يعد الولاء الحزبي مظهرا من مظاهر الزبائنية السياسية وقد شكل حلقة من
حلقات سلسلسلة المنظومة السياسية العراقية بمفهومها الجديد الذي اقترن
بالديمقراطية وتشكل وفق مقتضياتها ومن اهمها ذلك التعدد والتنوع
الديني والطائفي والاجتماعي في العراق .
ومما تجدر الاشارة اليه بعد 15 عاما من اعوام هذه الممارسة هو حال
اصحاب الولاءات الحزبية وتجربتهم الجديدة التي قد توصف بالطارئة
, فهؤلاء بطبيعة انتماءاتهم الاخرى كالدينية والقومية والطائفية
والعشائرية وغيرها مما قد تأصل فيهم قد وجدوا انفسهم أمام ولاء
وانتماء جديد يحقق لهم رغبة المشاركة في الحضور السياسي في معتركه
الكبير كجمهور حزبي .
فبعد حصول حالة الانتماء لدى البعض لهذه الاحزاب والحركات وبهذا القصد
الذي يعد حالة طبيعية في الدول المتحضرة تظهر عدة حالات يمكن ان نعبر
عنها بمظاهر الانتماء , فيفترض بالشخص المتحزب أن يكون مؤيدا لبرنامج
حزبه ولمتبنياته الفكرية والسياسية وغيرها من لوازم تأسيسه والتي تشكل
بدورها اهم دواعي انتماء اعضاءه رسميا له أو تشكيل الجمهور المؤيد له
وأن لم ينتمي بشكل رسمي .
هنا يواجه البعض حالة من حالات الصراع بين انتماءاتهم الاصيلة الاخرى
وبين الانتماء الجديد للحزب ومتبنياته , ولا ينطبق هذا الامر على من
هم في مرحلة الذوبان والانصهار في المنظومة الحزبية بل الحديث عن
الاشخاص الذين أظهروا التأييد عن مجرد تقليد للاخر او بسبب الانتماء
لاجل تحقيق مصلحة آنية أو مصلحة بعيدة المدى كمحاولة الحصول على نوع
من القوة وفرض الوجود وتعويض نقص معين في الشخصية , ومن أقوى الامثلة
على ذلك هو الانتماء للفصائل المسلحة ليحقق صاحبها مآرب شخصية لم يكن
ليحققها لو عاش حياته كمواطن بسيط (لا ألى هؤلاء ولا إلى هؤلاء
) , هذا النموذج يعيش نوعا من انواع الصراع و عدم القدرة على الثبات
الفكري في الدفاع عن المنظومة الحزبية في حال وجود من ينتقدها , ويظهر
هذا جليا في مواقفه المعلنة اثناء المشافهة والمكاشفة المباشرة في
لقاءات يومية معه او اثناء تصفح ما يكتب وينشر على صفحات التواصل
الاجتماعي ولهذا الامر امثلة عديدة قد ننتفع بذكرها للوقوف على نمط من
انماط هذه الشخصية المتحيرة والمحيرة في نفس الوقت والتي تتخذ
اشكالا متغيرة خصوصا اذا تعارضت متبنيات ومواقف حزبها مع متبنياتها
الاخرى التي ماتزال بحوزة الانداد والاضداد , وهنا تكمن صعوبة إعلان
الموقف الصريح والحاسم , فتجدهم في كثير من المواقف يعيشون أبشع صور
التناقض , والمشكلة الكبرى التي يتعرضون لها هي اصطدامهم بمن يعرفونهم
شخصيا او الاشخاص المطلعين على توجهاتهم السابقة لمرحلة انضوائهم تحت
رايات الاحزاب , فهؤلاء هم الاشد وبالا عليهم ممن يجهل تاريخهم
.
لذلك ترى تلك الردود المتشنجة وهي تتصدر قوائم التعليقات ولاتكاد تخلو
من عبارات مستهلكة مثل ( تاج راسك ) و ( الخط الاحمر ) والطعن بطهارة
مولد كل من يخالف الرمز الجديد , وهي بطبيعتها ردود ومواقف خلقت واحدة
من اسوأ الازمات الاجتماعية , وضربت بعرض الجدار كل القيم الاخلاقية
والدينية والاجتماعية لما تشتمل عليه هذه المواقف من مخالفات صريحة
لهذه القيم , لأن مشكلة الجاهل المتحزب الطاريء على الديمقراطية هي
مشكلة موقف وخطاب وهي مشكلة فهم وإدراك واختيار , وعجز عن التوفيق بين
الوضع القديم والوضع الجديد , فترى أن القواعد الجماهيرية للاحزاب
لاتكاد تخلو من هذه النماذج وليس هنالك ما يقوم أو من يقوم أداءها بل
لا يعني هذه الاحزاب إن أحسنت أو أساءت , فهي تنظر لهذه الانفس
المتصارعة المتباغضة المتلاعنة على أنها أرقام توضع في صناديق
الاقتراع .