أمة الاغتيالات ،هل قابيل هو إسرائيل ، ومن هم أحفاده؟ الجزء الثالث.

2024/09/27

أمة الاغتيالات ،هل قابيل هو إسرائيل ، ومن هم أحفاده؟ الجزء الثالث.
مصطفى الهادي


أشكل بعض الأخوة على ما تقدم من البحث من أن (إسرائيل) ليس كما ذكرت بأنه من ذرية الشيطان أو أنه من ذرية قابيل أو بقايا أمم سبقت آدم. وأنا معهم في هذا الإشكال لو كان البحث كما ألفوه يعتمد على القرآن والسنة وكتب السيرة الصحيحة، ولكن للتوضيح فإن هذا البحث هو ضمن البحوث المقارنة التي اعتمدت فيها بالدرجة الأساس على ما ورد في كتب الأديان السابقة حول الكثير من الشخصيات المهمة كالأنبياء والصالحين ومن آمن بهم. ولذلك أقول لهم بأن كل شخصيات التوراة والإنجيل سواء كانوا أنبياء رسل أو صالحين هم لا علاقة لهم بشخصيات القرآن، إلا ربما من حيث تشابه الأسماء وبعض الاشارات. فشخصية آدم في الكتاب المقدس غير شخصية آدم القرآن. وشخصية نوح التوراة غير نوح القرآن. ولوط أيضا غير لوط القرآن وهكذا بقية الشخصيات.

فآدم التوراة شخص كاذب مفتري رمى بذنبه برقبة زوجته حواء فعندما سأله الله تعالى عن سبب عصيانه : (قال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت).(1) وفي قوله هذا إشارة إلى تحالفها مع الشيطان للإيقاع به كما تقول كل التفاسير اليهودية والمسيحية من أنها (المدخل إلى الشيطان وأنها شرٌ لابد منه).(2) بل أن الكتاب المقدس يصفها بالشر المطلق (وجدت أمر من الموت: المرأة التي هي شباك، وقلبها أشراك، ويداها قيود. الصالح قدام الله ينجو منها).(3) بينما آدم القرآن اسجد الله له الملائكة وأن مسؤولية المعصية وقعت على آدم ولكنهما اشتركا معا في تحمل المسؤولية : (فوسوس إليه الشيطان .. فأكلا منها ... وعصى آدم ربهُ فغوى).(4) ولكن الكتاب المقدس ينفي ذلك ويجعل المرأة المدخل الذي دخل منه الشيطان فأغواها أولا، فيقوم بتبرئة آدم ويُحمّل حواء المسؤولية الكاملة، فيقول: (آدم لم يغو، ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي خدعت الحيّة ــ الشيطان ــ حواء بمكرها).(5)
وهكذا نوح التوراة بزلة لسانه يُدخل الشيطان للسفينة وأنهُ أدخل ابنه وزوجته إلى السفينة على الرغم من معصيتهما. ثم شخصية لوط في التوراة يُصورونه شارب خمر يمارس نكاح المحارم مع ابنتيه. وصولا إلى عيسى الذين يُصورونه أيضا سارق حمير ، صانع للخمور ، عاقّ بأمه، ضعيف مهزوز الشخصية، يأمر بذبح من لا ينتمي لدينه.(6)
وأيوب ذلك النبي الذي ضُرب المثل بصبره والذي وصفهُ الله تعالى بأنه عبده (واذكر عبدنا أيوب).(7) تصفه التوراة بأنه جحش الفرا. أي حمار الوحش.(8)
وأنه يتكلم بلا عقل وأنه شرير يتعدى على الله، وأنه يتكلم بالباطل، وكلامه بلا معرفة.(9) أيوب 35 : 16.
وهناك المزيد من الكلام البذيء بحق الأنبياء نُثبت من خلاله أن شخصيات التوراة والإنجيل تختلف اختلافا كليا عن شخصيات القرآن، وأن هناك تحريف مخيف طال تلك الكتب. حتى الملائكة في الكتاب المقدس يختلفون عن ملائكة القرآن، ففي الكتاب المقدس فإن الملائكة يأكلون طعام الناس ويتزوجون بناتهم، ويُنجبون جيلا من الأشرار. ولذلك عندما نبحث في تلك الكتب إنما قصدنا هو ذكر هذه الفوارق بين القرآن وتلك الكتب وإعطاء الأنبياء حقهم . وبما أن مدار البحث يدور حول شخصية قابيل ثم ذريته ثم يعقوب و إسرائيل، فإن هؤلاء جميعا شخصيات توراتية تختلف أيضا عن شخصيات القرآن. فيعقوب في التوراة مخادع محتال احتال على أبيه إسحاق لكي ينال البركة منه ــ النبوة ــ فسرقها من أخيه عيسو وفي رواية اشترى النبوة بصحن من العدس. فتصوّر التوراة يعقوب بالكذب مرارا، وانتحال شخصية أخيه كيدا، وأخذ ما ليس لهُ بحق. وكذلك يصمون أباهم إسحاق(ع) بالجهل الشديد إلى حد التغفيل والغباء حيث لم يستطع أن يميز بين ولديه وهكذا بالحيلة والمكر نال النبوة من أبيه.(10)
ولو تمعنت بما جاء في التوراة عن أسباب قيام الله تعالى بمنح لقب إسرائيل إلى يعقوب لهالك حجم الافتراء والكذب والغش. وكيف أن الله صارع يعقوب من أول الليل إلى الصباح، ولما لم يقدر تعالى أن ينتصر على عبده الضعيف يعقوب منحه النبوة وقال له: بما أنك أسرتني لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل).(11) ويعقوب هذا تنسب له التوراة أنهُ تزوج اختين معا. والتوراة تقرن بين يعقوب وإسرائيل وتجعلهما واحدا، بينما القرآن لم يذكر ذلك مع يعقوب، يعقوب بقى يعقوب حتى الممات. وكل خطاب القرآن كان موجها إلى بني إسرائيل فلم يُذكر معهم يعقوب على أنه إسرائيل وأن امته أو ذريته من بعده حملت هذا اللقب. ولربما ما ورد في بعض الأدعية والروايات عند المسلمين تسلل عبر الإسرائيليات.
وهكذا بقية أنبياء التوراة كلهم خطاة مجرمون يُمارسون الرذائل. بينما نرى القرآن يذكرهم بكل خير وتوقير ويُقدّم لنا شخصياتهم بصورة فريدة لا علاقة لها بأنبياء التوراة والإنجيل. ولذلك فإن نقد بعض الأخوة لبعض ما جاء في الموضوع ناتج عن عدم التفاتهم إلى أن الموضوع يعتمد بشكل أساس على ما جاء في كتب الديانات الأخرى، لفرز هذه الأمة الملعونة وإدانتها وذكر نسبها حسب روايات التوراة. وكذلك إدانة لتلك النصوص وتنزيه الصالحين من أنبيائه وخلقه وأن هذه الأمة الملعونة التي نراها اليوم تعيث فسادا في الأرض هم أبناء تلك الشخصيات المذكورين في التوراة والإنجيل. وليس الشخصيات التي ذكرها القرآن. ولكن مما يؤسف له أن نجد بعض المسلمين نسبوا للأنبياء نفس الاتهامات التي نسبتها لهم التوراة، وقد مرّ قسما منه في ما تقدم من البحث.
عشر أنبياء بعثهم الله إلى أحفاد قابيل ابتداء من آدم إلى نوح الذي بذل طيلة سنوات الجهد في نصحهم وإرشادهم ومحاولة هدايتهم (ولكنهم أبو الاستماع وبغوا هم وآباؤهم، وصلبوا رقابهم ولم يسمعوا لوصاياك. وأعطوا كتفا معاندة).(12) فلا تكاد تجد أمة بين الأمم في عنادهم وصلفهم وغرورهم،. وهذا القرآن يشهد أيضا على ذلك فيقول نوح (ع) : (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ؛ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ، واستغشوا ثيابهم ، وأصروا ، واستكبروا استكبارا . ثم إني دعوتهم جهارا ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا).(13) لقد كان صبر نوح عجيب، ولكنهُ وبعد سنين طويلة من التبليغ نفذ صبره فرفع رأسه إلى السماء : (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا).(14) والسؤال هو : إذا كان الله قد استجاب لدعاء نوح واهلك قومه وأن الأرض خليت من البشر، فلم يبق مع نوح إلا الفئة المؤمنة به فمن أين نجا بعض أحفاد قابيل ممن تصفهم الكتب المقدسة أيضا بأنهم (الطغاة الجبابرة أو العمالقة؟). هؤلاء الذي تدور حولهم الشبهات بأنهم من بقايا أمم بادت وبقى بعضها وفي قول البعض انهم المقصودين بقول الملائكة : (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء). فبعد طرد آدم وحواء من (جنة عدن) لم يكن آدم على علم بمن كان خارج أسوارها وكان يجهل حتى نوع المخلوقات خارج أسوار عدن. ولذلك لا نستغرب إذا قرأنا بأن قابيل بعد قتله لأخيه هرب ثم حصل على امرأة وتزوجها وبدأ بتكوين أسرة. من أين حصل على امرأة؟ هل كان العالم خارج أسوار عدن فيه مخلوقات عاقلة فكان آدم أول نبي لهم. فإذا كانت الأديان تقول بأن عمر البشرية من آدم يبلغ سبعة آلاف سنة، فإن ما وجده العلماء في الكهوف والجداريات وغيرها اقدم بكثير، وكل هذه الآثار تقوم بتصوير عالم فيه زراعة وماشية وصيد وتجمعات بشرية بدائية، ناهيك عن الأشياء التي اكتشفوها حديثا ويُحاولون إخفائها، وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض).(15)
فكما أهلك تعالى الجبابرة الطغاة في المرة الأولى وبقيت منهم بقية، فقد قرر تعالى إهلاك جبابرة قابيل أيضا كما نقرأ (حين هلك الجبابرة المتكبرون، التجأ العالم إلى سفينة، فأبقى للدهر ذرية تتوالد).(16) وهذا نظير قوله تعالى : (كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين). (17) يقول المفسرون : أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلكم أو أنشئوا مكان خلقٍ خلَف قوم. وقد أشارت التوراة إلى وجود بقية من أقوام منقرضة اطلقت عليهم إسم (عماليق) كما نقرأ ذلك (العمالقة هؤلاء من قديم سكان الأرض).(18) وهذا لربما يُفسر كيفية وجود بعض الطغاة، حيث كان العمالقة من المفسدين في الأرض يغيرون على الناس فينهبونهم ويحرقون منازلهم، ويخطفون بناتهم. صحيح أن الله اهلكهم في الطوفان إلا القليل منهم ممن استطاعت زوجة نوح التي خانت زوجها فأدخلت بعضا منهم في السفينة فكان عاقبتها أنها في النار. (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما).(19)
تحريف معنى خيانة زوجتي نوح ولوط من قبل بعض المفسرين فعل مقصود غايته تهويد الإسلام. لأن خيانتهما لا تتعلق بالشرف، بل بإفشاء الأسرار، لأن زوجة النبي بحكم كونها في بيته لربما تسمع بعض الأخبار وعليها عدم خيانة الأمانة. ولربما يقوم النبي بإخبار زوجته ببعض أنباء الوحي فتقوم الزوجة بإفشاء الخبر والقرآن أكد ذلك في قوله: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض).(20) وهذا هو مصداق فعل زوجة نوح الذي وصمهُ الله بالخيانة، فعندما سمعت أو أن النبي أخبرها بأن الله تعالى سوف يُغرق الأرض ليُهلك الأشرار الطغاة، (نبأت به)، ثم سهّلت عملية دخول بعض المجرمين إلى السفينة مِن عليّة قومها وكبارهم. فاعتبر الله تعالى ذلك خيانة منها استوجبت دخولها النار.
يقول الطباطبائي : (الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتداخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الأمانة، يقال: خنت فلانا وخنت أمانة فلان).(21) والدليل على أن خيانة امرأة نوح ولوط لا تتعلق بالشرف هو قوله تعالى قبل ذكر امرأتيهما (ضرب الله مثلا للذين كفروا). فبيّن تعالى أن القضية تتعلق بخيانة الأمانة، والكفار هم اكبر شريحة خانت الأمانة.
(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات).(22)
فزوجت نوح بحكم هذه الآية هي من المنافقين ولكن نلاحظ أن التوراة قامت بتبرأة زوجة نوح وابنها، وقالت بأنهما ركبا السفينة مع نوح، وهذا ما نفاه القرآن. أما امرأة نوح فلا نعلم كيف كان هلاكها ولكن على ما يبدو من سياق الآية أنها من أهل النار، ولكنها بقيت مع نوح فكانت تظهر إيمانا وتُبطن كفرا، كما كان من أمر بعض نساء نبينا محمد (ص). حيث حذرهما الله بأن ضرب الله لهما مثل امرأتي نوح ولوط ملمحا إلى أفعالهما مع النبي. أما ابن نوح في رواية القرآن تأكد أنهُ مات غرقا: (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين).(23) ولكن التوراة تزعم بأن ابن نوح نجا من الغرق بركوبه السفينة: (وقال الرب لنوح: ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك. فدخل نوح وبنوه وامرأته إلى الفلك من وجه مياه الطوفان ودخل معهُ من البهائم اثنان اثنان ذكرا وأنثى كما أمر الله نوحا).(24) فلم تذكر التوراة أي شيء عن ابن نوح ، سوى أنها قالت بأن جميع أهل بيته ركبوا معهُ (فدخل نوح وبنوه وامرأته). وامرأة نوح كما في بعض المصادر نسبها يمتد إلى قابيل عبر حفيده لامك بن متوشائيل بن مهويائيل بن عيراد بن خنوخ بن قابيل بن آدم.ولهذا السبب كانت الخيانة متشربة في روحها. ولكننا لربما نفهم من قول القرآن بأن امرأة نوح نجت من الغرق كما نقرأ : (ونجيناه وأهلهُ من الكرب العظيم).(25)
وأما إبليس الذي كان وراء هذا البلاء كله، فلم يغرق ولا أدري هل كان يعرف السباحة أو ان له أجنحة كما في الروايات، والروايات في ذلك كثيرة أغلبها إسرائيلية إلا من قول المعري في رسالة الغفران في قصيدته بأن إبليس طار محلّقا فوق الماء. وهذا وارد لأن الشياطين كانوا يفعلون ذلك كما نفهم من آيات القرآن من أن الأبالسة كانوا يجوبون أقطار السماوات والأرض ويسترقون السمع (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا).(26)
يقول المعري عن نجاة إبليس في زمن الطوفان: (وطرت في زمن الطوفان معتلياً ــ في الجو حتى رأيت الماء محسورا).(27) بينما تقول الروايات الإسرائيلية بأن إبليس عندما منعهُ نوح من ركوب السفينة دخل في جوف حمار وتسلل إلى السفينة.(28) مع الأسف هذه الرواية مذكورة في كتب السنة والشيعة. في الكامل في التاريخ و البحار. ونسوا أن إبليس من المنظرين إلى اليوم المعلوم.
وبالعودة إلى يعقوب فمما يؤسف له تسلل بعض الإسرائيليات إلى بعض أحاديث وأدعية الشيعة. صحيح أنه لم ترد روايات صحيحة في أن يعقوب هو إسرائيل. ولكن ورد في دعاء السمات مثلا ذكر يعقوب على أنه إسرائيل. كما في قوله: (وباركت ليعقوب إسرائيلك في أمة موسى عليهما السلام).(29).
وعن مدى صحة دعاء السمات أجاب السيد سعيد الحكيم (رض) قائلا : (سنده ليس صحيحا بالمعنى المصطلح، إلا أنهُ مشهور بين قدماء الأصحاب).(30) دعاء السمات قال بعض كبار علماء الشيعة بأنه من احسن الأدعية يقولون ورد فيه اسم الله الأعظم . ولكن لربما قام أحدهم بوضع بعض أخبار بني إسرائيل في الدعاء، ضمن محاولة تهويد الدين الإسلامي المستمرة والتي ابتدأت من زمن عمر بن الخطب على عهد النبي (ص). فمن غير المنطقي أن ترد قصة انتصار بني إسرائيل ونفخهم بالأبواق (الشبور).وانتصارهم على عدوهم وتهدمت أسوار مدينة أريحا بسبب صياحهم والنفخ بالشبور، والتي اجمع الكثير من العلماء على كذبها. من المستبعد ان ترد على لسان أئمتنا المعصومين سلام الله عليهم. وخصوصا إقحام اسم يعقوب على أنهُ إسرائيل وهو مما لم يرد في قرآن ولا حديث صحيح. ولكن لربما الصحيح من الدعاء قوله : (وباركت ليعقوب في أمة موسى عليه السلام). خالية من إسم (إسرائيلك).
وأما دعاء الشبور الذي أعطاه الله تعالى لموسى فأصله من التوراة يقول : (ويكون عند امتداد صوت القرن، عند صوت البوق جميع الشعب يهتف فيسقط سور المدينة في مكانه.. وصعد الشعب إلى المدينة وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف).(31) لا أدري كيف يقبل أحد بإضافة ما هو شبيه بهذا النص في دعاء السمات لا بل تغيير اسمه إلى (الشبور). في إشارة إلى دعاء موسى واستخدم بني إسرائيل البوق (الشبور) ولذلك لا نستغرب إذا أطلق البعض على دعاء السمات بأنه : دعاء اليهود.(32)
الغريب أن ورود اسم الشبور في الدعاء والذي عجز بعض المفسرين عن تفسير سببه حتى المفسر المسيحي لم يستطع ان يخرج من مشكلة انهيار سور مدينة أريحا بمجرد النفخ في الشبور، فقال مبررا ذلك (فمن قال أن الرب لا يستطيع أن يستخدم الموجات الصوتية بمعجزة يقوي من الذبذبات الصوتية وتأثيرها لإسقاط السور. بل من قال أن الأصوات والذبذبات الصوتية القوية لا تُسقط المباني). انظر موقع هولي بيبل تفسير نص سفر يشوع 6.لائحة المقالات : موضوع كيف الأصوات فقط تهد أسوار أريحا.
وأما رواية أهل السنة في كيفية دخول الشيطان إلى السفينة فهي تشبه النكتة لأنها تجعل من النبي نوح (ع) غير منتبه لكلامه، تقول الرواية : (كان آخر من دخل السفينة الحمار ، فلما دخل صدره تعلق إبليس بذنبه فلم ترتفع رجلاه ، فجعل نوح يأمره بالدخول فلا يستطيع حتى قال : ادخل وإن كان الشيطان معك . فقال كلمة زلت على لسانه، فلما قالها دخل الشيطان معه، فقال له نوح : ما أدخلك يا عدو الله ؟ فقال: ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك ؟ فتركه).(33) وقد غفل واضع هذه الرواية من أن الشيطان من المنظرين إلى اليوم المعلوم فلا يضره الطوفان.
وبالعودة إلى خيانة زوجة نوح ، ذهب المفسرون بأن تلك الخيانة متعلقة بالعقيدة لا بممارسة الجنس، لأن نوح عندما نادى ربه بأن ينقذ ابنه، لم يجبه الله بأنه ليس ابناً لنوح، بل كانت الإجابة، بأنه ليس من أهل نوح. واستدلّ المفسرون على ذلك بالآية التي تذكر إبراهيم وسؤاله أن تكون الإمامة أيضاً في ذريته، فكانت الإجابة قاطعة من السماء بأن العهد الإلهي لا يناله الظالمون، فالقضية ليست قضية بنوة، وإنما عقيدة دينية، لأن الكفر يقطع العلاقة، أكانت أبوية أو عقائدية، فابن نوح كافر، وبذلك انقطعت علاقة الأبوة بين نوح وابنه بسبب اختلاف العقيدة، فهذا الابن ليس من الصالحين الذين وعد الله نوح أن ينجيهم. فإذا كانت امرأة نوح زانية، فنوح بالضرورة زان، بموجب الآية: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).(34) وهذا غير معقول بسبب أن الله قد حصّن الأنبياء ووسمهم بالعصمة. ولربما أن ابن نوح ليس من أهله. لأن نوح ينتسب إلى آدم عبر شيت النبي الصالح. بينهما زوجة نوح ترجع في نسبها إلى قابيل القاتل، ولهذا كان ابن نوح أقرب إليها وإلى أفعالها الكفرية، والكفر حد فاصل بين العلاقات. وهذا ما حصل مع النبي محمد (ص) عندما أعلن دعوته، انقسمت عشيرته قريش، وتفرقت العائلات، بين متبع له ورافض له. لقد فصم الإسلام الروابط العائلية، وفرق بين الأبناء والآباء، فكان لا بد من التبرير المنطقي والعقائدي للهدم الذي أصاب بنية الأسرة، فكان الجواب، بأن العقيدة فوق أي اعتبار، لذلك كانت الإجابة واضحة للنبي نوح بأن ابنه ليس من أهله، فأهله هم المؤمنون لا الكفار.
لا نستغرب من بقاء بني إسرائيل وتخريبهم المستمر للأجيال التي وجدوا فيها. لأن الله تعالى لا يُهلك المنافقين والفاسقين بل يعطيهم الفرصة لحكمة لربما هي أن بعضهم سوف يُنجب صالحين على قول المثل: (يُخرج الطيب من الخبيث، والخبيث من الطيب).(35)
أخبرنا تعالى بأن هناك أمم كثيرة لا نعرف عنهم شيئا فهم في علم الله تعالى. فلا نبالغ إذا قلنا بأن جوج ماجوج ، وبني إسرائيل من هذه الأقوام المجهولة التي لربما تتستر بين الشعوب وتظهر بقوة بين فترة وأخرى لتُثير الفتن والحروب إشباعا لرغبتها التي ورثتها من القاتل الأول. وهناك رأي آخر عجيب يقول أن هؤلاء الأقوام اختبأوا في جينات البشر الصالحين، ولذلك لم يعرفهم أحد إلا من خلال أعمالهم الشريرة ، قال تعالى : (ألم يأتكم نبأ الذي من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذي من بعدهم لا يعلمهم إلا الله).(36) وعلى ضوء قوله تعالى لا يعلمهم إلا الله لا نستغرب بقاء بعض من أهلكهم الله قبل خلق آدم ، خصوصا من اظهر إيمانا ثم خرج من صلبه فيما بعد من يعمل عمل الأمم الهالكة وقد قال الطباطبائي (خلق المؤمن من الكافر وخلق الكافر من المؤمن فإنه يعد المؤمن حيا والكافر ميتا، قال تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه).(37)
ونستخلص من ذلك، إذا كان إسرائيل عبدٌ صالح ، أو هو قابيل نفسه النادم التائب وأن ذريته حملت اسمه من بعده بعنوان بني إسرائيل فهؤلاء أغلظ لهم القرآن القول ووصفهم بالنفاق واللعن والفسق كما نقرأ: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. ترى كثيرا منهم يتولون الذي كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون).(38) فكما لعن الله تعالى ابن نوح واهلكه ، فقد لعن هذه الأمة الملعونة. لا بل أن الكتب المقدسة الثلاثة لعنتهم كما في رواية ابن عباس : عن ابن عباس قوله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) قال: لعنوا بكل لسان: لعنوا على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمد (ص) في القرآن.((39) فهل يُرتجى من هذه الأمة صلاح بعد أن لعنهم جميع الأنبياء ولا زال هذا اللعن واضحا في الكتب السماوية، ولعنتهم هذه امتداد لعنة جدهم الأكبر قابيل الذي لعنه الله ولعنته الأرض التي سفك عليها دم أخيه (الآن أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك).(40)
فقد كان الجبارين أول من سكن هذه المنطقة (فلسطين) وهذا باعتراف التوراة نفسها مع عدم وجود دليل على الأرض ، حيث تقول : (عماليق أول الشعوب).(41) تقول دائرة المعارف الكتابية : (وعبارة أول الشعوب تعني أنهم أول شعب سكن تلك المنطقة).(42) هذا الشعب أو هذه الأمة لازالت تخوض الحروب وتخلق الفتن، ولذلك اعلن الله تعالى الحرب عليهم عبر المؤمنين من جيل إلى جيل : (للرب حربٌ مع عماليق من دورٍ إلى دور).(43)
ومما يلفت الأنظار في الأدب الأوربي أنهم فهموا العلاقة بين قابيل واليهود وهذا واضح (في الفنّ المسيحيّ الذي يعود إلى القرون الوسطى، ولا سيّما فنّ القرن السادس عشر، كان قابيل يُرسم بشكل نمطيّ على هيئة يهوديّ ملتحٍ وذي شعر أشعث وهو يقتل هابيل الذي يظهر بملامح أوربّية وشعر أشقر ويرمز للمسيح. وقد استمرّ هذا التصوير التقليدي لعدّة قرون. وأقرب مثال عليه هو لوحة جيمس تيسو بعنوان قابيل يقود هابيل إلى الموت والمرسومة في القرن التاسع عشر. لكن في ما بعد أصبح قابيل يُصوّر كأب للمجموعات السرّية وعصابات الجريمة المنظّمة).(44)
المصادر:
1- سفر التكوين 3 : 12.
2- القديس تونوليان قال عن المرأة: إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله. وكذلك قول القديس سوستام: إنها شر لابد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومصيبة مطلية مموهة.
3- سفر الجامعة 7 : 26.
4- سورة طه آية : 120 ــ 121.
5- رسالة تيموثاوس الأولى 2 : 14. و: كورنثوس الثانية 11 : 3.
6- فزعموا أن المسيح (ع) أمر قائلا : (أما أعدائي، أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم ، فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي، ثم أمرهم قائلا : من لم يكن لهُ سيف فليبع ثوبه ويشتري). إنجيل لوقا 19 : 27.و : إنجيل لوقا 22 : 36.
7- سورة ص : 41.
8- (يقول صوفر النعماتي ــ من أصحاب أيوب الثلاث ــ وهو يوبخ أيوب ويذكره بأن الله يعرف جميع شروره المخفية، والتي من أجلها استحق كل هذه النكبات. وبذلك فهو عديم الفهم وجاهل وغبي؛ لأن حكمته هي من الله ، فإن انفصل عن ألله بسبب شرّه، صار مثل أغبى الحيوانات، أي الجحش وهو ابن الحمار الوحشي ، فهو غبي جدا وعنيد في نفس الوقت. وبهذا يوبخ صوفر أيوب، فهذه الصفات تنطبق على أيوب، وبالتالي كيف يتجاسر ويُجاوب الله). تفسير الكتاب المقدس ، الموسوعة الكنيسة لتفسير العهد القديم : تفسير سفر أيوب : 11.
9- (إن أيوب يتكلم بلا معرفة، وكلامه ليس بتعقل. يقول المفسر المسيحي : أجوبة أيوب على أصدقائه كانت تحمل تعدي على الله، مثل الأشرار؛ الذي عبّر عنهُ أليهو بأنه : يصفق بيننا أي يتمرد على الله أمامنا).تفسير الكتاب المقدس، الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم. تفسير سفر أيوب : 34.
10- سفر التكوين 27 : 21 ــ 24.
11- سفر التكوين 32 : 28.
12- سفر إرمياء 9 : 16 ــ 29.
13- نوح آية : 5.
14- نوح آية: 5.
15- سورة غافر آية : 21.
16- سفر الحكمة 14 : 6. ونفس التوراة تذكر بأن هناك بقايا من العالم القديم (إن كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم، وسلمهم محروسين للقضاء، ولم يشفق على العالم القديم).() بطرس الثانية 2 : 3 ــ 6.
17- سورة الأنعام آية : 133.
18- سفر صموئيل الأول 27 : 8.
19- التحريم : 10.
20- التحريم آية : 4.
21- تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٤٣.
22- الأحزاب آية : 72.
23- هود : 43.
24- سفر التكوين 7 : 1 ــ 9.
25- الصافات : 76.
26- سورة الجن آية : 9.
27- فلا بد أن المعري اطلّع على بعض الكتب التي تقول ذلك ولكن لربما فُقدت هذه الكتب. أبو العلاء المعري كتاب رسالة الغفران ص : 78.
28- رواية الشيعة وردت في قصص الأنبياء ،عن الصدوق، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (جاء نوح عليه السلام إلى الحمار ليدخله السفينة فامتنع عليه، قال: وكان إبليس بين أرجل الحمار فقال: يا شيطان ادخل فدخل الحمار ودخل الشيطان).() بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٩ - الصفحة ١٩٥.
29- دعاء السمات يُسمى أيضا دعاء الشبور وهي بالعبرية تعني البوق، وقريب منها بالفارسي (شيبور). يقول الشيخ الكفعمي عن سبب تسمية دعاء السمات بالشبور : أوحى الله بهذا الدعاء لنبيه موسى ، وقد كتبه لقومه ونفخوه في أبواق عندما حارب يوشع بن نون العماليق وهزمهم، والمقصود احتلال أريحا.
30- كتاب الفتاوى ، أسئلة وأجوبة، السيد محمد سعيد الحكيم الطباطبائي. طبع دار الهلال، طبعة ثالثة : 2013.
31- سفر يشوع 6 : 5 ــ 20.
32- هناك روايات تنفي أن يكون دعاء السمات منسوبا لليهود، ولكن نظرا لورود بعض ما تشابه مع التوراة، إضافة إلى حشر أسماء إسرائيلية فيه كما تقدم في محله.
33- الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ص 62. باب الأحداث التي كانت في زمن نوح عليه السلام.
34- سورة النور آية : 3.
35- وهذا القول نسبه البعض للفرّاء كما في : تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ٤٦ . وهو نظير قوله تعالى : (يُخرج الحي من الميت والميت من الحي). الروم: 18.وكذلك قوله تعالى : (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب). آل عمران : 179. قال الطبري في تفسير الآية : حتى يُخرج المؤمن من الكافر.
36- سورة هود : 9.
37- الأنعام: 122. تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٦٢.
38- سورة المائدة آية: 78 ـ 81.
39- تفسير الطبري ، تفسير سورة المائدة : 78.
40- سفر التكوين 4 : 11.
41- سفر العدد 24 : 20.
42- دائرة المعارف الكتابية المسيحية: عماليق.
43- سفر الخروج 17: 16.
44- مدونة علي هادي اليامي خواطر وأفكار، مقال بعنوان : قابيل وهابيل.الأربعاء،29 مايو 2013.

أخترنا لك
لجيوش القادمة من الشرق . من هم؟

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة