك حتي يري الله ، وكان يقضي ليله يصرخ فيأتي الناس يسألون أخته عن سبب صراخه بالليل ، وقد أصابه الإجهاد من طول البكاء حتي مات .
13- وكان رباح القيسي(ت 146هـ) يذهب إلي المقابر فيقوم بالبكاء والصراخ حتى يغشي عليه ويصحو ويبكي.

14- وأما أبو عتبة الخواص (ت 162هـ) فكان أحد مشاهير البكائين كان يسير في الشارع يأخذ بلحيته ويبكي وكان يترصد مجالس الواعظ حين يجتمع الناس فينطلق في البكاء حتي يشوش علي الناس فلا يفهمون كلام القارئ.

15- وكان زمعة بن صالح (160هـ) ضيفا في بيت ابن راشد الشيبانى ، فقام الليل يصلي ويبكي حتي أيقظ أهل الدار والجيران ، وعندما اقترب الفجر أخذ بالبكاء والصياح حتى غطى على صياح الديكة.

16- وكان سعيد بن السائب (ت 171هـ) لا تجف له دمعة ودموعه جارية أبدا ، إن صلي بكي وإن جلس بكي وإن عاتبه أحد بكي ، وكان يحلو له البكاء في حضور الناس.

لا بل وصل الحال أن بعضهم كان يبكي ولا يدري لماذا يبكي ، لمجرد انه رأى شخصا يبكي فقد نقل ابن الجوزي قال : خرج عطاء بن يسار حاجّا إلى المدينة ، ومعه أصحاب له ، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلًا لبدوية فأخذ عطاء يُصلي ويبكي فبكت البدوية لبكائه وبينما هما كذلك إذ جاء صديقه فلما نظر إلى عطاء يبكي والمرأة بين يديه تبكي جلس في ناحية البيت يبكي لبكائها ولا يدري ما أبكاهما. وجعل أصحابهما يأتون رجلًا رجلًا كلما أتى رجل فرآهم يبكون جلس فبكى لبكائهم ولا يدرون مم بكائهم، حتى كثر البكاء وعلا الصوت حتى خشى أهل الحي أن تنزل بهم قارعة.

هذه نبذة يسيرة عن اشهر البكائين عند أهل السنة والجماعة حيث اعتبر اهل السنة أن بكاء هؤلاء منقبة عظيمة يغفر الله لهم ذنوبهم بسبب هذا البكاء ويدخلهم الجنة لا بل يُقربهم منه ، مع أن بكاء هؤلاء إما لفقدان بعيرة ، او يبكون لا يدرون سبب بكائهم أو يبكون رياءا لكي يراهم الناس.

أنا لا أدري لماذا لا يتحسس أهل السنة والجماعة من بكاء من ذكرناهم ، ولكنهم يتحسسون من مراثي الحسين واخته زينب والبكاء على مأساتهم .

ومن طريق ما أذكره عن أهل السنة والجماعة أننا عندما كنا في المدارس وفي طول العالم العربي والإسلامي وعرضه كانوا يُقدمون لنا في مادة الأدب العربي ديوان الخنساء فكنا نقرأ عن الخنساء وشعرها ومراثيها (الخنساء واسمها تماضر بنت عمرو السلمية) والتي بكت ورثت اخويها صخر ومعاوية اللذان قتلا في زمن الجاهلية ، فلم ينتقد احد ما قامت به الخنساء طيلة عشرات السنين وامتد ذلك بعد الخنساء إلى مئآت السنين نقرأ المراثي الشعرية أو (البكائيات) التي كتبتها الخنساء على فقد اخويها وهم من الجاهليين اللذان قتلا دفاعا عن قيم الجاهلية.

اذهب إلى كتب الادب العربي وانظر كيف يتم تقديس هذه البكائيات حتى انهم نشروها في الموسوعة العالمية للشعر العربي . وتمثيل الافلام الطويلة عن بكائيات الخنساء وشعر الخنساء وحياة الخنساء ، وهي امرأة مسلمة عادية مجرد شاعرة.

ومما يُروى عنها انها لم تزل تبكي على أخويها صخرًا ومعاوية حتى أدركت الإسلام وأسلمت فأقبل بها بنو عمها إلى عمر بن الخطاب وهي عجوز كبيرة فقالوا: هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي.
فقال لها عمر: (اتقي الله وأيقني بالموت فقالت: أنا أبكي أبي وخيري مضر: صخرًا ومعاوية، وإني لموقنة بالموت، فقال عمر: أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت: ذاك أشد لبكائي عليهم؛ فرقّ عمر لها فقال: خلوا عجوزكم لا أبا لكم، فكل امرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي).(2)

وتمضي الخنساء مع الإسلام فتنسى كثيراً من عادات الجاهلية، ولكنها لا تنسى السادات من مضر وقتلاها في الجاهلية ، ولا يفارقها الوجد عليهم، والبكاء من أجلهم مع أن الإسلام ذهب بحمية الجاهلية.

ومع أن الخنساء كانت تبكي قتلاها في الجاهلية إلا أن الرسول(ص) وسلم كان يستنشدها شعرها، ويستزيدها - وهو مصغ إليها يستحسن شعرها ويقول لها : هيه يا خناس! ويومئ بيده. وقد أبى عليه قلبه الكبير ان يزجرها او ان يلومها.

ومن غريب ما قامت به الخنساء أنها لم تبك على أولادها الأربعة اللذين استشهدوا في الإسلام كما بكت على اخويها صخرا ومعاوية قتيلا الجاهلية. فلم نر من أهل السنة من ينتقد بكائها هذا.

واليوم هناك من يزدري بقضية الامام الحسين عليه السلام والبكاء على الحسين وحزن اخته زينب عليه ، فهل نقيس الخنساء بزينب ، او نقيس أخويها معاوية وصخرا بالحسين والعباس. 
مالكم كيف تحكمون.

الراجي شفاعتكم مصطفى الهادي
المصادر : 
1- الاشارات عن البكائين تجدها فى تاريخ المنتظم لابن الجوزى :
ج 7 صفحات : 85ـ ، 90 ، 136 ـ ، 155 ، 188 ، 197 ، 204 ـ ، 218 ، 219 ، 227 ، 268 ، 279 ، 291 ، 319 ، 323 ، 327 .
ج 8 . صفحات :98 ، 77 ، 172 ،173 ، 97 ، 109 ، 117 ، 119 ، 125 ، 150 ، 186 ، 200 ، 268 ، 259 ، 280 ، 338 .
2- حالة نفاقية لا مثيل لها بدرت من عمر بن الخطاب الذي كان يضرب كل من يبكي من الرجال والنساء ويمنعهم من البكاء كما في مسند الامام أحمد من حديث بن عباس قال : ماتت رقية ابنة رسول الله فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فقال النبي: دعهن يا عمر يبكين .. ثم قال انه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله ومن الرحمة ). وفي المسند أيضا عن أبى هريرة قال مر على النبي بجنازة يبكى عليها وأنا معه ومعه عمر بن الخطاب فانتهر عمر اللاتى يبكين عليها فقال النبي: دعهن يا ابن الخطاب فان النفس مصابة وان العين دامعة والعهد قريب.

أخترنا لك
دفاعا عن دين المسيح ، هل احل ابن مريم الزنا ؟

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة