اسمُك جمالُك

2021/02/23

بقلم :  فاضل حاتم الموسوي
من المسائلِ المُهمّة في حياةِ الإنسانِ حُسنُ تسميتِه؛ إذْ يُعدُّ الاسمُ عنوانًا للمُسمّى، ودليلًا عليه، وضروريًا للتفاهُمِ معه ومنه وإليه، وهو للمُسمّى زينةٌ ودعاءٌ وشعارٌ يُدعى به في الآخرة والأولى وتنويهٌ بالدين.
وهو في طباعِ الناسِ له اعتباراتٌ ودلالاتٌ؛ حيثُ يؤكِّدُ عُلماءُ التربيةِ أنّ الطفلَ الذي يُستهزأُ به من قِبلِ الأطفالِ الآخرين لسوء اسمِه أو لأنّه ينتسِبُ إلى عشيرةٍ ذات اسمٍ قبيحٍ يخسرُ نشاطَه ويسيرُ إلى الاضمحلالِ والانهيارِ، فيأخذُ بتجنُبِ الألعابِ الجماعيةِ مع الأطفالِ ويخافُ من مُعاشرتِهم.
فينبغي على الآباءِ أنْ يتخيّروا لأبنائهم من الأسماءِ الحَسَنةِ عندما يولدون وأنْ يجتنبوا تسميةَ الطفلِ باسمٍ قبيحٍ يسوؤه في كِبَرِه حيثُ إنّه ممّا لا شكَّ فيه أنَّ لاسمِ الإنسانِ أثرًا على نفسيتِه إما بالإيجابِ أو بالسلبِ تبعًا لحُسنِ الاسمِ أو قُبحهِ.
ووردَ استحبابُ التسميةِ قبلَ أنْ يولَدَ الطفلُ، ومن لم يُسمِّ قبلَ الولادةِ فليُسمِّ بعدَها حتى إنْ كانَ الولدُ سقطًا، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمّوا أولادَكم قبلَ أنْ يولدوا؛ فإنْ لم تدروا أذكر أم أنثى فسمّوهم بالأسماءِ التي تكونُ للذكرِ والأنثى، فإنَّ أسقاطَكم إذا لقوكم يومَ القيامةِ ولم تسمّوهم يقولُ السقطُ لأبيه: ألا سمّيتني، وقد سمّى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) مُحسنًا قبلَ أنْ يولد(1)
فمن حقِّ الولدِ على والدِه أنْ يُحسِنَ تسميتَه، ورد أنَّ رجلًا جاء إلى رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا رسولَ الله ما حقُّ ابني هذا؟ قال: تُحسِّنُ اسمَه وأدبَه، وتضعُه موضعًا حسنًا(2)
ومن أفضلِ الأسماءِ وأشرفِها اسمُ رسولِ اللهِ مُحمّد (صلى الله عليه وآله)، وما أعطاهُ اللهُ من خصيصةٍ وكرامة، عن أبي هارون قال: كُنتُ جليسًا لأبي عبدِ الله (عليه السلام) بالمدينةِ ففقدني أيامًا ثم إنّي جئتُ إليه فقالَ لي: لم أرك منذُ أيامٍ يا أبا هارون، فقلتُ: ولِدَ لي غلامٌ، فقالَ: باركَ اللهُ لك، فما سمّيتَه؟ قلتُ: سميتُه مُحمّدًا، قال: فأقبلَ بخدِّه نحوَ الأرضِ وهو يقول: مُحمّد، مُحمّد، مُحمد، حتى كادَ يلصقُ خدَّه بالأرضِ ثم قالَ: بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويّ وبأهلِ الأرضِ كُلِّهم جميعًا الفداء لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، لا تسُبّه ولا تضربْه ولا تُسئْ إليه، واعلمْ أنّه ليسَ في الأرضِ دارٌ فيها اسمُ مُحمّدٍ، إلا وهي تُقدَّسُ كُلَّ يوم(3)
وكانَ العربُ قديمًا يُسمّون أبناءهم بأسماءٍ مثل فهد ونمر وكلب وهكذا؛ لأنّهم كانوا أصحابَ حربٍ، فيُخيفون بها أعداءهم. وقد يُعجبُ المرءُ بزعيمٍ أو عالمٍ أو فنانٍ مشهورٍ أو مُمثِّلةٍ معروفةٍ أو لاعبِ كرةِ قدمٍ فيُسمّي ولدَه باسمِه أو باسمها دون ملاحظةِ الآثارِ السلبيةِ لهذه التسمية حيثُ سيكونُ صاحبُ الاسمِ الذي سمّينا الطفلَ عليه - في الأغلب - قدوةً له في حياتِه ومن المُتأثّرين به..
ولا ينبغي أنْ نتصوَّرَ أنَّ الاسمَ من مُختصّاتِ عالمِ الدُنيا فقط، وإنّما هو في منظومةِ المفاهيمِ الإسلاميةِ، إذ يُصاحِبُ الإنسانَ في عالمِ الآخرة، حيثُ يُنادى يومَ القيامةِ كُلٌّ باسمِه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: استحسنوا أسماءكم؛ فإنّكم تُدعونَ بها يومَ القيامة، قُمْ يا فُلان بن فُلان إلى نورِك، وقُمْ يا فُلان بن فُلان لا نور لك(4)
وكانَ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يُغيّرُ الأسماءَ القبيحةَ في الناسِ إلى الحسنة، روى مسلم في صحيحه أنّه (عليه [وآله] الصلاة والسلام) غيّرَ اسمَ (عاصية) بنتٌ سمّاها أهلُها إلى (جميلة)، وأُتيَ برجلٍ يُقالُ له أصرم - مأخوذٌ من الصرامة – فسمّاه (صلى الله عليه وآله) زرعة - رواه أبو داود-
كما كانَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) يُغيّرُ الأسماءَ المُستنكرةَ للأماكن، فقد مرَّ على قريةٍ تُسمّى عَفِرة، (العفرة أيّ لونِ الأرض) فسمّاها خَضِرة، ولمّا قَدِمَ المدينة وكانَ اسمُها يثرب غيّرها إلى طيبة.
واقتدى الائمةُ (عليهم السلام) بهذه السيرةِ بعدَه، روى أحدُ أصحابِ الإمامِ الصادق (عليه السلام) أنّه قال: دخلتُ على الإمامِ وهو واقفٌ على رأسِ ابنهِ موسى (عليه السلام) وهو في المهدِ، فدنا هذا الرجلُ من الإمامِ فقالَ (عليه السلام): اذهبْ فغيّرْ اسمَ ابنتِك التي سمّيتها أمس؛ فإنّه اسمٌ يبغضه الله(5)

وكانَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) يُحِبُّ الأسماءَ الحَسَنةَ، وكانَ يُكلِّفُ من يحملونها بالمهامِ والأعمالِ ويُعفي غيرَهم. روى مالك في الموطأ (أَنَّ رَسُولَ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحْلَبُ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مُرَّةُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ حَرْبٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: يَعِيشُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): احْلُبْ(6)
ويبدو من بعض الروايات أن هناك آثارًا عمليةً وفوائدَ واقعيةً للأسماء، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: لا يدخلُ الفقرُ بيتًا فيه اسمُ مُحمّدٍ أو أحمدَ أو عليّ أو الحسنِ أو الحُسينِ أو جعفر أو طالبٍ أو عبدِ الله أو فاطمةَ من النساء(7).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال لولدٍ صغيرٍ: ما اسمُك؟ قال: مُحمّد، قال:" بم تُكنّى"؟ قال: بعلي، فقال أبو جعفر: لقد احتضرتَ من الشيطان احتضارًا شديدًا، إنَّ الشيطانَ إذا سمعَ مُناديًا يُنادي: يا مُحمّد أو يا علي ذابَ كما يذوبُ الرصاص(8)
ومن الحالاتِ المُتداولةِ في المُجتمعاتِ الجاهليةِ وبقيتْ آثارُها في المُجتمع المسلم - مع الأسف - وكثيرًا ما تسبّبتْ في خلقِ نزاعاتٍ وخلافاتٍ بينَ أهلِ بلدٍ وآخر أو عشيرةٍ وأخرى وهكذا هي مسألةُ التنابُزِ بالألقابِ حيثُ يكونُ هذا اللقبُ سمةً تُلاحِقُ الشخصَ أينما حلَّ وذهبَ وربما بعدَ مماتِه أيضًا! فوقفَ الإسلامُ موقفَ الرافضِ لهذا السلوك في المجتمع، قال (تعالى): وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(9)
إنَّ احترامَ أبناءِ المُجتمعِ بعضهم لبعضٍ هو تعزيزٌ لقيمتهم الذاتية حتى الصغار. أمّا إذا أهانَ كُلُّ واحدٍ منهم الآخرَ فإنَّ المجتمعَ سيعيشُ حالةً من الإذلالِ والهوان. وهذه الآيةُ الشريفةُ تُنبِّهُنا إلى هذه الحقيقة وإلا كيفَ نتوقّعُ من الطفلِ أنْ يكونَ قويَّ الشخصيةِ وثقتَه عاليةً بنفسِه وهو يرى من حولَه يستنقصون منه؛ فلذلك كانَ أهلُ البيتِ (عليهم السلام) يُكنّونَ أطفالَهم ويُنادونهم بتلك الكُنى ويأمرونَ الناسَ بذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الكافي ، الكليني ، ج 6 ، ص 18
(2)وسائل الشيعة ، الحر ألعاملي ، ج 15 ، ص 124
(3)بحار الأنوار ، ألمجلسي ، ج 30 ، ص 17
(4)وسائل الشيعة ، الحر ألعاملي ، ج 15 ، ص 123
(5)وسائل الشيعة ، الحر العاملي ، ج 15 ، ص 123
(6)موطأ مالك ، مالك بن أنس ، ج 6 ، ص 18، رقم الحديث : 1789
(7)بحار الانوار ، المجلسي ، ج 16 ، ص 130
(8)وسائل الشيعة ، الحر العاملي ، ج 15 ، ص 128
(9)سورة الحجرات ، الآية : 11
أخترنا لك
موكب القاسم الاكبر بن الحسن عليه السلام يشارك بحملة رفع المصاحف في المجالس الحسينية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف