إذا كانت المطالبة بتشريع قانون عادل ومنصف للأنتخابات تعد من
المطالب الطارئة لدى البعض أثناء موجة الاحتجاجات، فهي ليست كذلك
عند المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة آية الله العظمى
السيد السيستاني ( دام ظله ) الذي طالما كان يقرأ وبمنتهى الدقة
ما ستؤول إليه الأمور ليس في هذا الشأن فحسب بل في كل الشؤون
المهمة التي تتعلق بالقضايا المصيرية والمصالح العليا لهذا الشعب
.
فكانت المرجعية تراقب الحدث السياسي والاجتماعي والأمني
والاقتصادي وتبدي ملاحظاتها وتوصياتها بسلوك مسارات معينة ترى
فيها المصلحة لأبناء هذا الشعب ولاتلزم أحدا بالأخذ بها بقدر ما
تعتني بأداء دورها الأبوي الراعي لمصلحة الأبناء .
انطلقت التظاهرات فتخللتها المطالب الجماهيرية وارتفعت الأصوات
بمختلف الشعارات وأدلى كل بدلوه فانبرى ناطق يدعو للانقلاب وآخر
يدعو للخراب وآخر ينهض مسالما يريد صلاح الحال فلم تكن المطالب قد
نالت نصيبها من النضج مع دوامة اختلاف الخصوم الذين تحرك خيوط
البعض منهم أياد من وراء الحدود ولاعند آخرين أبوا الا أن يكونوا
من المستقلين ولا عند المتحزبين، فاختلط في بعض أوقات الاحتجاج
وبعض أماكنه حابل القوم بنابلهم فوقع ما يؤسف له من مكاره وحوادث
أورثت القلوب حزنا .
ومع الحدث ودون انقطاع كانت التوصيات تصدر ليصدح بها منبر الجمعة
في كربلاء المقدسة تحمل معها عطف المرجعية وحرصها وتضامنها مع
المحتج الذي يطالب بحقه المغتصب دون أن تنحاز لجهة دون أخرى وهي
تؤكد على مطالب مهمة لو اجتمعت الكلمة عليها فأنها ستكون كفيلة
بأنهاء حقبة مظلمة من حقب الفساد والتسلط الذي مارسته الأحزاب
طيلة السنوات السابقة، فكانت المطالبة - وبقوة - بتشريع قانون
عادل للأنتخابات، فالمرجعية ترى أن في تحققه الخلاص من هيمنة هذه
القوى الفاسدة .
قد يتسائل البعض ممن لا يعجبهم العجب - وهذا ديدنهم - عن
المناسبات والاوقات التي طالبت فيها المرجعية بتشريع قانون عادل
للانتخابات، وقد ينكر ذلك بل قد يصور أن المرجعية العليا دخلت على
الخط وركبت موجة التظاهرات فطالبت بعد أن طالبوا وقالت بعد أن
قالوا، ولكي ننصف المرجعية ونضع المشكك أمام حقائق تاريخية قد
تصدمه، نورد بعضا مما جاء في خطب سابقة ولسنوات مضت مطالب
المرجعية الدينية بضرورة سن وتشريع قانون عادل للانتخابات ولبيان
أنه الحل الأمثل لأعادة صياغة العملية السياسية وإصلاحها وكذلك
لبيان دقة تشخيصها لمكامن الخلل :
١ - ورد في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة في ١٢ / ٧ / ٢٠١٣ ما نصه
:
"ما يطرح من مقترح لتعديل قانون انتخابات مجلس النواب القادم
والاختلاف الواقع بين الكتل فالبعض يطرح اعتماد القائمة المغلقة
في مقابل القائمة المفتوحة وبعض آخر يطرح مقترح الدائرة
الانتخابية الواحدة في مقابل جعل العراق دوائر انتخابية
متعددة.،وكلامنا في كلا الامرين..فاذا كان هناك احتياج الى اجراء
تعديل ..نعم.. – ربما- نحتاج الى تعديل ولكن على ان يحقق توازناً
اكثر من المرات السابقة في تمثيل مكونات الشعب العراقي في
البرلمان ..ولابد ان نتعلم من تجاربنا الانتخابية السابقة فنسعى
لتحقيق تعديل يعطي للناخب عزماً ورغبة في المشاركة في الانتخابات
ويحقق في نفس الوقت توازناً اكبر في تمثيل مكونات الشعب العراقي
في البرلمان بما يتناسب وحجم كل مكون..
واضاف "لا يجوز ان نعود الى الوراء والى تجربة فيها سلبيات كثيرة
ولم تكن موفقة في تحقيق الاهداف المطلوبة من التجربة
الانتخابية.،فالدائرة الانتخابية الواحدة تخل بالتوازن في تمثيل
مكونات الشعب العراقي في البرلمان بحسب حجم كل مكون لان المناطق
في العراق تختلف فيها نسب المشاركة فبعضها مرتفع وبعضها
منخفض.،موضحا ان "اعتماد القائمة المغلقة ادى الى حصول حالة من
الاحباط لدى المواطن في الانتخابات السابقة لان المرشح الذي يصل
الى مقاعد مجلس النواب لم يكن بارادة واختيار المواطن تماماً بل
هو مختار من قبل قائمته والمواطن ينتخب القائمة فقط.. وبالتالي لم
يكن حراً تماماً في اختيار المرشح الذي لتمثيله في المجلس..
والمرشح الذي وصل الى مجلس النواب نعتقد بانه مناسب لتمثيل
.المجلس....ومن هنا فليس من المناسب اعتماد تعديل – في كلا
الأمرين- يرجعنا الى تجارب فاشلة ثبت عدم صلاحها.." .
٢ - ورد في بيان المرجعية الصادر في ٤ / ٥ / ٢٠١٨ ما نصه : " ولكن
من الواضح ان المسار الانتخابي لا يؤدي الى نتائج مرضية الا مع
توفر عدة شروط، منها: أن يكون القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة
اصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها." .
٣ - ورد في خطبة الجمعة ٢٧ / ٧ / ٢٠١٨ ما نصه :
" وتحقيقاً لهذا الغرض طالبت المرجعيّةُ الدينيّة بأن يكون
القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح
بالالتفاف عليها، وأن تكون المفوّضية العُليا للانتخابات مستقلّة
كما قرّره الدستور ولا تخضع للمحاصصة الحزبيّة، وحذّرت من أنّ عدم
توفير هذين الشرطين
edited
سيؤدّي الى يأس معظم المواطنين من العمليّة الانتخابيّة وعزوفهم
عن المشاركة فيها، " .
٤ - ورد في خطبة الجمعة ٢٥ / ١٠ / ٢٠١٩ وضمن مجموعة من المطالب ما
نصه : "وسنّ قانونٍ مُنصِف للانتخابات يُعيد ثقة المواطنين
بالعمليّة الانتخابيّة ويرغّبهم في المشاركة فيها." .
٥ - ورد في خطبة الجمعة ١٥ / ١١ / ٢٠١٩ ما نصه :
" ومن هنا فإنّ من الأهميّة بمكانٍ الإسراعُ في إقرار قانونٍ
منصفٍ للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعمليّة الانتخابيّة ولا
يتحيّز للأحزاب والتيّارات السياسيّة، ويمنح فرصةً حقيقيّة لتغيير
القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية، إذا أراد الشعب
تغييرها واستبدالها بوجوهٍ جديدة. إنّ إقرار قانونٍ لا يمنح مثل
هذه الفرصة للناخبين لن يكون مقبولاً ولا جدوى منه. كما يتعيّن
إقرار قانونٍ جديد للمفوّضية التي يُعهد اليها بالإشراف على إجراء
الانتخابات، بحيث يُوثقُ بحيادها ومهنيّتها وتحظى بالمصداقيّة
والقبول الشعبيّ." .
٦ - ورد في خطبة الجمعة ٢٢ / ١١ / ٢٠١٩ ما نصه :
" والمرجعيّةُ إذ تؤكّد على ما سبَقَ منها، تُشدّد على ضرورة
الإسراع في إنجاز قانون الانتخابات وقانون مفوّضيّتها، بالوصف
الذي تقدّم في تلك الخطبة، لأنّهما يُمهدّان لتجاوز الأزمة
الكبيرة التي يمرّ بها البلد." .
٧ - ورد في خطبة الجمعة ٢٩ / ١١ / ٢٠١٩ ما نصه : " فإنّ مجلس
النوّاب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوٌّ الى أن يعيد
النظر في خياراته بهذا الشأن، ويتصرّف بما تمليه مصلحة العراق
والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه الى دوّامة العنف
والفوضى والخراب، كما أنّه مدعوّ الى الإسراع في إقرار حزمة
التشريعات الانتخابيّة بما يكون مرضيّاً للشعب، تمهيداً لإجراء
انتخاباتٍ حرّة ونزيهة تعبّر نتائجُها بصدق عن إرادة الشعب
العراقيّ،" .
٨ - أما هنا فقد جاء تفصيل المطلب بشكل واضح حيث ورد في خطبة
الجمعة ٢٠ / ١٢ / ٢٠١٩ ما نصه : " وعلى ذلك فإنّ أقرب الطرق
وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب الى المجهول أو
الفوضى أو الاقتتال الداخلي -لا سمح الله-، هو الرجوع الى الشعب
بإجراء انتخاباتٍ مبكّرة، بعد تشريع قانونٍ مُنصِفٍ لها، وتشكيل
مفوّضيةٍ مستقلّةٍ لإجرائها، ووضع آليّة مراقبةٍ فاعلةٍ على جميع
مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعمليّة الانتخابيّة.
ولكن الملاحظ تعرقلُ إقرار قانون الانتخابات الى اليوم وتفاقم
الخلاف بشأن بعض موادّه الرئيسة، وهنا نؤكّد مرّةً أخرى على ضرورة
الإسراع في إقراره وأن يكون منسجماً مع تطلّعات الناخبين، يقرّبهم
من ممثّليهم ويرعى حرمة أصواتهم ولا يسمح بالالتفاف عليها، إنّ
إقرار قانونٍ لا يكون بهذه الصفة لن يساعد على تجاوز الأزمة
الحاليّة.
وإذا تمّ إقرارُ قانون الانتخابات على الوجه المقبول يأتي الدور
للنُّخَب الفكريّة والكفاءات الوطنيّة الراغبة في العمل السياسيّ،
لتنظّم صفوفها وتعدّ برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة
في إطار خططٍ عمليّة مدروسة، لكي تكون على استعدادٍ لعرضها على
الناخبين في أوان الانتخابات، ويتمّ التثقيف على التنافس فيها لا
على أساس الانتماءات المناطقيّة أو العشائريّة أو المذهبيّة
للمرشّحين، بل بالنظر الى ما يتّصفون به من كفاءة ومؤهّلات وما
لديهم من برامج قابلة للتطبيق للعبور بالبلد الى مستقبلٍ أفضل،
على أمل أن يقوم مجلسُ النوّاب القادم والحكومة المنبثقة منه
بالدور المطلوب منهما في إجراء الإصلاحات الضروريّة، للخلاص من
تبعات الفساد والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعيّة في المدّة
السابقة."
...........
حسين فرحان