الميثاق في اليهودية والمسيحية والاسلام .مصطفى الهادي

2019/10/05

الميثاق في اليهودية والمسيحية والاسلام .
مصطفى الهادي
للميثاق تسميات كثيرة لعل احد ابرز مصاديقه هو العهد وذلك لقوله تعالى: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه).وكذلك قوله تعالى : (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق).

والميثاق أصل مادة (وثق) يدل على العقد والإحكام .والميثاق مبدأ عام ومنهاج وتوجة نحو اللة من خلال مجموعة ينتخبهم الله لحمل الرسالة بعد الأنبياء لقيادة الناس نحو التسليم لهُ وهذا المبدأ يسري على البشرية كلها. (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سُبلنا). ففي كل دين توجد سبيل واحدة تقود الناس إلى الله بعد الأنبياء وهو ما أشار إليه الامام الباقر (ع) بقوله : (نحن السبيل لمن اقتدى بنا).(1) وعن أبي جعفر (ع) في قوله: (هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) قال: (نحن السبيل فمن أبى فهذه السبل).(2)

ولعل ابرز مصاديق الميثاق هو الامامة وهذا ما يتضح من خلال العهد الذي قطعه الله مع نبيّه إبراهيم حيث قال له (اني جاعلك للناس إماما). فكانت الإمامة حصرا على كل من يتمتع بمواصفاة ومزايا نبي الله ابراهيم لان الله ختم ذلك بقوله : (لا ينال عهدي الظالمين).(3) فبيّن تعالى أن العهد هو الأمامة التي لا ينالها الظالم.
فالامامة هي الركن الثالث في التبليغ الإلهي (الكتاب ، النبي ، الامام) . فإذا رحل النبي بقي الكتاب والعترة متصلان لا يفترقان حتى يردا على النبي الحوض. وقد جعل الله لكل نبي أوصياء وخلفاء واخذ من اممهم المواثيق والعهود الغليظة ولكنهم عندما نقضوا ذلك قال تعالى عنهم : {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه}.

وقد خص الله الأمم السابقة بالعهد الذي قطعهُ معهم ولذلك فإن تسميات الكتب المقدسة السابقة لها دلالات واضحة على أن العهد او الميثاق بلغ من الخطورة أن يطلقون اسمه على كامل الكتب المقدسة فقيل للتوراة بأنها (العهد القديم ، ولذلك لعهد الله لإبراهيم وإسماعيل ، واطلقوا على الانجيل العهد الجديد في إشارة إلى عهد الله لعيسى مع حوارييه الإثنا عشر في ليلة العشاء الأخير). أي ما عهدهُ الله لموسى (ص)من وجود إثنا عشر سبطا، وما عهد به إلى عيسى بوجود إثنا عشر حواريا.

فما هو هذا الميثاق؟
قال تعالى : (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ...فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية... ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ).

من خلال هذه الآيات تتضح لنا امور خطيرة منها : أن الميثاق هو ان الله بعث في كل امة إثنا عشر نقيبا اوسبطا (إماما) لليهود والنصارى ولكن اليهود نقضوا الميثاق فعاقبهم الله فجعل قلوبهم قاسية .وكذلك النصارى ايضا عندما نقضوا الميثاق عاقبهم الله والقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيام.

أما المسلمون فقد فعلوا نفس فعل اليهود والنصارى حيث نقضوا الميثاق وابعدوا من اختارهم الله ووضعوا مكانهم ممن لا وزن لهم فتبعوا بذلك سنن من كان قبلهم كما انبأهم رسول الله (ص) .(4) مع أن الله اخبرهم بأنه لا يحق لهم تبديل السنن كما يقول تعالى : (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا.. ولن تجد لسنة الله تحويلا}.(5) فلن يُبدل الله سنّته ولم يسمح للآخرين تحويل هذه السنة عن مجراها الطبيعي الذي وضعها الله، ويشمل هذا جميع الأنبياء كما قال (ص) (ما كان من نبيّ إلا كان لهُ حواريون يهدون بهديه ، ويستنون بسنته). (6) فلم يستثن الله هذه الامة من ذلك لأنهُ لن تجد لسنة الله تبديلا.

هذا الميثاق لم يأخذه الله تعالى فقط من اليهود والنصارى بل كان سابقا لهم ولكل الأمم حيث نفهم ذلك من قوله تعالى : (واذا اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى). لا بل أن الحديث يدور حول اخذ الميثاق من كل البشر في عالم الذر كما نفهم من قوله تعالى : {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} يقول الإمام الباقر (ع) : (وجعل الحجر في الركن، فكبر الله وهلله ومجده فذلك جرت السنة بالتكبير في استقبال الركن الذي فيه الحجر، وأن الله عز وجل أودعه العهد والميثاق وألقمه إياه دون غيره من الملائكة، لأن الله عز وجل لما أخذ الميثاق له بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولعلي بالوصية). (7) فالميثاق يدور حول الامامة .

فما هو هذا الميثاق الذي اخذه الله من جميع الأنبياء واممهم؟ .هذا ما تفسره الاية القرآنية التي تقول : (ولقد اخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم إثنا عشر نقيبا).
إذن الآيات تتعلق بإثنا عشر نقيبا او سبطا أو إماما فهل ينفرد القرآن بذلك أم أن لذلك وجود في الكتب المقدسة السابقة للاسلام وهل هناك ما يعضد هذه الآية؟.
إليك بعض النصوص الدالة على ذلك والتي تؤكد على ما ذهب إليه القرآن.

ما جاء في سفر التكوين يؤيد ما ذكره القرآن حرفيا حيث يقول النص : (فقال الله لإبراهيم: أقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده. وأما إسماعيل. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا. اثني عشر رئيسا يلد).(8)

اما في سفر يشوع فيقول : (إبراهيم ..لم يوجد نظيره في المجد فعاهده عهدا،وجعل العهد في جسده وعند الامتحان وجد أمينا. آثره ببركاته وورثه الميراث. ميز حظوظه، وقسمها على الأسباط الاثني عشر). (9)

إذن يتبين لنا من هذه النصوص أيضا ان العهد (الميثاق) الذي اخذه الله من إبراهيم انه جعله نبيا إماما ومعه إثنا عشر إماما وهذا ما يراه المفسر المسيحي عندما يقول : (ما يُؤَكِّده ابن سيراخ أن إبراهيم تمتَّع بالعهد الإلهي، وتحقَّق الوعد في كنيسة العهد القديم خلال الاثني عشر سبطًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ما كان يشغل ابن سيراخ في اختياره أنهم يخدمون شعب الله صاحب المواعيد الإلهية). (10).
وقد أكد سفر التكوين عقيدة الإثنا عشر في قوله : (جميع هؤلاء هم أسباط إسرائيل الاثنا عشر. وهذا ما كلمهم به أبوهم وباركهم).(11)

ونستدل من بعض النصوص بأن ميثاق الامامة ليس على البشر فقط . بل أن عهد الله بالامامة يشمل كل المخلوقات كما نفهم ذلك من قول الله لنبيه نوح : (وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا: وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم، ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم: الطيور والبهائم وكل وحوش الأرض التي معكم، حتى كل حيوان الأرض).(12) فالسلطة الممنوحة لهؤلاء الإثنا عشر سلطة كونية تسري كلماتهم على كل المخلوقات (كل ذوات الأنفس الحيّة).

اما في المسيحية فقد اخبرنا تعالى بأنهُ أيضا اقام عهده مع السيد المسيح فجعل له إيضا إثنا عشر خليفة كما نقرأ في إنجيل متى : (هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم).(13)
وكذلك قوله : (وعلى أثر ذلك كان ــ يسوع ــ يسير في ــ كل ــ مدينة وقرية ويبشّر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر). (14) وحتى اللحظات الأخيرة قبل رحيل السيد المسيح اظهر الإثنا عشر للعلن وجلس معهم واوصاهم كما يقول في لوقا : (ولما كانت الساعة اتكأ والاثنا عشر معه،وأخذ خبزا وشكر وكذلك الكأس أيضا قائلا: هذه الكأس هي العهد الجديد). (15)

هذا ما اتفقت عليه الكتب السماوية والتي جاءت في نصوصها مؤيدة لما ذكره القرآن من ان الميثاق كان معهم بتعيين (إثنا عشر نقيبا او سبطا او حواريا) والإسلام لم يكن بدعا من الأديان فهو ايضا دين الله الذي ارتضاه لعباده وقد حفلت الأحاديث حتى بلغت حد التوارة مما لا يُمكن انكاره من أن رسول الله عهد إلى إثنا عشر خليفة أو نقيبا أو إماما لتولي شؤون تبليغ الرسالة بعده. وهذا ما نستدل عليه من قوله تعالى : (وبعثنا منهم إثنا عشر نقيبا). يقول الطبري في تفسير هذه الآية: )وأحد أهم اعمال النقباء هو ان النقيب يكون شاهدا على قومه في الفترة التي يعيشها معهم، عن قتادة، قوله: (اثني عشر نقيبا ، من كل سِبْط رجل شاهد على قومه). (16) وهذا مصداق قوله تعالى : (يومَ ندعوا كل أناس بإمامهم).(17)

والمدلول الصحيح لتسميتهم بـ (النقباء) ودورهم يتضح من المفهوم القرآني لكلمة النقباء عند ذكره تعالى لنقباء نبي الله موسى الاثني عشر في بني إسرائيل ، ،كما ورد في الحديث عن مسروق قال: (كنا جلوساً عند ابن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (ص): كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال: ما سألني عنها أحد مذ قدمت العراق قبلك! ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله (ص)، فقال: (إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل). (18)

وفي حديث (لايزال الاسلام عزيزا إلى إثنا عشر خليفة) يدل على توالي هؤلاء الخلفاء النقباء واحداً بعد واحد من بعده (ص) مباشرة لانه سماهم خلفاء أي يخلفونه (ص) إثنا عشر خليفة إلى قيام الساعة، مع تأكيده على كلمة (لا يزال هذا الدين) التي تدل على عدم الزوال أي استمرارهم مع الدين فلا يزول ولا يزولون لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.

اصحاب الأنبياء (الصحابة) ادركوا بأن تعيين هؤلاء الإثنا عشر يُشكل خطر على آمالهم واطماعهم فلم تكن المسألة هيّنة بالنسبة لهم ولذلك حصل الإنحراف في الأمم السابقة بسبب هذه الاطماع الدفينة وهذا ما حصل في الإسلام أيضا عندما اصحر الرسول (ص) بتعيين نقبائه فكثر لغط الصحابة وعلت أصواتهم لكي لايفهم الناس ماذا يقول رسول الله . فقد كان الصحابة الطامعين محيطون به ولم يسمحوا لاحد الاقتراب منه وهذا ما يُبيّنهُ الحديث الذي نص فيه رسول الله (ص) على لإثنا عشر نقيبا فالناس لم يرتضوا بنص النبي (ص) على خلفائه وتوضيح أمرهم ووصفهم وأسمائهم فاعترضوا عليه أشد الاعتراض وصرخوا وصاحوا ورفعوا أصواتهم وكبّروا وكثُر اللغط وقاموا وقعدوا لكي لا ينص النبي على خلفائه ولا يتضح أمر خلافته بعده ليبقى لهم مجال للانقلاب واعتلاء سدة الحكم ورئاسة الامة وقيادتها التي أحسوا أنها ستذهب عنهم والى الابد. فكادت ان تحصل ثورة.

روى أحمد في مسنده عن جابر بن سمرة قال: ((خطبنا رسول الله (ص) بعرفات، وقال المقدمي سمعت رسول الله (ص) يخطب بمنى، فسمعته يقول: (لن يزال هذا الامر عزيزاً ظاهراً حتى يملك اثنا عشر خليفة كلهم)، ثم لغط القوم وتكلموا فلم أفهم قوله! فقلت لأبي: يا أبتاه ما بعد كلهم؟ قال: (كلهم من قريش).(19)

وفي رواية أخرى : (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة) قال: فجعل الناس يقومون ويقعدون.(20)

وفي رواية عند أحمد ايضا قال : ثم تكلم بكلمة لم أفهمها وضج الناس فقلت لأبي ما قال؟ قال: (كلهم من قريش).(21)

والغريب أن ابن كثير تلميذ ابن تيمية على نصبه وتحامله ضد أهل البيت إلا أنه لم يستطع كتمام حقيقة ما فهمه من من قوله (ص) : (نقباء) فقد أدرك أن الرسول (ص) لا يقصد بالنقباء العدد فقط . فقال في تفسيره عند قوله تعالى: (وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً ). (ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ويعدل فيهم). فإبن كثير من المتحاملين جداً على الشيعة ولكنه فهم من النص ان المقصود اثنى عشر نقيبا ليس العدد بل الخلافة فقال : (وجود إثنا عشر خليفة). وبذلك نسف ابن كثير من دون أن يدري خلافة كل من أتى بعد رسول الله (ص) من انقلابيي السقيفة ، إلا خلافة علي ابن ابي طالب (ع) وأهل بيته لأن حديث الرسول (ص) نص عليهم في الرواية التي ذكرناها.

ولا يوجد أدلّ من وجود هؤلاء الأئمة إلى يوم الدين واستمرارهم إلى يوم القيامة من حديث رسول الله ص الذي نقله الإمام الباقر (ع) قال : قال رسول الله (ص): (من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدّثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً).(22)

المصادر :
1- الأمالي للطوسي: ٧٥٤ المجلس ٣٤ حديث: ٤، بصائر الدرجات: ٦٢ باب 3 حديث: 10، كمال الدين.
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٣.
3- سورة البقرة ، آية : 124.
4- وهو ما ورد عن طريق عن أبي سعيد الخدري قوله (ص) : لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه. قالوا من يا رسول الله ؟ قال : اليهود والنصارى. انظر البخارى كتاب الاعتصام.. وصحيح مسلم كتاب العلم. باب اتباع سنن اليهود والنصارى.
5- سورة الفتح:23 و سورة فاطر:43.
6- صحيح مسلم رقم الحديث: 1.
7- الكافي 4: 184 ح3، من لا يحضره الفقيه 2: 191 - 192 ضمن ح2114، علل الشرائع: 429 ب164 ح1، روضة المتّقين 4: 7، وسائل الشيعة 13: 317 ح5، بحار الأنوار 11: 205 ح7، وج15: 17 ح26، وج26: 269 ح6، وج52: 279 ح2 وص299 ح63، وج99: 223 ح19، مرآة العقول 17: 4 ح3.
8- سفر التكوين 17: 19.
9- سفر يشوع بن سيراخ 44: 20 ــ 26.
10- شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب (والشماس بيشوي بشرى فايز)
سلسلة من تفسير وتأملات الآباء الأولين. تفسير سفر حكمة يشوع بن سيراخ 44.
11- سفر التكوين 49: 28.
12- سفر التكوين 9: 8.
13- إنجيل متى 10: 5.
14- إنجيل لوقا 8: 1.
15- إنجيل لوقا 22: 20.
16- تفسير الطبري تفسير سورة المائدة آية : 12.
17- في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن علي قال: قال رسول الله (ص): (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) قال: يدعى كل قوم بإمام زمانهم و كتاب ربهم و سنة نبيهم.
18- مسند أحمد: ج 1 ص 398 و 406.
19- أحمد في مسنده ج5 ص 99.
20- مسند احمد : ج5/99.
21- مسند احمد : ج5/93.
22- الكافي - الشيخ الكليني - ج1 - ص534.
أخترنا لك
الأربعين أحد وسائل الرحمة الإلهية.

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة