ما جاء على عاتق المعنى ...

2020/12/27


 
علي حسين الخباز


 تقدم أحد المختصين بعلم النفس بدراسة الطقوس الدينية ضمن حدود اختصاصه للبحث في قيمة التحكم في سلوك ومشاعر الجموع، ونحن نريد أن نأخذ منها ما يهم اختصاصنا أيضاً، ونقول: إن تفرد الطقس العاشورائي بما يمتلك من استقلالية حصنت وجوده؛ ليتمكن من منع امكانية توظيف تلك الطقوس لصالح خدمة السلطة والسياسة لتميزها عن بقية الطقوس الحياتية تمثلت باسم الشعيرة.
 واستشهد هذا المختص ببعض الأسماء التي تهمنا آراءها اكثر من أسمائها، فأحدهم يرى أن الناس تتمسك بأفعال دلالية دون الانتباه الى انتظامها الرمزي، وهذا التشخيص يجعلنا أمام بعض التشخيصات الاخرى التي ناقضت هذا المحور التشخيصي، فهي ترى أن للشعائر امكانية توحيد الجماهير باختلاف أعمارهم وجنسهم ومستوياتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
 ويرى أن تلك الشعائر تفردت بممارسة حركات ورموز وضوابط تنسجم مع ايقاعات درامية، وثم وصف الطقس بأنه خطاب مصاغ بلغة موجزة مشحونة بانفعالات توحد الجموع وتضبط أداءها، ويترك هذا المختص العديد من الأسئلة المهمة والتي يراها السيكولوجيون حسب ما ذكره الموضوع بالخطيرة..
السؤال الأول:
 هل تعمل الطقوس الدينية على تعبئة الجموع، وشحن الوجدان، وتجييش الوعي الجمعي بما ينسجم مع متطلبات العصر أم ضدها؟
الجواب:
 
 ماذا يريد السائل وهو يعرف تماماً أن تعبئة الجموع تأتي لصالح قيم انسانية ومعانٍ وجدانية تعني مناصرة الحق والاحتفاء برمز من رموز النصيحة والنداء الرسالي، فهل نحتاج لهذا الاحتفاء أن ينسجم أو لا ينسجم مع متطلبات العصر، ولماذا لا تقر بأن العصور الآدمية خاضعة لوجدان التآلف الانساني؛ لكون القضية الحسينية هي قضية تخلدت على الترقيم التقويمي، وتنامت عبر مكوناتها الى تكوين خصوصية تتعايش معها الأزمنة على شريطة عدم تعميم بعض الحالات التي لا تمثل الشعائرية، تحمل بعض السلبيات لتماثلها مع الواقع الشعائري، ولاشك أن السيطرة على الجماهير مسألة ذات مسؤولية كبيرة تحتاج الى جهود وإمكانيات عالية.
السؤال الثاني:
 هل تنسجم الطقوس الدينية الجماهيرية مع القيم الديمقراطية أم تعارضها؟
 الجواب:
هل استطاعت القيم الديمقراطية أن تقدم نفسها بالشكل المطلوب في جميع الانشطة والفعاليات الجماهيرية، فنجد أن صلب الموضوع الشعائري هو ديمقراطي بحت، فليس هناك من أجبر على تقديم التمويل والمشاركات طوعية، وتصل طوعيتها الى التماهي مع لذة التضحوية والفخر والاعتزاز بما تقدمه الناس لتلك الشعائر، ولاحظنا أن أغلب المعارضات هي معارضات سياسية لا تمثل الواقع بشيء، وإنما تمثل مصالحها. البعض يعترض على ضخامة الاستهلاك، وتكاليف هذه الشعائر، وهي تجمع بتمويلات ذاتية تطوعية ومعارضة هذا النوع من التمويل يعد مخالفة للأطر الديمقراطية.
السؤال الثالث:
  هل ينجح السياسيون دائماً في توظيف الطقوس الدينية لصالح بقائهم في السلطة أم أن الطقوس الدينية يمكنها أن تطيح بالسياسي الذي يستغلها لمصلحته الشخصية؟
 الجواب:
أولاً: لنتقرب من ماهية هذه الشعائر وتكوينها المقدس؛ كونها فرضاً وسنة وجزءاً حياتياً وجدانياً، ونمطاً سلوكياً مع تقاليد اجتماعية تبارك الشعائر، ولا تسمح لجهد سياسي أن ينال من قداستها، ويرفض أن تسخر لمجالات السياسة عندما تشتغل سياسياً ستفقد بريقها العقائدي، وتسلبها القمة الانسانية.
 المهم أن الجميع حريصون على عدم اقحام الشعائر بهذا الجانب، فرفض الجمهور رفضاً قاطعاً للشعائر الحسينية أن تؤدلج، وتنحرف عن مسارها.. الآن بدل أن تستنفر القضية بهذا المنحدر علينا أن نقف أمام ظاهرة اجتماعية وضعت بصمتها على خارطة الواقع.
 نحن الآن بحاجة الى العقل المثقف، الى كل العلوم الانشائية والنفسية والعلمية الى التألق في استثمار حصانة هذه الشعائر، ومؤازرة الرفض السياسي التاريخي أي الصوت الحسيني لصالح الرفض المعاصر لكل صنوف التجسيد السياسي، أو المصلحي، فشعائر بهذا الحجم بحاجة الى وقفة فكرية وعلمية الى جانب الخدمة الولائية.. نحن نحتاج وعيكم العلمي دون النظر الى تفرعات مذهبية ودينية.
السؤال الرابع:
   هل تعمل الطقوس الدينية على اضفاء الشرعية على سلطة غير عادلة أم تعمل على سحبها منها؟
الجواب:
 تأسست الشعائر الحسينية وكبرت وتعملقت جماهيرياً؛ لكونها تكونت على رفض النهضة الحسينية لسياسة السلطات غير العادلة، فضحى بروحه(عليه السلام) وبأهل بيته وأصحابه، وتماثل مع أسمى الحالات التضحوية لسحب الشرعية الدينية من سلطات التحزب الأموي.
أخترنا لك
ضلوع تئن ..

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف