الحرب هل هي حالة فطرية.

2021/08/25

الحرب هل هي حالة فطرية.
مصطفى الهادي.
إن مجرد التفكير بالقتال وخطر الاقتتال يجعل الإنسان يعيش في دوامة من القلق ، وأن إعلان حالة الاقتتال هو الأكثر شئوما على المجتمعات ، لأن فيه نذر الفناء للطاقات ولما تبنيه هذه المجتمعات .
ويذهب الكثيرون بأن القتال أمر لا مفر منه ، ويقولون بأنه لا يُمكن القضاء على فكرة القتال إطلاقا ، لأنه أمر متأصل في الغريزة البشرية حيث تنبت العوامل المساعدة على القتل في طبيعة الإنسان . وفي ذلك إشارة إلى الجانب البهيمي عند الإنسان ومما لاشك فيه أبدا أن السلوك العدواني هو السائد في مملكة الحيوان وليس في عالم الإنسان . وليس بالضرورة أن نجزم على أن السلوك العدواني لدى الإنسان فطري .
وهؤلاء الذين يجزمون بأن السلوك العدواني فطري عند الإنسان ، إنما اعتمدوا على ما قاله بعض علماء الأجناس الغربيين.
يقولون أن الجانب الحيواني باق في الإنسان يسايره جنب إلى جنب مع آدميته ، وهو ضروري لديمومة روح العمل عند الإنسان فبالقوى الحيوانية تدوم الحياة المادية .
وفي زعمهم أن القتال والعدوانية إنما تنطلق من الجانب الحيواني البهيمي عند الإنسان نابع من هذا الأساس .
ويرى فريق آخر من الباحثين من أن حالة القتل العدوانية بعيدة جدا عن أن تكون طبيعية في نفس الإنسان ، وقد أثبت هؤلاء الباحثون من أن الكثير من القبائل لا تعرف الاقتتال ، وأن هذه الحالة كانت غريبة عنهم ، ومن هذه القبائل ( الاسكيمو ) في الشمال الكبير .
وهكذا الأمر بالنسبة إلى المجتمعات البدائية والشعوب البسيطة التي لم تكن محاربة حيث أنها لم تكن تقدم على الحرب العدوانية وكانت قليلة الاستعداد للانخراط في أي حرب دفاعية . فكانت أغلب حالات القتال التي تقع بسيطة ولربما تنشأ جراء سرقة أغنام القبائل فيما بينها أو خطف النساء لغرض الزواج . ولكن عندما تبلغ الثقافة درجة من التعقيد وتتوسع مواردها الاقتصادية وتتطور عقائدها الدينية فان الحرب والاقتتال سيكون لها موضع قدم في هذه الثقافة.
وهذه الحالة يمكن أن تتغير ، بأشكال مختلفة ، تبعا لهذه الثقافة أو تلك . فقد تعلن الحرب بقوة رهيبة في أحد المجتمعات ، ولكن قد تكون شبه مفقودة في غيرها من المجتمعات فعلى سبيل المثال كان الوطن والعرق يُقدس بصورة تكاد تكون دينية حيث كان يرافق هذه العاطفة اندفاع نحو القتال كما حدث بين روما وإسبرطة أو الحروب الصليبية على فلسطين قديما والدول النازية والفاشية وغيرها حديثا.
وهذا لا يعني أبدا من أن عوامل الحرب متأصلة في الإنسان أو غريزته ، وإلا لمَ يمضي أكثر الناس إلى القتال مكرهين ولربما أٌرغم الناس على القتال إرغاما . وكثيرا ما كنا نسمع عن فرق الإعدام التي تبقى في الخطوط الخلفية لدفع المقاتلين إلى القتال . ولربما قام الجنود بعملية تسليم طوعية إلى العدو لأسباب قد تكون مختلفة ولكن يبقى أهمها عدم الرغبة في قتل الآخرين.
وقد كان الكثير من الملوك والخلفاء والأباطرة يُكرهون الناس على القتال في الحروب ومن ذلك أنهم كانوا ينادون في الأسواق والشوارع بالخروج إلى المعسكر خارج المدينة ولمدة ثلاث أيام ، ومن لم يخرج للحرب فقد أباح دمه .
ولكن يبقى أمر هام وهو أن الإنسان عرف الحرب والقتال منذ أن سكن هذه الأرض فليس العامل الحيواني وراء الحروب ، فقد كان للغرائز البشرية مثل الحسد وحب السيطرة وقهر الآخرين أمرا مهما في إشعال نيران الحروب بين بني البشر. (1)
فبعد أن كان القتال في بدايته فرديا قد يقع بين الأفراد . تطور شيئا فشيئا حتى أصبح قتالا جماعيا يقع بين القبائل والأُسر فكان على هؤلاء أن يختاروا المقاتلين الشجعان والأقوياء وإعداد القادة الذين يطيعون أمرائهم طاعة عمياء وهكذا ظهرت الحرب التي خلقت الزعيم والرئيس والملك وأصبحت حربا بين المدن والمقاطعات ثم إلى حرب شاملة امتدت إلى جميع القارات كما حدث في الحربين العالميتين في القرن العشرين ، والقادم اسوأ.
توضيحات:
1- الغريب أن رؤية اليهود للقتل تقول بأن طبيعة الإنسان هي طبيعة الله لان الله خلقه على صورته اي شبيه له ولذلك فإن في الجانب الإلهي غضب وقسوة ،فتنسب سفك الدم لله فتقول في سفر التكوين 9: 6 (سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه. لأن الله على صورته عمل الإنسان).اي أنه يحمل الروح الإلهية بين جنبيه بما فيها الغضب والقسوة وسفك الدماء، لأن الله يحب منظر الدماء ولذلك يطلب دائما أن نُقدم له الاضاحي. والأغرب من ذلك أن المفسر المسيحي يقول بأن الحيوانات كانت مسالمة ولا تعرف القتل والشر والافتراس ولكنها تعلمت الشر والافتراس من الانسان كما نقرأ في تفسير القس انطونيوس فكري في تفسيره للنص أعلاه فيقول : (وحشية الإنسان انعكست على الحيوان فصارت بعض الحيوانات متوحشة وصارت بعض الطيور متوحشة وهكذا الأسماك، طبع الإنسان الوحشي انعكس على الحيوان، ومن أجل أن لا يأكل الانسان لحم أخيه الإنسان سمح له أن يأكل لحوم الحيوانات). أنظر : شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنطونيوس فكري ،تفسير سفر التكوين 9.
أخترنا لك
فرقد القزويني والدور المشبوه. جيش الإمام الحسين عليه السلام.

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة