الربا الذي يتضاعف، والراتب الذي يأتي كل شهر معاقا مبتورا، وضنك
العيش الذي خلق الأزمات النفسية الحادة هي السمات البارزة في حياة هذا
المواطن الذي قضى عمره وهو يبحث عن ( وطن ) لطالما تسائل فيه أهله:
أما آن الأوان أن يمنح لهم شيئا من خيره؟
أما آن الأوان لأن يأخذ المواطن قسطا من الراحة في طريق التضحيات،
ويستعيد عافيته ولو لسويعات وهو يتنفس الصعداء حال سماعه بأخبار تسره
او رؤيته لمشاهد تقر بها عينه؟
أما آن الأوان لهذا المواطن أن يشعر بآدميته وهو يرى حكومة تخدمه لا
أن تتسلط عليه لتمشية رغبات أحزابها وقضاء شؤون قادتها؟
أما آن الأوان ليصبح العراقي كأي شخص خليجي يقطن الإمارات أو قطر أو
الكويت فيستشعر نعمة ثروات أرضه ويلمسها بأوامر وقرارات ملكية
وسلطانية وأميرية تخبره بأن له حقوق كثيرة عليه أن يأخذها دون تفريط
فيها؟
ما الفرق بين هذا العراقي وذاك الخليجي؟ أليست الأرض العراقية تتضمن
الثروات النفطية كما الخليج؟ أليست الأرض العراقية تتفوق على تلك
البلدان بفارق المياه العذبة والثروات والمعادن الأخرى؟
هل قدّر للعراقيين أن يحكمهم كل معارض للنظام الذي سبقه؟ فمن أزال
النظام الملكي قد حَكم، ومن أزال الذي أزال الملكية باسم الجمهورية قد
حَكم ومن أزال اولئك بأسم البعث قد حَكم ومن كان معارضا للبعث قد
حَكم، فمتى يستقيم الأمر ليحكم هذا الشعب أشخاص لا يتغنون بأمجاد
المعارضة؟ ومتى تثبت قواعد الحكم الخالي من الثارات والتمييز وأزمات
الثقة؟ ومتى تُلغى نظرية تقاسم الكعكة؟ ومتى تزول الوجوه التي لم تجلب
الخير للبلد؟
وأي خير هذا الذي نتأمله في وجوه تسنمت العروش لتملأ من خير العراق
أكراشا جوفا وأجربة سغبا حتى قطعت أوصال وطن كان ذات يوم رهينة بيد
أعتى الأنظمة ديكتاتورية وإجراما، فلم تأتي الوجوه الجديدة إلا بهذا
البؤس والشقاء.
ولعل من أسوا ما فعلته هذه الطبقة السياسية- بالإضافة لمثالب أخرى- هو
عجزها عن وضع سياسة اقتصادية محكمة تتناسب مع الوضع العراقي الذي
حطمته الحروب والأزمات والحصار، فلم تستغل الفترات التي بلغت فيها
أسعار النفط العالمي ذروتها لتمنح لهذا الشعب ولو جزء مما حرم منه
خلال العقود الماضية، بل اضطرته لان يقترض ويقترض ويسرت له سبل
الإقتراض فما كان حيلة المضطر إلا ركوبها بذرائع يخدع بها نفسه، فركب
الشعب موجة الإقتراض من مصارفه الحكومية وأضعها بين قوسين ( مصارفه
الحكومية ) التي تشتمل على ثروته وهذه الأخرى أيضا سأضعها بين قوسين (
ثروته ) ليقضي كل مقترض ما بقي من عمره في تسديد فوائد لم يعهدها حتى
كفار قريش في أزمنة الجاهلية الأولى، ومما يدعو للاستغراب والدهشة
سكوت الجميع ممن هم في البرلمان ( المنتخب )وغيره عن هذه الجريمة بحق
هذا الشعب، ولست أدري مالذي سيضر بالحكومة أو الساسة لو أن هذه القروض
قد تم إسقاطها عن كاهل المقترضين ومن جميع الفئات؟ وكم ستكون قيمتها؟
لا أظن أنها ستكون بحجم الأموال التي ابتلعتها الحيتان.. ولا التي تم
تهريبها ولا التي بنيت بها القصور او ذهبت للاستثمار في بنوك أوربا
وغيرها بأسماء وصفات وعناوين مجهولة.
اليوم أصبحت قضية إطفاء القروض مطلب جماهيري لا بد لأي حكومة أن تعيد
النظر فيه وهذا ليس فضل منها على الشعب، فالمواطن العراقي الذي
اقرضتموه من أمواله يعاني اليوم أزمة حادة تتعلق بمعيشته وخصوصا
الموظف، فاضطر مكرها للعمل بعد اوقات الدوام بل أثناء الدوام لتعويض
الاستقطاعات الشهرية والربا الحكومي، مما أدى إلى حدوث مفسدتين
إحداهما أسوا من الأخرى، الأولى أنه زج بنفسه في عمل ثان كان يفترض أن
يكون من حصة العاطلين عن العمل، والثاني أنه انشغل عن عمله الأساس في
دائرته، ومع انخفاض مستوى ما يتقاضاه أصبحت الوظيفة بالنسبة له مجرد
تواجد دون عطاء، فهو ينظر إليها - بعد الاستقطاع الكارثي لراتبه- إنها
مجرد وظيفة لم تمنحه سوى المتاعب.
المقترض العراقي ينتظر من وطنه أن يقول له خذ ما تشاء، لا أن يقول له
هل من مزيد.