هل تستطيع ان تصف النور للاعمى؟

2021/02/06

هل أنت صنعت نفسك؟

أم صنعك شيء جاهل عاجز صدفة عمياء؟
أم صنعك مصمم ذكي عالم قادر؟
أم لم يصنعك شيء؟

عندما يكون الإنسان أعمى فإنه يحتاج إلى معجزة لشفائه، ولكن الذي لا تُشفيه المعجزة هو الذي يتعامى. ولعلهُ من أشد الأشياء وضوحا هي مسألة وجود الخالق لهذا الكون ، فمن كان أعمى فلربما يدله عماه على أن الكون مظلم، ولكن ماذا تفعل لمن يعمي النور بصره ثم يُنكر وجوده.

ما اوهن افكار الإنسان التي تتهاوى في ساعاته الأخيرة حيث تتكشف له الأشياء فيصبح يرى بغير العين التي كان يرى بها ويسمع بإذن غير تلك القاصرة الضعيفة ، وتتكشف في هذه اللحظات الحرجة أكاذيب واوهام ما كان فيه وتصبح الحقيقة ماثلة امامه بثوبها الناصع الأبيض وستغادره حواسه إلى أعماق التراب وتتجرد حقيقته من اطمارها البالية وتتحد روحه مع ذرات الكون ويصبح جزءأ من المطلق عندها يُدرك ما كان يُنكره ولكن بعد وفاة الأوان. (1)

كثيرون يكتبون لي ويطلبون مني وفي كل يوم يتكرر هذا الطلب (هل تستطيعين ان تُثبتي وجود الله كأننا نراه). أنا بالنسبة لي متى أنكرته حتى أثبت وجوده هذه المسألة واضحة عندي كوجود الخاتم في اصبعي ثم كيف اصف النور للأعمى ؟

واقول لهؤلاء كما قال القديس علي ابن ابي طالب : (عميت عينٌ لا تراك).

لم تكن هذه الافكار جديدة فهي قديمة قدم الإنسان على هذه الأرض وبدأت معه عند عجزه عن تفسير الظواهر الكونية المخيفة المرعبة التي كانت تتخطف اعزاءه من حوله فلا يجد لها تفسيرا ، فأنكر صانعها ، فيأتي الأنبياء والمفكرون والفلاسفة ويوضحون له ذلك ويدلوه على خالقه فتموت هذه الأفكار المريضة ولكن هناك من يبعثها مرة أخرى في كل جيل .

والغريب أن الإنسان في انطلاقته الأولى نحو الشك كانت تعوزه الأدوات لتفسير ما يُحيط به،ولما عجز انكرها، ولكن ما بالنا نحن في هذا العصر نمتلك كل الوسائل والادوات لتفسير اعقد الظواهر ولكننا مع ذلك نزداد شكا وانكارا .

هو العناد والمكابرة والهروب من التكاليف الثقيلة التي يفرضها الدين ورب الدين. الإنسان يُريد ان يتحرر من القيود ليعيث في الأرض فسادا (فيفسد في الأرض ويُسفك الدماء) وقيود الدين تُكبله وتمنعه من ان ينطلق في اهوائه فتُحيطه بحِزم من القوانين الأخلاقية فيُزيلها بانكارها جملة واحدة (2) ثم يوقع بالآخرين في حبائله لأنه يحتاج جيوشا لتساعده في تحقيق مطامعه فيُبعد عنهم الإله الحق خالق كل شيء ولكنه يُنصّب نفسه إله لهم فيُطيعوه (ما علمت لكم من إله غيري). ثم يرمي لهم بضع قطع من الذهب ليسوموا الناس الخسف والعذاب ولكنه مع شدة إنكاره لخالقه وطمسه لحقيقة الرب فإنهُ يُثبته بحماقته من حيث لا يدري فيقول لهم : (أنا ربكم الأعلى) فيُثبت للناس بأن هناك رب أعلى ربٌ حقيقي اسمى منه.

المشكلة ليست في هؤلاء بل فينا نحن البسطاء حيث يقول مُنزل الكتب واصفا وضعنا وحالنا مع هؤلاء بأنهم استخفوا عقولنا : (استخف قومه فاطاعوه). ولكن في لحظات من الضعف وفي آخر لحظة من حياتنا في نقطة اللاعودة حيث لا ينفع الإيمان سوف نُقر بوجود هذا الرب الذي انكرناه فعندما اوشك فرعون الإله الأرضي على الغرق (قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين).

أنا لا استطيع تقديم ادلة اوضح مما موجود ولا استطيع ان اصف النور للعميان، إنما يحتاج إلى الأدلة من انكر وليس من اثبت وانا اثبت وجود الله واعترف بوجوده كيف لي ان انكر أن الطائرة التي اركب بها ليس لها صانعا؟(3)

(إن جميع الذين لم يعرفوا الله هم حمقى من طبعهم، لم يتأملوا المصنوعات حتى يعرفوا صانعها. إن الذي خلقها هو مبدأ كل جمال. إن كانوا قد بلغوا من العلم أن استطاعوا إدراك كنه الدهر؛ فكيف لم يكونوا أسرع إدراكا لرب الدهر؟) (4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والتوضيحات: 
1- تعمدت كتابة ذلك والصحيح (بعد فوات الأوان).
2- أحيط الانسان بالشهوات ومن اجل الانغماس فيها عليه ان يرفض كل ما يمنعه من الاغتراف منها والتمتع بها ولما كان الدين يمنعه من ذلك بدأ بانكاره.ان اضعف الضعفاء هو من اثبت وجود هواه وانكر عقله. 
3- قرأت للملاحدة وقرأت للمؤمنين ومنها كتاب مهم جدا كان سببا في ارجاع الناس إلى الإيمان بوجود إله . هذا الكتاب هو : The Rationality of Theism(عقلانية الإيمان بالله) فوجدت فيه اقتباس من كوينتين سميث يقول: {لم يمت الله في الأكاديميا، فقد عاد إلى الحياة في أواخر ستينات القرن العشرين؟} وكوينتين هو من اطلق الحقيقة الصادمة للملحدين في نظرية التحيز التأكيدي حيث قال : (لماذا هنالك شيء بدلا من لاشيء). (وكذلك وجدت مجموعة من العلماء الغربيين الكبار يستشهدون بالانتقال من العدوانية تجاه الله في موسوعة الفلسفة بقلم بول إدواردز المنشورة في 1967 إلى التعاطف مع وجود الله في موسوعة حديثة هي Routledge Encyclopedia of Philosophy. (موسوعة روتليدج للفلسفة). وكذلك قرأت كتاب لأشرس ملحد في القرن العشرين الذي كان ولخمسين عامًا يعتبر من أهم منظري الإلحاد في العالم، وهو الفيلسوف البريطاني (أنطوني جيرارد نيوتن فلو) الذي جعل نصف العالم يترك الأديان ويلجأ للإلحاد وإذا به في عام 2007 وقد بلغ من العمر تسعين عاما وقبل وفاته بثلاث سنوات يؤلف كتابه الشهير (هنالك إله) نسخ فيه كل كتبه السابقة. مشكلة الملحدين عندنا ــ أوف من الملحدين العرب ــ انهم بحاجة إلى القرائة والاطلاع على ما يكتبه علماء الغرب الذين يُقلدونهم في كل شيء حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوا ورائهم. 
4- سفر الحكمة 13: 1.

أخترنا لك
اليهودية والمسيحية أديان مرتدة ! أديان بين الوثنية والفلسفة اليونانية . الحلقة الأولى

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف