إصلاح الإمام الحسين ، وإصلاح عائشة.

2024/08/25

إصلاح الإمام الحسين ، وإصلاح عائشة.

كل دعوى الأنبياء ورسالاتهم إنما انزلها الله تعالى للهداية والإصلاح. فهذا هود (ع) يقول : (إن أريدُ إلا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله).(1) وهذه وصية موسى لأخيه هارون: (وقال موسى لأخيهِ هارون اخلفني في قومي وأصلح).(2) وقال تعالى : (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس).(3) فالإصلاح مطلب إلهي وهو السبيل إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
دعوة عائشة في طلب الإصلاح سبقت الحسين (ع). وكان شعارها : (الإصلاح بين الناس).(4) ولكن سبق دعوتها هذه تحذيرٌ من النبي (ص) لها وللمسلمين. فقال لها : (إياك ان تكوني أنت يا حميراء).(5) وحذر النبي المسلمين من عائشة في الحديث الصحيح الذي يرويه أهل السنة من أنه (ص) أشار إلى غرفتها وقال : (من ها هنا يخرج قرن الشيطان).(6) وكل ذلك تحققت مصاديقه، وهذا ما تؤكده روايات عائشة نفسها. قال الإمام أحمد : (أن عائشة قالت : لما أتت على الحوأب وسمعت نباح الكلاب ، ما أظنني إلا راجعة، إنني هي.(7) فقال لها الزبير: عسى الله أن يُصلح بك بين الناس. يتبين لنا من خلال هذه الروايات أن عائشة وأصحابها يرون أنهم إنما خرجوا للإصلاح بين الناس. فهل تحقق ذلك؟
(إصلاح عائشة) كان أول صدام مسلّح بين المسلمين تسبب بتعطيل إدارة الدولة لأشهر عديدة. وإشغال الجيوش عن إكمال رسالتها في الفتح ونشر الإسلام ، وأعطى صورة جدا سيئة للأمم الأخرى التي كانت تراقب نهضة الإسلام الجديد.
(إصلاح عائشة) تسبب بقتل أكثر من عشرين ألف مسلم ظلما وعدوانا وخداعا وهذا العدد يُقابله أعداد هائلة من اليتامى والأرامل اثقلوا كاهل بيت المال الذي سرق محتوايته أتباع الجمل، ناهيك عن نتائج كارثية من خلال تعطل كل مصالح الدولة الصناعية والزراعية حيث ترك الرجال مصالحهم ليتجالدوا بالسيوف. يقول المسعودي في عدد قتلى معركة الجمل : (أن الذي قتل من أصحاب علي في ذلك اليوم خمسة الاف نفس ومن أصحاب الجمل وغيرهم من أهل البصرة ثلاثة عشر ألفاً، وقيل غير ذلك).( 8 )
(إصلاح عائشة) هيأ الفرصة لمعاوية في الشام أن يتهيأ لما بعد معركة الجمل، الذي كان يعد العدة للانفصال بالشام وفلسطين والأردن ومصر. وفي زمنه ظهر مصطلح (أهل السنة والجماعة).فكان أخطر صدع ظهر في الأمة الإسلامية لم يرأب إلى هذا اليوم. فكان هذا الانشقاق من مصاديق حديث النبي (ص) : (تفترق أمتي على ثلاث وسبعون فرقة).(9)
(إصلاح عائشة). ندمت عليه وبكت كثيرا. فقال ابن تيمية عن ذلك : (تبين لعائشة لو أنها تركت الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبُل خمارها).(10) وكانت عائشة إذا قرأت: (وقرن في بيوتكن) بكت حتى تبل خمارها. هذا هو إصلاح عائشة. وكان يؤذيها جدا من يُذكرها بحديث الرسول في حجة الوداع عندما قال لهن : (هذه الحجة وظهور الحصر). يعني المنع من الخروج ، ثم نزل قوله تعالى : (وقرن في بيوتكن).فكن لا يخرجن من بيت النبي (ص) ابتداء من وفاة رسول الله (ص) وخلافة أبو بكر وحتى آخر خلافة عمر بن الخطاب. ولكن عمر بن الخطاب تمهيدا لخروج العائشة لتأدية دورها المناط بها فيما لو استلم عليا (ع) الخلافة، قام عمر بإبطال حديث رسول الله (ص) فسمح لنساء النبي في آخر خلافته بأن يخرجن لإداء فريضة الحج. نساء النبي رفضن ذلك وقلن: (لا تخرجنا دابة من بيوتنا) إلا عائشة، فإنها استجابت لفتوى عمر وخرجت للحج.(11) ثم سار عثمان بن عفان على نهج عمر ، فكان يحج بعائشة ، حتى يعتاد الناس على خروجها للحج، فلا يستنكروا فيما بعد خروجها لحرب علي (ع) فيما لو فعلت ذلك.
كم هو الفرق بين الإصلاحين. إصلاح الإمام الحسين (ع) الذي جاء لإحياء دين جده (ص) وتقويض خلافة يزيد الذي ورث كل أحقاد السقيفة وأحقاد جده أبو سفيان وأبوه معاوية فتوارث عنهم أحقاد جاهلية بدرية أحدية. فكان يزيد خلاصة كل تلك الشرور التي انحرفت برسالة السماء وتسببت في تشرذم المسلمين.(12) ولذلك رفع الإمام الحسين (ع) شعاره (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).(13) وقد مهّد النبي الأمة لثورة الإمام الحسين (ع) فيما لو قام، بأحاديث كثيرة منها قوله (ص) : (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).(14) يعني هما إمامان في الحرب والسلم. وقال عن الإمام الحسين (ع). بأنه سيّد شباب أهل الجنة. ونزل جبرائيل بتربته من السماء ، وقال للنبي : (على هذه التربة يُقتل الحسين).(15) كل ذلك كان تمهيدا لثورة الإمام الحسين الإصلاحية.
أما (إصلاح عائشة) ففي معناه الحقيقي الذي يستتر تحت يافطة (الإصلاح) إنما دورها فيه حصرا، تقويض خلافة الإمام علي الشرعية التي هي امتداد لرسالة الأنبياء وتثبيتها لحكم السقيفة. أو إجبار الإمام علي (ع) على التنحّي، أو قتله في أسوأ أحوال عائشة، وكل ذلك طمعا في أن يكون الخليفة بعده (طلحة بن عبيد) الأشلّ. الذي كان يهواها، وهو القائل: (لو مات محمدا تزوجنا نسائه).(16) فتسبب إصلاحها في مفسدة عظيمة أرست بها دعائم ملك بني أمية، ووضعت حجر الأساس لدولة السفياني.
المصادر:
1- هود : 88.
2- الأعراف : 142.
3- النساء : 114.
4- قال الطبري: (فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة ، فسلم عليها، وقال: ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني: إصلاح بين الناس). تاريخ الطبري ج3 ص : 502.
5- أخرجه الحاكم في مسنده حديث رقم : (4610).
6- نقل البخاري حديث رقم : (3104) عن نافع عن عبد الله قال : قام النبي (ص) خطيبا ، فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: (هُنا الفتنة ثلاثا من حيثُ يطلع قرن الشيطان). باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله من كتاب الوصايا قبيل كتاب بدء الخلق من صحيحه: ج ٤ ص ١٠٠، ط دار إحياء التراث العربي. وهو متفق عليه بلفظه بين السنة والشيعة كما ورد بنصّه في بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٢ - الصفحة ٢٨٧.
7- في رواية المسعودي : (وسار القوم نحو البصرة، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يُعرف بالحوأب، فعوت كلابهم على الركب، فقالت عائشة ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها سائق جملها: الحوأب. فاسترجعت وصاحت: ردّوني إلى حرم رسول الله، لا حاجة لي في المسير، فقال الزبير: بالله ما هذا الحوأب، فجاء طلحة وشهد معه خمسون رجلا . فكان ذلك أول شهادة زور أقيمت في الإسلام.
8- مروج الذهب للمسعودي ، فصل خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. تدبير الخروج على علي.
9- وهو الحديث : (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة).رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم، وقال : صحيح على شرط مسلم. قال الدكتور التيجاني السماوي في كتابه (ثم اهتديت ص 170): (( لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلا أنهم اتفقوا على تسمية العام الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة وذلك بعد صلحه مع الإمام الحسين (ع). فالتسمية بأهل السنة والجماعة دالة على ابتاع سنة معاوية والاجتماع عليه ، وليست تعني اتباع سنة رسول الله (ص).ويُكذّب زعمهم بأنهم (أهل السنة). هو قوله تعالى (ولن تجد لسنة الله تبديلا). الأحزاب آية : 62.بينما نرى في كتب أهل السنة خليط عجيب من الأحاديث الموضوعة والكاذبة.
10- منهاج السنة ج4 ص : 316. كانت تبكي وتقول : إن يوم الجمل لمعترض في حلقي. ليتني مت قبله ، أو كنت نسيا منسيا. بلاغات النساء ص : 8. و : تذكرة الخواص ص : 46.
11- (أذن عمر لأزواج النبي في آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف).فتح الباري شرح صحيح البخاري ابن حجر ص : 87. وأخرجه البخاري في باب حج النساء ج4 ص : 86، حديث رقم : 1860. وقال ابن الطبري في القرى ص 74: قول النبي (ص) . (ثم ظهور الحصر) معناه: ثم لا تخرجن من بيوتكن وتلزمن الحصر.
12- جاهر يزيد بذلك عندما انشد أبيات التي يقول فيها
ليت أشياخي ببدر شهدوا **** جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا الضعف من أشرافكم *** وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا **** خبرٌ جاء ولا وحي نزل. مصادرها : ابن كثير في "البداية والنهاية"، وابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب". وكذلك ابن عساكر في "تاريخ دمشق وغيرهم.
13- علل الشرائع ج1 ص : 248 ، باب : 159. وقد تواتر في كتب السنّة ولكن قالوا من دون إسناد، ولكن الحديث ورد في اكثر من عشر مصادر عندهم.
14- لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب . بحار الأنوار، المجلسي، ج44 ص : 329.
15- مجمع الزوائد للهيثمي ج9 حديث رقم : 1879.وقد تواتر عند السنة والشيعة.
16- طلحة بن عبيد نزل بحقه قوله تعالى : (ما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجهُ من بعده أبدا إن ذلك كان عند الله عظيما). تفسير سورة الأحزاب: 33. الدر المنثور للسيوطي.

أخترنا لك
تيس الخطيّة.هل المسيح يغفر الخطايا والذنوب؟

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة