(قالوا لن
يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى).الجنة في
الأديان الثلاث.
مصطفى الهادي.
اليهود والنصارى ،
التاريخ يشهد على اجرامهم، يعشقون سفك الدماء. ولذلك
حذرتهم كتبهم من سفك الدم. وأكدت أنهم لا يتورعون عن
ذلك (أرجلهم تجري إلى الشر وتسرع إلى سفك الدم،
الزكي. أفكارهم أفكار إثم. في طرقهم اغتصاب وسحق.
طريق السلام لم يعرفوه، وليس في مسالكهم عدل. جعلوا
لأنفسهم سبلا معوجة. كل من يسير فيها لا يعرف
سلاما).(1) فهذا ادق وصف لحالتهم النفسية الموغلة في
الجريمة. ثم يكتبون بأيديهم بأنهم
أبناء الله وأحباءه
وأن الجنة لهم وحدهم. ولكن بعد مراجعة كتابهم المقدس
تبين صحة قول القرآن، من أن الجنة بعيدة عنهم، وأن
الله تعالى لا يغفر لهم كما في كتابهم المقدس. (لا
يغفر لكم هذا الإثم حتى تموتوا يقول السيد الرب).(2)
فلا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. ولكن
كعادتهم في تزوير النصوص زعموا أن هارون وجد لهم حلا
لغفران خطاياهم وهذا الحل نجده في سفر اللاويين
يقولون فيه : (يضع هارون يديه على راس التيس ويقر
عليه بكل ذنوب بني إسرائيل، وكل سيئاتهم مع كل
خطاياهم، ويجعلها على رأس التيس، ويرسله إلى البرية
ليحمل التيس عليه كل ذنوبهم إلى ارض مقفرة، فيطلق
التيس في البرية).(3) وهكذا وبكل بساطة يدخل اليهود
الجنة بعد أن رموا بكل آثامهم وجرائمهم على راس التيس
المسكين فيُشيعون بأن من يُريد أن يدخل الجنة عليه أن
يكون يهودي، ولكنهم لم يخبرونا أين جنتهم هذه التي
وعدهم الله. ولكن لدى البحث في توراتهم عن هذه الجنة
المزعومة تبين أنهم لا يعرفونها. ففي بداية سفر
التكوين زعموا ان هذه الجنة في الأرض تحديدا فيما بين
النهرين في جنوب العراق، ولكن اختفى خبرها فلم تذكر
التوراة عنها شيئا بعد طرد آدم وحواء منها، حتى كلمة
فردوس لم يرد ذكرها في توراتهم، إلا مرة واحدة وتعني
بستان الرجل يصف فيها بستانه بأنه جنته وفردوسه :
(أنا كساقية من النهر، وكقناة خرجت إلى الفردوس. اسقي
جنتي، واروي روضتي).(4) وهكذا طارت الجنة التي يزعمون
أنهُ لا يدخلها غيرهم.
أما في المسيحية فقد
طار ذكر الجنة فلم يذكرها أي من الأناجيل. ولكنهم
اخترعوا فردوسا سماوي أنكرت وجوده التوراة. ومع ذلك
لم يرد في كل الأناجيل الأربعة ذكر الفردوس سوى مرّة
واحدة. لم يُبين السيد المسيح شكله ومكانه كل ما قاله
هو عندما كان على الصليب خاطب اللص وهو أحد المجرمين
المصلوبين معه : (فقال له يسوع: الحق أقول لك: إنك
اليوم تكون معي في الفردوس).(5) وبما أن قضية الصلب
مشكوك بها حتى في الأناجيل وأنكرها القرآن فإن ذلك
يدفعنا للشك بفردوس يسوع المسيح، الذي زعم أتباعه
بأنهم سوف يدخلوه ولا أحد يدخلهُ غيرهم بنص القرآن.
وبناء على ذلك يكون السيد المسيح قد بشّر لصا مجرما
بالفردوس ولم يُبشّر أمته فمن أين زعموا بأنه لا يدخل
أحد الجنة إلا أن يكون نصرانيا. الإنجيل يغالط نفسه
فهو يُنكر المعاد الجسماني، ويقول بأن الإنسان عندما
يموت يفنى جسده ، ويُحشر فقط بروحه فلا يحتاج إلى
مكان مادي مثل الجنة فهو لا يأكل ولا يشرب لان جسده
نوراني. ولكن من طرف آخر يقول بأن السيد المسيح قال
للمصلوب الذي بجانبه : أنك ستكون معي في الفردوس.
والقرآن ايضا يذكر الفردوس ولكنهُ ميراث المؤمنين
وجاء على ذكره مرتين.(6) ولكن المسيحية أبدلت تيس
الخطية إلى غفران الكاهن. حيث تُعتبر عقيدة الغفران
من أهم العقائد عندهم ومفادها : (أن الكاهن وسيط يغفر
الخطايا باسم المسيح، حيث يتم الاعتراف بالخطايا
للكاهن، الذي يقوم بقراءة صلاة الحلّ التي تمنح
المغفرة الإلهية). مكتبة الكتب المسيحية، كتاب
الكهنوت. البابا شنودة الثالث ، كيف للكاهن أن يغفر
الخطايا: 54. ولكن غفران الخطايا ودخول الجنة بسبب
مغفرة الكاهن لا اصل له في الأناجيل كلها لأنها تقول
في مرقص 2 : 7 : (من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله
وحده).حتى المسيح لا يقدر أن يغفر الخطايا لأنهم
يروون بأن يسوع المسيح صرخ على الصليب كما نقرأ في
لوقا 23 : 34. : (يا أبتاه اغفر لي).
أما في الإسلام فقد
حفل القرآن والأحاديث بذكر الجنة بمختلف أسمائها مثل
: دار السلام وجنات عدن، وجنات النعيم، ودار المتقين
، ودار المقامة ، وجنة الفردوس، وجنة الخلد، والغرفة
، ودار الحيوان، ودار القرار، ودار الآخرة، وجنة
المأوى. فلم يرد عند المسلمين أنهم كلهم أكتعين
أجمعين يدخلوها من دون سائر الخلق، فقد تركوا تقرير
ذلك إلى خالقها، فلم يزعم أحدٌ منهم أن أحدا من
المسلمين يدخل الجنة من دون حساب. فقط فئة واحدة قال
عنها تعالى : (من عمل صالحا من ذكر وانثى وهو مؤمن
فأولئك يدخلون الجنة يُرزقون فيها بغير حساب).(7) ففي
هذه الآية ذكر تعالى بأن الذين يدخلون الجنة هم أهل
الإيمان الصحيح من ذوي الأعمال الصالحة فقط.
فالمسلمون لا يدخلون الجنة جميعا لأن احتمال وجود
النفاق والفسق والكفر وارد فيهم كما ذكرت ذلك آيات
كثيرة، فقد نهاهم تعالى من أن يزعموا أنهم آمنوا بل
أسلموا ، فيقول تعالى: (قولوا أسلمنا، ولما يدخل
الإيمان في قلوبكم).( 8 )
قال تعالى في مواضع
عديدة : (الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك اصحابُ
الجنة هم فيها خالدون).(89) الذين آمنوا وعملوا
الصالحات هؤلاء هم أهل الجنة، وفي آية أخرى وصفهم
تعالى بأنهم خير البرية؟ الجواب من القرآن (الذين
آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية).(10) في
قاموس المعاني ، برية : تعني الناس أو الخلق ، وجمعها
: برايا. ويعني أنهم خير الخلق أو خير الناس.
ولكن إذا كان
المسلمون عموما لا يدخلون الجنة إلا بالإيمان .
السؤال هو : الإيمان بمن؟ نأتي إلى المذاهب الإسلامية
جمعاء فنراها على ماذا تُجمع وعلى ماذا تتفق. وعموما
عند السنة والشيعة، بعيدا عن الاحاديث التي لا تتوافق
مع القرآن الكريم.
كم هائل من التفاسير
والأحاديث بأن المؤمن هو من آمن بمن أمرهم الرسول أو
يؤمنوا به. وتُركّز على الامام علي عليه السلام ، حتى
ذهب القول بهم إلى أن (كل آية فيها يا أيها الذين
آمنوا إلا وعلي راسها وأميرها). (11) أما المذاهب
السنّية فتختزل الإيمان في ثلاث أمور حسب الحديث
الوارد في مسلم والبخاري والذي بنوا اعتقادهم عليه
حيث نقلوا عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) قوله :
(الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة،
فأفضلها، قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى
عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). (12) فبنى
القوم إيمانهم على رواية شخص متهم بالكذب. وشكّوا في
عدد شعب الإيمان هل هي بضع وسبعون ، أو بضع وستون
.
ولكن بالرجوع إلى
تفاسير أهل السنة والشيعة حول الآية المتقدمة نجد أن
من وصفهم الله تعالى بأنهم (خير البرية) هم فئة من
المسلمين آمنت بالله ورسوله وأخذوا بكل ما آتاهم به
الرسول فلم يُغيّروا ولم يُبدلوا بعكس القوم الذين
غيّروا كل شيء، كما تذكر كتب أهل السنة في رواية
البخاري عن الزهري قال : (دخلت على انس بن مالك بدمشق
وهو يبكي فقلت له: ما يُبكيك؟ قال: لا أعرف شيئا مما
أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيّعت).(13)
ولدى عرض هذا الحديث على القرآن يتبين صحته فهو مصداق
قوله تعالى : (اضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات).(14)
فبعد اعترافهم بتغيير واضاعة كل شيء نأتي على كتبهم
ومصادرهم لنعرف من هم هؤلاء خير البرية.
أخرج ابن عساكر ، عن
جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه
وسلم فأقبل علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
(والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم
القيامة ونزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك
هم خير البرية فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
إذا أقبل علي قالوا : قد جاء خير البرية). وفي رواية
: لما نزلت هذه الآية، قال رسول الله (ص) لعلي : (هو
أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين).(15) كما أخرج
ابن عدي، وابن عساكر
وأخرج ابن مردويه عن
علي (ع) قال : قال لي رسول الله (ص) (ألم تسمع قول
الله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك
هم خير البرية. هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض
إذا جثت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين).(16) هذا
الحديث لو عرضناه على القاعدة التي وضعها آل البيت
عليهم السلام والتي يقولون فيها عن الامام الصادق (ع)
(خطب النبي صلى الله عليه واله وسلم بمنى فقال: أيها
الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما
جاء يخالف كتاب الله فلم أقله).(17) فلولا أن سور
القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان
ما كانت هذه القاعدة التي قرّرها الأئمة من أهل البيت
الطاهرين، آخذين إياها من جدهم رسول الله (ص).فليس من
الممكن أن يركنوا إليها ويثقوا بها لولا ذلك. فلو
طبّقنا هذه القاعدة على قول النبي لعلي حول تفسير
قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم
خير البرية). انهم أنت وشيعتك، لكانت مطابقة لقوله
تعالى : (الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك اصحابُ
الجنة هم فيها خالدون).(18)
المصادر:
1- سفر الأمثال 1 :
16.و: إشعياء 59 : 7.
2- سفر إشعياء 22 :
14.
3- سفر اللاويين 16 :
21.
4- سفر يشوع بن سيراخ
24 : 41.
5- إنجيل لوقا 23 :
43.
6- الأولى في سورة
الكهف آية 107 (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت
لهم جنات الفردوس نزلا). والثانية : (الذين يرثون
الفردوس هم فيها خالدون) المؤمنون : 11.
7- غافر: 40.
8- سورة الحجرات آية
: 14.
9- البقرة :
82.
10- سورة البيّنة :
7.
11- بحار الأنوار،
المجلسي ، ج35 ص : 352.
12- صحيح مسلم الجزء
الأول ص : 63، حديث رقم : 5135 . كتاب
الإيمان.
13- رواه البخاري في
المجلد الأول، الكتاب العاشر، حديث رقم : 507.حكم
المحدث الحديث صحيح.
14- سورة مريم :
59.
15- وفي الدر المنثور
أخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله من
أكرم الخلق على الله؟ قال: يا عائشة أما تقرئين " أن
الذين أمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية.
16- تفسير الطبري
تفسير سورة البينة 7.
17- وسائل الشيعة
كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب وجوه الجمع بين
الأحاديث المختلفة، الحديث رقم : 15 ، 18. وكذلك عن
الكافي.
18- البقرة :
82.