الطفل بين الوراثة والتربية

2021/02/06

كتب : قاسم المشرفاوي

أنتَ تشبهُ والدَك كثيرًا....
أنتِ تشبهين أُمَّكِ؛ فأُمُّكِ جميلةُ العينينِ، وطويلةُ الشعر.
كثيرًا ما نسمعُ هذه العبارات يُردِّدُها بعضُ الناسِ، وهي تدلُّ على انتقالِ الصفاتِ الجسديةِ إلى الأبناءِ عن طريقِ الوراثةِ، وهذا ما تمَّ إثباتُه من قِبلِ العِلمِ الحديث.
وقد سبقَ الرسولُ الكريمُ (صلى الله عليه وآله) العلمَ الحديثَ في ذلك؛ إذ أكّدَ عليه في كثيرٍ من الأحاديثِ الشريفةِ الثابتة.
فالوراثةُ عمليةُ انتقالِ الصفاتِ الجسديةِ والاستعدادِ للصفاتِ المعنوية من الآباءِ والأُمّهاتِ إلى الأبناءِ عن طريقِ الحامض النووي.
ولا يقتصرُ الانتقالُ ذلك على الوالدين، بل من الطبيعي جدًا أنْ تنتقلَ الصفاتُ من الأجداد البعيدين جدًا الى أحفادهم.
ومن خلالِ الواقعِ فإنّنا نُشاهدُ أنّ كثيرًا من الأبناءِ يُشبهون آباءَهم وأُمّهاتهم من الناحيةِ الخَلقية والخُلُقية.
وربما يسألُ سائلٌ ويقول: إذا كانَ الأبناءُ يرثون الأخلاقَ من والديهم، فما الداعي إذن إلى التربية؟
وللإجابة عن هذا السؤال فإنّنا نقول:
إنَّ انتقالَ الصفاتِ ليس حتمياً وقطعياً، إذ إنّ لقانونِ التربيةِ تأثيرًا أقوى من المُمكنِ أنْ يُغيّر ويُسيطرَ على هذه الصفات ويصقلَها إلى النحو الأحسن.
فاللهُ (تعالى) يقول في كتابه المجيد: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)، الآيةُ تدلُّ على أنّ اللهَ (تعالى) قد ألهمَ الإنسانَ إلى الخير والشر على حدٍّ سواء وتركَ له حُريةَ الاختيار في تزكيةِ نفسِه من عدمِها، وهذا هو الاختبار الإلهي.
الإنسانُ لا يخرجُ في كثيرٍ من الأحيانِ عن دائرةِ الفِطرةِ السليمةِ (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله)، والفطرةُ هي أنَ الإنسانَ مجبولٌ على وحدانيةِ اللهِ (تعالى) والإيمانِ به.
وما نُريدُ قولَه هو: أنّ دورَ المُربّي يكمُنُ في أمرين:
الأول: تنميةُ الميولِ الإيجابيةِ السليمةِ لدى الطفل وتعزيزِها ودعمِها، كالصدقِ وحُبِّ الخير والأمانة وغيرها.
والثاني: طمسُ وإخفاءُ الميولِ السيئةِ السلبيةِ لدى الطفل، كالاستعداد للأنانية والبُخلِ والكذبِ، والقضاءُ على هذه الميول ووأدِها قبلَ ظهورِها وتجذُّرِها لتنطفئ نارُها قبلَ أن تستفحل.
ولابُدّ أنْ نقولَ: إنّ بعضًا من الآباءِ الصالحين أنجبوا أبناءً فاسدين ، وفي المُقابلِ شاهدنا آباءً فاسدين أنجبوا ذُريةً طيبةً، وبذلك لا يُمكِنُ القولُ إنّ قانونَي الوراثة والتربية من الممكن أنْ يُطبَّقا ويشملا الجميعَ؛ إذ يُمكِنُ للإنسانٍ أنْ يختارَ طريقه في ظِلِّ ضعفِ تأثيرِ قانونِ الوراثة وقوة قانون التربية..
فالطفلُ يكونُ بينَ هذين القانونين، إضافةً إلى سعيه الحثيث في صقلِ نفسِه من الصفاتِ الرذيلةِ عندما يدخلُ في مراحلَ عمريةٍ متقدّمة ويتدرجُ صعودًا...
أخترنا لك
احلمْ، لكن بتوازُن...

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف