ظاهرة خفاء القبور ، بحث بمناسبة وفاة الزهراء
القسم الثالث اخفاء قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
مصطفى الهادي
ومن القبور التي تم إخفائها لحين من الزمن ، قبر أمير المؤمنين وسيد الوصيين وأبن عم سيد المرسلين ، علي بن أبي طالب (ع) حيث أخفاه شيعته ومحبيه عن عيون أعدائه من بني أمية ، والخوارج وغيرهم من أتباع الشياطين ، وذلك بوصية منه (ع)(1) فبقى القبر مجهولا إلا من بعض المخلصين من أهل بيته وأتباعه الذين يعلمون بسر القبر وصاحبه .
فقد عمد الحسن بن علي (ع) إلى إعداد (أربعة نعوش) وأرسلها في جهات مختلفة ليموه على أعداء أبيه من أنه أرسله إلى المدينة أو مكة أو أي جهة أخرى ، ثم قام (ع) بدفن والده ليلا في ظاهر النجف التي كانت في حينها صحراء لا يلتفت إليها أحد .
ثم كيف لا يخفي القبر وأعداء الإسلام بالمرصاد لكل رموزه الخيرة ، ألم يحاولوا قتل أمير المؤمنين (ع) ولم يمض على وفاة الرسول إلا أيام . فقد ذكر أبن قتيبة قائلا : (( لقد كان الإصرار قويا من عمر وهو يلفت نظر أبي بكر إلى تخلف علي (ع) عن البيعة حتى أنهم هددوه بالقتل . ((فقالوا له بايع ، فقال : وإن لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا والله الذي لا إله هو نضرب عنقك ...)). (2)
وضل القبر مخفيا إلى زمن هارون الرشيد حيث ظهر القبر بمعجزة تذكرها كتب التاريخ في قصة الغزالة المشهورة (3)، فقام الرشيد ببناء قبة متواضعة عليه ، لا حبا لصاحب القبر وإنما تباهيا منه أمام العامة من أنه ينتمي بالنسب إلى صاحب هذا القبر .
تصرفات العباسيين تكشف كذبهم ونفاقهم ، فالرشيد قتل الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومئات الطالبيين. بل قتل العباسيون كل من تسمى باسم علي ، ابتداء من الدولة الأموية وانتهاء بدولة بني العباس التي بلغ الجور والظلم فيها أن الشاعر يتمنى لو دام جور بني مروان كما قال
ليت جور بني مروان دام لنا ــــ وعدل بني العباس في النار
فقد نقل ابن حجر في ترجمة علي بن رباح فقال ما وجزه : (( كان بنو أمية إذا سمعوا بمولود أسمه علي قتلوه))(4)
هذا في زمن بني أمية .
واما في زمن بني العباس ، فقد روى ابن حجر في ترجمة نصر ين علي قال : (( أمر المتوكل بضرب نصر بن علي ألف سوط ، لأنه روى فضيلة في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين )) . (5)
وقد قتل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور حفيد الإمام علي بن أبي طالب (ع) (محمد الديباج ) قتلة غريبة وأخفى قبره بين أعمدة جسر الرصافة ، (( حيث أمر بأسطوانة من اسطوانات الجسر ففرغت ثم أدخل فيها ، فبنيت عليه وهو حي))(6)
ولا نلوم شيعة آل البيت باخفاء قبور الائمة فقد روى ابن الأثير في حوادث سنة (236هـ ) من تاريخه قائلا : (( كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته . وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى عليا وأهله بأخذ المال والدم . وقد أمر في سنة ( 236 هـ ) بهدم قبر الحسين (ع) وهدم ما حوله من الدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه)) (7)
قبر آخر شاهد على ما نقوله من ظلم بني العباس ، زيد بن علي بن الحسين (ع) فبعد مقتله أخفى أصحابه قبره بصورة لا تكاد تخلوا من مأساوية ، فقد عمدوا إلى نهر صغير يجري بالقرب من مدينة الكوفة وجففوا ماءه وحفروا القبر في بطن النهر ، ثم أعادوا مجري الماء عليه ، ولكن العيون الخائنة كانت بالمرصاد ، فسارعت لتفشي ذلك السر إلى طاغية الزمان الذي قام بنبشه وصلبه سنين عديدة ، ثم احرقوه ونسفوه في نهر الكوفة ، وكان يسميه عجل بني إسرائيل .
والسجون قبور لإخفاء الأحياء أيضا !
السجون هي الأخرى أماكن لإخفاء الأحرار والثائرين لا لذنب جنوه إلا محاولتهم إنقاذ الأمة وتغيير الواقع الفاسد ولذلك اطلق الناس على السجون (قبور الاحياء)، فيقوم فراعنة الزمان بتغييبهم في الأقبية والسجون والطوامير لكي يموت على مر السنين ذكرهم ، ويقتلوا الأمل في قلوب أتباعهم .
فالسجون هي (قبور الأحياء) ولا فرق بين المسجون فيها والمدفون في قبر أخفيت معالمه خوفا عليه من الهتك .
ولا زالت قضية خفاء وإخفاء القبور جارية مجري الزمن مادام هناك ظالم يتربع على كرسي الزعامة الدنيوية بدون استحقاق . وأكبر قضية خفاء واختفاء لازالت تجري مع الزمن هي خفاء شخص أمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف ) الذي لازال مختفيا عن الأنظار يعيش أملا حيا في قلوب الصادقين من أتباعه وشيعته ، ولو ظهر يوما واحدا لما توانا الأعداء عن إخفاء شخصه قبل قبره . ودليلنا على ذلك هو ما يتعرض له المصلحون والقادة العظام من علماء هذه الأمة من ظلم واضطهاد وقتل وتشريد كالسيد قطب وحسن البنا ، والمصلح الكبير والثائر العظيم السيد محمد باقر الصدر (قدس) وأخته العلوية المظلومة ، أين قبورهما ؟
وكأني أنظر إلى الزمن الذي مازال واقفا مكانه يطل على عالمنا من كوة العصر الأول إلى زماننا هذا حيث لازالت عملية اخفاء قبور الاتقياء قائمة واخيرا اخترعوا احواض التيزاب لاذابة جسد الضحية واخفاء معالمها إلى الابد.
فسلام على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها وشيعتها ومن تعذب من اجلهم على طول التاريخ.
المراجع.
1- أصول الكافي ، ج1 ص 456 والأنوار البهية ص 108 0 وبحار الأنوار : ج42 ، ص 220 .
2- تاريخ اليعقوبي ج2 ص 126 .
3- القصة تقول بقى قبر اميرالمؤمنين مخفيا ، حتى زمن هارون الرشيد الذي كان في الحيرة وخرج للصيد بظاهر الكوفة ورأى غزالة فأطلق الكلاب عليها ، ولكن الغزالة ركضت ووقفت على تل رملي بجور قبر ترابي ، فوقفت الكلاب ولم تقرب لها وهكذا تكررت الحالة عدة مرات ، فانتبه هارون الرشيد إلى ذلك وبحث عن شخص يخبرة بحقيقة هذه التلة الترابية فوجدوا شيخا طاعنا في السن فسأله عن هذه التلة ولماذا لا تقرب منها الكلاب ؟ قال الشيخ : يا امير المؤمنين هذا قبر ابن عمك علي بن ابي طالب اخفوه خوفا عليه من الامويين . فنزل هارون الرشيد وصلى هناك وامر ببناء قبة عليه .
4- تهذيب التهذيب ، ج7 ص 319
5- المصدر السابق ، ج10 ص 430 أبن حجر .
6- الطبري ، ج9 ص 198 ، ومقاتل الطالبيين ص 200 .
7- الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج7 ص 18 ، طبع مصر الأولى .
القسم الثالث اخفاء قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
مصطفى الهادي
ومن القبور التي تم إخفائها لحين من الزمن ، قبر أمير المؤمنين وسيد الوصيين وأبن عم سيد المرسلين ، علي بن أبي طالب (ع) حيث أخفاه شيعته ومحبيه عن عيون أعدائه من بني أمية ، والخوارج وغيرهم من أتباع الشياطين ، وذلك بوصية منه (ع)(1) فبقى القبر مجهولا إلا من بعض المخلصين من أهل بيته وأتباعه الذين يعلمون بسر القبر وصاحبه .
فقد عمد الحسن بن علي (ع) إلى إعداد (أربعة نعوش) وأرسلها في جهات مختلفة ليموه على أعداء أبيه من أنه أرسله إلى المدينة أو مكة أو أي جهة أخرى ، ثم قام (ع) بدفن والده ليلا في ظاهر النجف التي كانت في حينها صحراء لا يلتفت إليها أحد .
ثم كيف لا يخفي القبر وأعداء الإسلام بالمرصاد لكل رموزه الخيرة ، ألم يحاولوا قتل أمير المؤمنين (ع) ولم يمض على وفاة الرسول إلا أيام . فقد ذكر أبن قتيبة قائلا : (( لقد كان الإصرار قويا من عمر وهو يلفت نظر أبي بكر إلى تخلف علي (ع) عن البيعة حتى أنهم هددوه بالقتل . ((فقالوا له بايع ، فقال : وإن لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا والله الذي لا إله هو نضرب عنقك ...)). (2)
وضل القبر مخفيا إلى زمن هارون الرشيد حيث ظهر القبر بمعجزة تذكرها كتب التاريخ في قصة الغزالة المشهورة (3)، فقام الرشيد ببناء قبة متواضعة عليه ، لا حبا لصاحب القبر وإنما تباهيا منه أمام العامة من أنه ينتمي بالنسب إلى صاحب هذا القبر .
تصرفات العباسيين تكشف كذبهم ونفاقهم ، فالرشيد قتل الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومئات الطالبيين. بل قتل العباسيون كل من تسمى باسم علي ، ابتداء من الدولة الأموية وانتهاء بدولة بني العباس التي بلغ الجور والظلم فيها أن الشاعر يتمنى لو دام جور بني مروان كما قال
ليت جور بني مروان دام لنا ــــ وعدل بني العباس في النار
فقد نقل ابن حجر في ترجمة علي بن رباح فقال ما وجزه : (( كان بنو أمية إذا سمعوا بمولود أسمه علي قتلوه))(4)
هذا في زمن بني أمية .
واما في زمن بني العباس ، فقد روى ابن حجر في ترجمة نصر ين علي قال : (( أمر المتوكل بضرب نصر بن علي ألف سوط ، لأنه روى فضيلة في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين )) . (5)
وقد قتل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور حفيد الإمام علي بن أبي طالب (ع) (محمد الديباج ) قتلة غريبة وأخفى قبره بين أعمدة جسر الرصافة ، (( حيث أمر بأسطوانة من اسطوانات الجسر ففرغت ثم أدخل فيها ، فبنيت عليه وهو حي))(6)
ولا نلوم شيعة آل البيت باخفاء قبور الائمة فقد روى ابن الأثير في حوادث سنة (236هـ ) من تاريخه قائلا : (( كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته . وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى عليا وأهله بأخذ المال والدم . وقد أمر في سنة ( 236 هـ ) بهدم قبر الحسين (ع) وهدم ما حوله من الدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه)) (7)
قبر آخر شاهد على ما نقوله من ظلم بني العباس ، زيد بن علي بن الحسين (ع) فبعد مقتله أخفى أصحابه قبره بصورة لا تكاد تخلوا من مأساوية ، فقد عمدوا إلى نهر صغير يجري بالقرب من مدينة الكوفة وجففوا ماءه وحفروا القبر في بطن النهر ، ثم أعادوا مجري الماء عليه ، ولكن العيون الخائنة كانت بالمرصاد ، فسارعت لتفشي ذلك السر إلى طاغية الزمان الذي قام بنبشه وصلبه سنين عديدة ، ثم احرقوه ونسفوه في نهر الكوفة ، وكان يسميه عجل بني إسرائيل .
والسجون قبور لإخفاء الأحياء أيضا !
السجون هي الأخرى أماكن لإخفاء الأحرار والثائرين لا لذنب جنوه إلا محاولتهم إنقاذ الأمة وتغيير الواقع الفاسد ولذلك اطلق الناس على السجون (قبور الاحياء)، فيقوم فراعنة الزمان بتغييبهم في الأقبية والسجون والطوامير لكي يموت على مر السنين ذكرهم ، ويقتلوا الأمل في قلوب أتباعهم .
فالسجون هي (قبور الأحياء) ولا فرق بين المسجون فيها والمدفون في قبر أخفيت معالمه خوفا عليه من الهتك .
ولا زالت قضية خفاء وإخفاء القبور جارية مجري الزمن مادام هناك ظالم يتربع على كرسي الزعامة الدنيوية بدون استحقاق . وأكبر قضية خفاء واختفاء لازالت تجري مع الزمن هي خفاء شخص أمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف ) الذي لازال مختفيا عن الأنظار يعيش أملا حيا في قلوب الصادقين من أتباعه وشيعته ، ولو ظهر يوما واحدا لما توانا الأعداء عن إخفاء شخصه قبل قبره . ودليلنا على ذلك هو ما يتعرض له المصلحون والقادة العظام من علماء هذه الأمة من ظلم واضطهاد وقتل وتشريد كالسيد قطب وحسن البنا ، والمصلح الكبير والثائر العظيم السيد محمد باقر الصدر (قدس) وأخته العلوية المظلومة ، أين قبورهما ؟
وكأني أنظر إلى الزمن الذي مازال واقفا مكانه يطل على عالمنا من كوة العصر الأول إلى زماننا هذا حيث لازالت عملية اخفاء قبور الاتقياء قائمة واخيرا اخترعوا احواض التيزاب لاذابة جسد الضحية واخفاء معالمها إلى الابد.
فسلام على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها وشيعتها ومن تعذب من اجلهم على طول التاريخ.
المراجع.
1- أصول الكافي ، ج1 ص 456 والأنوار البهية ص 108 0 وبحار الأنوار : ج42 ، ص 220 .
2- تاريخ اليعقوبي ج2 ص 126 .
3- القصة تقول بقى قبر اميرالمؤمنين مخفيا ، حتى زمن هارون الرشيد الذي كان في الحيرة وخرج للصيد بظاهر الكوفة ورأى غزالة فأطلق الكلاب عليها ، ولكن الغزالة ركضت ووقفت على تل رملي بجور قبر ترابي ، فوقفت الكلاب ولم تقرب لها وهكذا تكررت الحالة عدة مرات ، فانتبه هارون الرشيد إلى ذلك وبحث عن شخص يخبرة بحقيقة هذه التلة الترابية فوجدوا شيخا طاعنا في السن فسأله عن هذه التلة ولماذا لا تقرب منها الكلاب ؟ قال الشيخ : يا امير المؤمنين هذا قبر ابن عمك علي بن ابي طالب اخفوه خوفا عليه من الامويين . فنزل هارون الرشيد وصلى هناك وامر ببناء قبة عليه .
4- تهذيب التهذيب ، ج7 ص 319
5- المصدر السابق ، ج10 ص 430 أبن حجر .
6- الطبري ، ج9 ص 198 ، ومقاتل الطالبيين ص 200 .
7- الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج7 ص 18 ، طبع مصر الأولى .