الجنة ،الفردوس، النعيم في الكتب المقدسة.

2023/01/17

الجنة ،الفردوس، النعيم في الكتب المقدسة.
مصطفى الهادي.
الجنة ، الحلم الذي طالما سعى الإنسان لتحقيقه او اكتشافه على الأرض ولكنه لم يفلح . فمن جنة تشاغوس المفقودة مرورا بـ جنة أورتكند الضائعة في شمال إيران ، وجنة عدن في جنوب العراق إلى مثلث الجنة في فنلندا وجزر الكاريبي ،بحث الإنسان في كل زاوية فتركت هذه الأبحاث اثرا كبيرا في الأدب العالمي ابتداء من ملحمة الفردوس المفقود لجون ملتون الانكليزي ومرورا برواية الجنة المفقودة للأمريكية أورسولا لي غوين.ناهيك عن سعي البشر لبناء الجنة الأرضية ولكنهم خابوا فاوصلوا الأرض إلى حافة النهاية.

علميا فقد قضى المستشرقون وبعض المكتشفين والرحالة السنين الطوال وبذلوا الأموال الطائلة وتعرضوا للأخطار من اجل العثور على الفردوس المفقود في الأرض، حتى أن بعضهم قال بأن الجنة المفقودة هي هاييتي. وأحدث ما قيل عن الجنة بأنها كانت في جنوب العراق شرق مدينة أور، وهذا القول يتوافق مع الرؤية التوراتية. وقد بذل البروفيسور وعالم الآثار الأمريكي جوريس زارين جهودا كبيرة في بحثه عن جنة عدن، فوجد انها تقع في جنوب العراق فيما يُسمى الآن القرنة حيث كانت تلتقي هناك اربعة أنهار.

بقيت الجنة ذلك الغموض الذي يلف مخيلة الإنسان والذي لا يملك تصور واضح عنها إلا ما ورد عنها في رسالات السماء ، ومنها الكتب المشهورة الثلاث.
ففي الكتاب المقدس ورد اسم الجنة مرتين فقط في سفر التكوين وسفر إشعياء (1) في إشارة إلى جنوب العراق الذي كان يجري فيه أربعة أنهار تسقي الجنة، لم يبق مهما سوى اثنان (حداقل والفرات) دجلة والفرات،فيقول: (وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، وشجرة الحياة في وسط الجنة ووضع هناك آدم الذي جبله ــ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ــ. وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة ... حداقل، وهو الجاري شرقي أشور. والفرات. وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها).(2) وهو مقارب لوصف القرآن للجنة بأن الأنهار تغذيها: (مثلُ الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار).(3) وقوله تجري من تحتها الانهار ، اي تتخلل قصورها وبيوتها وبساتينها.
الكتاب المقدس يؤكد بأن هذه الجنة ــ التي حُجبت عنّا ووضعت لربما في حيّز خاص بها بعد خروج آدم منهاــ كانت وستكون على الأرض وحسب رؤية التوارة سوف يكشف الله عنها الحجاب وسينزل إلى الأرض وينصب خيمة ليسكن فيها وسط الناس ويرفع منهم الأمراض والاوجاع فيقول في سفر الرؤيا : (ها خيمة الله مع الناس سيسكن معهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون نوح ولا صراخ ولا وجع في ما بعد).‏(4)‏

الولوج إلى هذه الجنة بعد حجبها يحتاج إلى حالة خاصة وإذن خاص من خالقها،وأحد هذه الوسائل هي الموت للأبرار أو الشهداء حيث ينتقل الشهداء والصالحين والأبرار إلى جنة نعيم (إن الأبرار لفي نعيم).فمن الصعب الولوج إليها بالجسد المادي الكثيف إلا أن يرفع الله تعالى الستار بيننا وبينها كما يحصل في آخر أيام هذه الأرض. ولعل في القرآن اشارة إلى ذلك عندما يصف عملية الولوج إلى الجنة او العوالم الموازية بأنها تتم عبر أبواب تُفتح بإذن الله تعالى كما نقرأ : (إن الذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُفتح لهم أبوابُ السماء ولا يدخلون الجنة). (5) فما بيننا وبين الجنة ابواب مغلّقة.وكما هو معلوم فإن الأرض جزء من السماء وقوله لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة. يدل دلالة واضحة ان هناك حواجز بيننا وبين ذلك العالم يُفتح ويُغلق بأمره تعالى. وفي ذلك دلالة ايضا على ان جنة الأرض بعد هبوط آدم منها حجبها الله في حيّز خاص بها لايصلها احد إلا عبر هذه الابواب. (6) (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب). (جنات عدن يدخلونها ..والملائكة يدخلون عليهم من كل باب).

وفي معرض تفسيره يقول المفسر المسيحي أن الأبرار هم من سيسكنون في جنة الأرض الفردوس الأرضي حيث يقول في الزبور : (الأبرار يرثون الأرض ، ويسكنونها إلى الأبد). (7) وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من مبدأ وراثة الأرض الذي ذكره تعالى (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوراثين). ونجد نصا شبيها في القرآن أيضا يُشير إلى نص الزبور الذي ذكرناه وهو قوله تعالى : (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). من ذلك نستخلص سؤال هو : هل أن الجنة فعلا ستكون في الأرض وهل ستكون هناك جنة أخرى في انحاء الكون خصوصا واننا نقرأ في القرآن بأن هناك جنات (جنات تجري من تحتها الأنهار). أم هي جنة واحدة على شكل قطع متجاورات.

أما الكتاب المقدس فهو يؤكد على وجود جنتين، واحدة في السماء للخواص حيث سيذهب لها عدد محدود جدا، (144) ألف. وفي المسيحية فإن الجنة التي في السماء سوف يسكنها من البشر فقط مائة واربع واربعون ألف يخبرنا يوحنا في رؤياه بأن السيد المسيح ومعهُ (144) مائة واربعة واربعون ألف مكتوبة اسمائهم على جباههم هؤلاء يتبعون المسيح ويكونوا معه في الملكوت الأعلى. (                </div>
            </div>

        </div>
        <div class=