دفنُ الوفاءِ بينَ البقيعِ وكربلاء

2021/02/23

بقلم: زينب إسماعيل عبد الله
جوهرةٌ من معادنِ الفضلِ والوفاء
امرأةٌ ولا كُلّ النساءِ؛
انصهرتْ وذابتْ في ولاية أهلِ البيت (عليهم السلام)..
وفي ذوبانِها صاغتْ معدنَ الوفاء
بينَ البقيعِ وكربلاء
شيّدتْ صرحًا شامخًا..
ونصبت فوقه علمًا مُطرّزًا بالوفاء عانقَ السماء
بذراعين مقطوعين في كربلاء
قمرٌ وثلاثُة نجومٍ هوتْ على رمضائها
لتبقى شمسُ الحُسينِ (عليه السلام) مُشرقةً في نهارِ عاشوراء
بعدَ أنْ غابَ القمرُ وأفلتْ نجومُه..
في ليلتها غربتْ تلك الشمسُ
إلا أنَّ شُعاعَها انتشرَ في كُلِّ بقاعِ الأرض
حتّى أصبحَ محورَ بطولاتِ الشُجعان
إنّها أمُّ البنين (عليها السلام)..
وما أدراكَ ما أُمّ البنين؟!
    إنّها فاطمةُ بنت حزام بنت خالد بن ربيعة الكلاببية، وأُمُّها تمامة بنت سهل. نشأتْ في أُسرةٍ مُحبّةٍ لأهلِ البيت (عليهم السلام)، فكانت نبعَ العطاءِ ورمزَ الوفاءِ، حتى ضحّتْ بأبنائها الأربعةِ وفاءً للحُسين (عليه السلام)، ونصرته في حياتِه، وبعد استشهاده..
   إنّها امرأةٌ اُختيرتْ من الله (سبحانه وتعالى)...
    ولمّا نعى بشرُ بن حذلم أولادَها لم تأبهْ بنعيه لهم وسألته عن الحسين (عليه السلام)، وما إنْ سمعت بخبر استشهاده حتى أُغشيَ عليها من البُكاء والعويل حزنًا عليه..
    نصبتِ العزاءَ في بيتِها وشاطرتْها الحوراءُ زينب (سلام الله عليها) في حزنِها على أولادِها والحسين (عليهم السلام)..
    كانتْ فصيحةَ اللسانِ وشاعرةً تندُبُ الحُسينَ (عليه السلام) وأبناءها من خِلالِ شعرِها، وتفضحُ آلَ أُميّة وأفعالهم ضدَّ أهلِ البيت وما فعلوه بالحسين (سلام الله عليه) في كربلاء، فكانَ شعرُها إعلامًا تحدّى إعلامَ بني أُمية (لعنةُ الله عليهم)، واستمرت على هذه الحال حتى وافاها الأجل في يوم الجمعة، الثالث عشر من جمادى الآخر لعام ٦٤هـ. تولى الإمامُ زينُ العابدين (عليه السلام) دفنَها في البقيع، وهناك من يقول إنّها استُشهدتْ؛ لأنّها بدأتْ تؤلِّبُ المدينةَ على الطاغيةِ يزيد..
     إنَّ أُمَّ البنين (عليها السلام) لم تكنْ شخصيةً عظيمةً تركتْ بصمتَها في سجلِ الوفاء فقط، بل كانتْ قدوةً صالحةً تقتدي بها كُلُّ النساء في طاعةِ اللهِ (تعالى)، ومرضاتِه.. إنّها نموذجٌ للمرأةِ التي تُربّي أنصارًا لحُجتِّنا المهدي (عجل الله فرجه)..
    أصبحتْ وجيهةً بالحُسين (عليه السلام)، وبابًا من أبوابِ الحوائجِ التي لا يُرَدُّ سائلُه، ومدرسةً للعطاءِ والوفاءِ..
     زيارةُ قبرِها في البقيع له أجرٌ وثوابٌ، وترابُ قبرِها له أثرٌ خاصٌ وحيثيةٌ رفيعةٌ كما في قبور الأئمةِ والأنبياء (عليهم السلام)..
    فهنيئًا لبقيع احتضنَ جسدَها الشريفَ، وهنيئًا لطفٍّ احتضنَ أجسادَ أبنائها (عليهم السلام)..
   وهكذا دُفِنَ الوفاءُ، هي (سلام الله عليها) في البقيع، وأبناؤها (عليهم السلام) في كربلاء.. فسلامٌ عليها يومَ ولِدتْ، ويومَ وافاها الأجلُ، ويومَ تُبعَثُ حيةً مرضيةً..
أخترنا لك
جانب من تصوير رفع القران الكريم في مواكب منطقه طليحه

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف