المعجزة خرق القوانين وليس تعطيلها.الاسراء والمعراج.

2023/01/17

المعجزة خرق القوانين وليس تعطيلها.الاسراء والمعراج.
مصطفى الهادي.
لم تكن المسألة عفوية عندما ترى تلك التماثيل والرسوم والجداريات الأثرية لدى مختلف الأمم والتي تعكس مشاهد محاولات طيران الإنسان او وضع رموز تُشير إلى ذلك مثل وجود الاجنحة على اجساد البشر او التحليق بين النجوم ، ومازالت هذه الرسوم موجودة تحكي قصة محاولة الإنسان في الخروج من الأرض إلى آفاق السماء الرحبة. وإن دل هذا على شيء فإنه يدل بوضوح على ان هذه الرسوم لها علاقة بأشياء حدثت فعلا حاول الإنسان تقليدها عبر العصور.ولكن الإنسان اتجه اتجاها ماديا لتحقيق ذلك ولم يسلك سبل الأنبياء والصالحين فاعتمد على الوسائل المادية فجرت محاولات منذ القدم ذكرتها الكتب المقدسة ومنها قول القرآن (فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى).

عند عجز الإنسان عن ادراك الشيء وحيرته في تفسير ظاهرة معينة، ينطلق في تفسيرها حسب ثقافته ووعيه أو غايته، ومن هنا نرى هذا التفاوت في فهم الاشياء الحاصلة. ففي انتقال النبي محمد (ص) من مكة إلى فلسطين ثم إلى السماء، تحيرت عقول من سمعوا بذلك . كيف ينتقل بجسده بهذه السرعة التي لا تستوعبها عقولهم، فانقسموا بذلك بين مكذّب للخبر أو قائل انه انتقل بجسده وروحه معا ، وقال آخرون انتقل بروحه أو في المنام ، وهنا ظهر حديث أم المؤمنين عائشة الذي تلاقفهُ البعض من أنهُ اسري بروحه دون جسده فقالت : (ما فقدت جسد رسول الله ليلة الاسراء، ولكن اسري بروحه).(1)

ولو تفحصنا كتب الأقدمين وآثارهم وكذلك سيرة الأنبياء السابقين لوجدنا روايات ونصوص تدلنا على ان ما جرى لنبينا (ص) شبيه بما جرى علىيهم ،فكما تذكر الكتب المقدسة وبعض رواياتنا أن الكثير من الأنبياء السابقين أتو بمعجزات لا حصر لها ومنها نزول مخلوقات من السماء لنصرتهم (ملائكة) وأنهم ساروا على الماء او طاروا في الهواء ، او انتقلوا من مكان لآخر في طرفة عين ، او تسخير الريح لسُليمان، وانتقال ذي القرنين، ولكن لمّا عجز قومهم عن تفسير ذلك فصلوا بين الروح والجسد فزعموا ان ذلك حصل لهم بالروح فقط، او في المنام.مع أن الوصف يدل على أن ذلك حصل بالروح والجسد معا كما نقرأ في سفر صموئيل : (ضباب تحت رجليه ركب على كروب، وطار ورئي على أجنحة الريح).(2) فقد صعد إيليا إلى السماء بوسائل اشير لها على أنها عاصفة او كرّوب كما نقرأ : (اصعد الرب إيليا في العاصفة إلى السماء).(3) وكذلك نزول مركبة من نار حملت إيليا إلى السماء (إذا مركبة من نار فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء).(4)

وأما في الإنجيل فإن السيد المسيح مشى على الماء وطار في الهواء وارتفع إلى السماء وكلها تدل على انه ارتفع عنهم بالجسد والروح معا، ولكن قومه لما عجزوا عن فهم ذلك قالوا انه سار على الماء وصعد إلى السماء بالروح ، ففي إنجيل متى قال : (مضى إليهم يسوع ماشيا على البحر، فلما أبصرهُ التلاميذ ماشيا على البحر اضطربوا وصاحوا قائلين: إنه روح. فكلمهم يسوع قائلا : ثقوا، أنا هو . لا تخافوا).(5) يقول المفسر المسيحي : (ظهر لهم المسيح ماشيا على الماء، مقبلا نحو السفينة، فخافوا منه إذ ظنوه روحا طمأنهم يسوع قائلًا: أنا هو المسيح).(6)

مما تقدم نفهم أن إيليا طار في الهواء جسدا وروحا ، وضرب رفيقه الماء بالرداء فسار على الماء . وكذلك طيران المسيح في الهواء وانتقاله الى مكان آخر عن طريق رفعه بالجسد (بل رفعهُ الله إليه).إنهُ خرق لقوانين الطبيعة من قبل خالقها وليس تعطيلها. فعندما يطير الإنسان اليوم في الهواء فإنه يقوم بخرق قانون الجاذبية وليس تعطيله، ولكنه لا يفعل ذلك بمعجزة بل بوسيلة يخترعها كالصواريخ والطائرات. ومن ذلك نستدل على أن كل من ارتفع إلى السماء كان بوسيلة ما، نبيا كان أو غيره،عبّرت عنها الكتب السماوية بأسماء شتى مثل : (الكرّوب ،البراق، السحاب ، العاصفة، الضباب، مركبات من نار، ملائكة، اجنحة الريح). وكلها لربما كنايات عن نوع من الوسائل المتقدمة جدا قياسا إلى ما في عالمنا. وهذا ما نقرأه في نصوص منها :

ففي صعود المسيح (ع) قال : (وفيما هو يُباركهم، انفرد عنهم وأصعد إلى السماء، ارتفع وهم ينظرون. وأخذتهُ سحابة عن أعينهم.وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان بلباس أبيض قالا: ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء).(7)

فهذه النصوص تدل على أن الطيران والانتقال والرفع إلى السماء كان بالروح والجسد معا بواسطة أو من دون واسطة. وليس ادل من ذلك على قوله تعالى : (سبحان الذي اسرى بعبده). وكلمة عبده لا تكون إلا مع الروح والجسد معا، ولو كان الاسراء بروحه لقال تعالى : (سبحان الذي أسرى بروحه).حتى الاثار والجداريات والرسوم تعكس حالة طيران بالجسد.

في هذا الصدد يقول بنيامين بنكرتن: (يتوهم الطبيعي ــ الذي يؤلّه الطبيعة ــ أن الطبيعة مقيدة بنواميس لا تتغير، ولكنه لا يعلم بأن الله بحكم محبته لنا يتحكم في كل النواميس لتعمل معا لخيرنا ولو على غير أوضاعها. فقد جعل بعض الأنبياء يمشون على الماء ، واوقف الشمس في كبد السماء. ورفع بعضهم إلى السماء. وهذا كله خلافا للنواميس الطبيعية.إن المعجزة دليل على القدرة الإلهية).(                </div>
            </div>

        </div>
        <div class=