إن الأبرار لفي نعيم، من هم الأبرار في التوراة والإنجيل والقرآن.
2024/08/25
إن
الأبرار لفي نعيم، من هم الأبرار في التوراة والإنجيل
والقرآن.
ينقل متى في إنجيله أن السيد
المسيح قال لأتباعه : (أقول لكم ان كثيرين سيأتون من المشارق
والمغارب ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وأما
بنو الملكوت فيُطرحون الى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير
الأسنان).(1)
من هم هؤلاء الذين يأتون من
المشارق والمغارب ويجلسون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت
السماء. ومن هم أبناء الملكوت الذين سيُطرحون في الظلمة الخارجية
حيث البكاء وصرير الأسنان. تعالوا نسأل الإنجيل عن هؤلاء الذين
سيُطرحون في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان. من
هم.
أولا : اليهود لم يرد في توراتهم
أي ذكر لملكوت أو أبناء الملكوت. التوراة تزعم أن اليهود أبناء
الله. (بني إسرائيل يُقال لهم : أبناء الله الحي).(2)
الثاني يقول بولص في إنجيله، وليس
إنجيل المسيح عن المسيحيين بأنهم أبناء الله أيضا : (لأنكم جميعا
أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع).(3)
ولكن القرآن نفى ذلك عنهم فقال:
(وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم
بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق).(4)
أما عن أبناء الملكوت والأبرار
فيقول متى في إنجيله بأن السيد المسيح جمع تلاميذه وضرب لهم مثلا
وصفهم فيه بأنهم مثل (الزوان) فلم يفهموا ذلك فاجتمعوا وسألوه:
(فتقدم إليه تلاميذه قائلين: فسر لنا مَثل زوان الحقل. فقال لهم:
الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان والحقل هو العالم. والزرع الجيد
هو بنو الملكوت والزوان هو بنو الشرير والحصادون هم الملائكة. فكما
يجمع الزوان ويحرق بالنار، هكذا يكون في انقضاء هذا العالم: يرسل
ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم،
ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. حينئذ
يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم).(5)
ولما رأى السيد المسيح أنهم لم
يفهموا هذا المثل وبخهم قائلا: (مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا
يسمعون ولا يفهمون). ثم كرر عليهم الجواب قائلا : (إن كثيرين سيأتون
من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت
السماوات،وأما بنو الملكوت فيُطرحون إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون
البكاء وصرير الإسنان. أفهمتم هذا كله؟ فقالوا: نعم، يا
سيد).(6)
وأما لوقا في إنجيله فكان اكثر
وضوحا في بيان هذه الفئة التي سوف تُطرح خارجا فيقول بأن السيد
المسيح أوصى أتباعه قائلا: (اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق، فإني
أقول لكم: إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون، لأن رب البيت قد
أغلق الباب،وابتدأتم تقفون خارجا وتقرعون الباب قائلين : يا رب يا
رب افتح لنا. فيقول لكم : لا أعرفكم من أين أنتم! تباعدوا عني يا
جميع فاعلي الظلم هناك يكون البكاء وصرير الأسنان، متى رأيتم
إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله ، ويأتون من
المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب، ويتكئون في ملكوت الله.
وأنتم مطروحون خارجا).(7)
مما تقدم نفهم أن التوراة وصفت
اليهود بأنهم أبناء الله. والإنجيل وصف أتباعه بأنهم أبناء
الملكوت.
أما أبناء الله فقد وصفتهم
التوراة بأنهم ملعونين ومغضوب عليهم.كما نقرأ ذلك في نصوص كثيرة مثل
قوله (أسخطتم الرب، فغضب الرب عليكم).(8) وقوله: (أنزلت عليهم غضبي)
وقوله : (يحل عليهم غضبي) وكذلك قوله) : إن بيت إسرائيل لمّا سكنوا
أرضهم نجسوها بأفعالهم فسكبتُ غضبي عليهم).(9) وكذلك قوله (فارتجت
الأرض وارتعشت. أسس السماوات لأنه غضب. فحمي غضب الرب على
إسرائيل).(10)
وأما وصف السيد المسيح لأتباعه
بأنهم أبناء الملكوت فقد كان ذلك بشروط إن هم التزموا بها دخلوا
الملكوت. ولكن السيد المسيح أخبرهم بأنهم سوف ينقلبون عليه وينحرفون
ويقعون في الضلالة، فيغضب الله عليهم ويطرحهم في الظلمة. فقبل أن
يرحل السيد المسيح (ع) أوصاهم: (فقال انظروا لا تضلوا فإن كثيرين
سيأتون باسمي فلا تذهبوا ورائهم).(11) ولكنهم لم يلتزمون بوصيته
فركضوا وراء كل من زعم أنهُ نبيا ، وركضوا وراء كل أكثر من سبعين
نبيا ظهروا بعد رحيل السيد المسيح أولهم بولص شاول. فوصفتهم رسالة
بطرس بأنهم ضلوا : (قد تركوا الطريق المستقيم، فضلوا، هذا ما ارتأوه
فضلوا، لأن شرهم أعماهم).(12) فكان مصيرهم أن طرحهم الله تعالى في
الظلمة حيث البكاء وصرير الأسنان.
وهكذا كان مصير من زعموا أنهم
أبناء الله أو أبناء الملكوت. الطرد والبكاء وصرير
الأسنان.
ولكن من هم الأبرار الذين يُضيئون
كالشمس في ملكوت أبيهم إبراهيم الذين ذكرهم السيد المسيح؟ (يضيء
الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم).
أولا: أن الملكوت المذكور في
الإنجيل والقرآن هو ملكوت الله المادي وهما محل تدبير الله تعالى :
(يدبر الأمر من السماء إلى الأرض). وهو الذي أراه الله تعالى
لإبراهيم. (وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من
الموقنين).(13) فلا يُدخل الله سماواته أحد إلا بالعمل الصالح.
فالقرآن لم يصف أحد بأنهم أبناء الله أو أبناء الملكوت. بل قال بأن
كل إنسان رهين بعمله (كل نفس بما كسبت رهينة).(14) ولكن القرآن وصف
فئة من الناس بأنهم (الأبرار)، التي توسل المؤمنين بالله من أجل أن
يُلحقهم بهم كما يقول القرآن (ربنا إنا سمعنا مناديا يُنادي للإيمان
أن آمنوا بربكم فآمنا. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيئاتنا
وتوفنا مع الأبرار).(15) إنها أمنية عزيزة جدا أن يتمنى المؤمن
الموت مع الأبرار. فهل المقصود بالأبرار المسلمين كلهم فاسقهم
ومؤمنهم أم هناك فئة معينة وصفهم الله تعالى بالأبرار، وقال عنهم:
(إن الأبرار لفي نعيم).(16)
راجعنا تفاسير أهل السنة فوجدنا
الارتباك في تفسير النص كبير ومجمل ما يقولوه : (الأبرار هم الذين
بروا الله تبارك وتعالى بطاعتهم إياه وخدمتهم لدينه حتى أرضوه فرضي
عنهم، وقيل: هم الأنبياء والصالحون، وقيل: هم المؤمنون الصادقون في
إيمانهم المطيعون لربهم). فكل من هب ودب من المسلمين إذا توفرت فيه
هذه المزايا حتى لو كانت ظاهرية فهو من الأبرار. ولكن بالرجوع إلى
الآية نجد أن هؤلاء المؤمنين لم يقولوا (وتوفنا أبرار). بل قالوا
(وتوفنا مع الأبرار). فمن هؤلاء الأبرار الذين يتمنى المؤمنون أن
يتوفوا معهم.
تواترت الروايات والأحاديث في أن
المقصودين هم آل البيت عليهم السلام وأنهم مصداق الأبرار والأتقياء،
كما في تفسير قوله تعالى (بأيدي سفرة، كرامٍ بررة).(17) قالوا :
بأيدي الأئمة الكرام البررة.(18) وفي رواية الإمام الحسن (ع) فإنهُ
يقول : بأن كل ما جاء في القرآن بحق الأبرار فإن المقصود بها هو
الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء والإمام الحسن والحسين).(19) وقد
أعتبر العلماء بأن وصف الأئمة عليهم السلام بالأبرار ، هو مصداق آية
التطهير، كما ورد في زيارة الإمام الحسين (ع) : (السلام عليك يا
مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك
وعترة آبائك الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم
تطهيرا).(20)
وورد عن النبي (ص) أنه قال :
(إنّي وأبرار عترتي .. معنا راية الحق والهدى، من سبقها مرق، ومن
خذلها محق، ومن لزمها لحق .. فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا، وإن
تتولوا عنا يُعذبكم).(21)
الإمام علي عليه السلام في خطبة
المتقين، وصف شيعتهم بأنهم الأبرار أيضا فيقول عن مؤمني الشيعة :
(أما النهار فحكماء علماء أبرار أتقياء).(22)
المصادر :
1- إنجيل متى 8 : 11.
2- سفر هوشع 1 : 10.
3- رسالة بولص إلى أهل غلاطية 3 :
26.
4- سورة المائدة : 18.
5- إنجيل متى 13 : 36 ــ
47.
6- إنجيل متى 8 : 11 ــ
12.
7- لوقا : 13 : 24 ــ
29.
8- سفر التثنية 9: 8.
9- سفر حزقيال 17 : 36
10- سفر صموئيل الثاني 22:
8.
11- لوقا 21 : 8.
12- رسالة بطرس الرسول الثانية 2:
15. وسفر الحكمة 2 : 21.
13- الأنعام : 75.
14- المدثر : 38.
15- آل عمران : 193.
16- الانفطار 13.
17- سورة عبس آية : 15 ــ
16.
18- تفسير عليّ بن إبراهيم بن
هاشم القمّي 2: 405، دار الكتاب، قم، 1404.
19- ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي
طالب 4: 2، مؤسسة انتشارات علامة، قم، 1379. روى محمد بن الحنفية،
عن الإمام الحسن، أنه قال:كلُّ ما في كتاب الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ
الأَبْرَارَ﴾) فوالله ما أراد به إلاّ عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا
والحسين؛ لأنّا نحن أبرار بآبائنا وأمهاتنا، وقلوبنا علَتْ بالطاعات
والبِرّ، وتبرّأت من الدنيا وحبّها، وأطعنا الله في جميع فرائضه،
وآمنّا بوحدانيته، وصدَّقنا برسوله. ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب
4: 2.
20- ابن قولويه القمّي، كامل
الزيارات: 253. وجاء في موضعٍ آخر: «صلّى الله على محمد وآله
الطاهرين الأخيار الأتقياء الأبرار، الذين انتجبتهم لدينك،
واصطفيتهم من خلقك، وائتمنتهم على وحيك، وجعلتهم خزائن علمك،
وتراجمة كلمتك، وأعلام نورك، وحفظة سرّك، وأذهبت عنهم الرجس
وطهّرتهم تطهيراً. الطوسي، مصباح المتهجِّد: 103.
21- سليم بن قيس الهلالي، أسرار
آل محمد : 715.مطبعة الهادي قم.
22- نهج البلاغة ، خطب الإمام علي
(ع) ج2 ص : 162.